افراسيانت - د. يحيى محمد ركاج - إن السويد التي تعاني اليوم من فجوة كبيرة جداً في الهرم الديموغرافي لديها وفي توزع السكان، والتي انخفض سكان بعض المدن الشمالية فيها إلى النصف خلال بضعة سنوات قليلة مضت، لم يكن فيها بشر قبل أربعة عشر ألف سنة، حيث كانت منطقة مغطاة بطبقة بيضاء كثيفة من الثلج، واحتاجت قرابة الأربع إلى ست آلاف سنة حتى أصبحت مأهولة بالسكان، وأول المناطق التي تم سكنها من قبل البشر فيها كانت المدن الجنوبية التي أصابتها السيارات المفخخة منذ بضعة أيام، واستمرت السويد سابقاً –كما هي الآن- بمعاناتها من النزيف الديموغرافي بين فترة وأخرى نتيجة الأوبئة والحروب –وهي التي تملك تاريخاً حافلاً من الانغماس بالحروب- وتضاؤل النشاط الاقتصادي فيها حتى بدايات القرن العشرين تقريباً، رغم كونها خلال النصف الثاني من القرن السابع عشر من الإمبراطوريات ذات المكانة العالمية المرموقة، وأنها شكلت مع بعض الدول الاسكندينافية بالسابق اتحاد كالمار، وكان نشاط سكانها الرئيس بالزراعة والصيد، ولم تعرف النهضة الصناعية إلا بأواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، نتيجة حركات شعبية قوية اشتملت على الكنائس الحرة والامتناع عن الكحول وتحرير المرأة والحركة العمالية. كما أصبحت من الدول المسيحية في العالم في القرن الحادي عشر فقط رغم أنها عرفت المسيحية قبل ذلك بقرنين.
تحتاج السويد اليوم إلى ما لا يقل عن 350ألف مهاجراً سنوياً خلال عشرات السنوات المقبلة للمحافظة على وجودها القوي، والركيزة الرئيسة لها هم المهاجرون الهاربون من بلدان الحروب خاصة من منطقة بلاد الشام (السوريون والفلسطينيون واللبنانيون) لأن تكلفة تأهيلهم وإدماجهم بالمجتمع السويدي قليلة جداً مقارنة بغيرهم من شعوب العالم وفق دراسات سابقة أعدت على العراقيين المهاجرين إليها نتيجة الحرب التي شهدتها بلادهم في الفترات الماضية.
لقد أحسنت حكومة السويد إلى الآن استثمار الأحداث التي تصيب منطقة شرق المتوسط عموماً وسورية والعراق على وجه الخصوص من حيث التحكم بمصير المهاجرين إليها عبر منحهم حق الإقامة تحت مسمى اللجوء الإنساني الذي يبيح لها التخلص منهم متى شاءت لعدم منحهم حق الهجرة الشرعية رغم معرفة الجميع بالطرق الملتوية لوصول هؤلاء المهاجرين إليها وتسهيل مهمتهم، ومن حيث التعامل السياسي مع ردود أفعالهم التي وصلت إليها بعد دراسة ميولهم وتأهيلهم من قبل الأخصائيين الاجتماعيين، الأمر الذي تجسد بإعلان سياسي سويدي بالاعتراف بدولة فلسطينية، في سابقة تتيح لها الاستفادة من أخطاء تواجد الأفارقة العرب في فرنسا سواء من حيث التصويت والاقتراع، أم من حيث الاستقرار والأمن، خاصة أن الكثير ممن لجؤا إليها لن يتمكنوا من العودة إلى بلدهم الأم – قبل سنوات ليست بالقصيرة- لأسباب مختلفة.
لذلك يمكننا الإشارة إلى ما شهته السويد في السنة الماضية من تفجيرات والتي كان أخرها التفجيرين الانتحاريين الذين أصابا منطقة الجنوب فيها منذ بضعة أيام في مكان التواجد الكثيف للجالية العراقية ضمن ثلاث خيارات:
الأول: ضريبة قامت السويد بدفعها نتيجة الإستغلال غير الأخلاقي للأحداث التي يشهدها العالم عبر التحكم بمصير الهاربين إليها من هذه الأحداث واستثمارهم في أروقة السياسة الدولية مستقبلاً. وقد سهل هذه الضريبة بعض المنافسين للسويد على المكانة والنهضة الاقتصادية
بالتعاون مع الكيان الصهيوني الذي أراد إيصال رسالة دموية –كعادته- تعبيراً عن استهجانه
لتصريحات السويد فيما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطينية.
الثاني: ضريبة الإرهاب الذي تدعمه الدول الغربية في منطقتنا، والذي بدأ ينتقل تدريجياً إلى الدول الأخرى القريبة منها والبعيدة على حد سواء.
الثالث: ذريعة سوف تستخدمها السويد للضغط على اللاجئين إليها من أجل التحكم المبرر بمصيرهم مستقبلاً في مجال إقامتهم وتوظيفهم ومنحهم حق الإقامة الشرعية على أراضيها أو ترحيلهم، أو تغيير بعض سياستها على أقل تقدير فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي تشير بعض تسريبات مراكز الدراسات الإجتماعية لديها أن أغلب المهاجرين العرب للسويد لا زالوا ينظرون إلى الكيان الصهيوني على أنه كيان معادي للبشرية.
إن ما تشهده منطقتنا عموماً، وسورية على وجه الخصوص، يعتبر وفق كل الموازين العالمية والأعراف الدولية حرباً عالمية من نوع جديد لا يتواجه فيه المتحاربون مباشرة، إنما عبر وسطاء وقوى خفية وناعمة تقود هذه الحرب جماعات الضغط المتحكمة في القرار العالمي. وتعتبر حروب الديموغرافية أحد أنواع الأسلحة القذرة التي لا تترك مكاناً للإنسانية والأخلاق فيها، وتعتبر السويد إحدى الشركاء الرئيسين مع العديد من الدول الأوروبية في هذه الحرب، رغم تتبوئها مكانة مرتفعة في احترام وتقدير التنمية البشرية والإنسانية.
ولعل المفارقة الرئيسة أيضاً هي في البعد الحضاري للبلاد المنخرطة في الحرب على سورية عموماً، وفي السويد على وجه الخصوص، باعتبار سورية من أقدم المناطق المأهولة في العالم، وموطن الأبجدية الأولى للبشرية.
– باحث في السياسة والاقتصاد