افراسيانت - حلمي موسى - تتفاخر إسرائيل منذ سنوات بنجاحها في اجتذاب الهند، وإبعادها عن التأييد التلقائي للعرب وقضاياهم. وتعزو هذا النجاح غالباً إلى قدراتها التكنولوجية والاقتصادية، والتي دفعت الهند إلى التقرب منها، كما حدث مع الصين أيضاً.
ولكن في أعقاب نجاح القوى اليمينية في الهند، والتي ازدهرت على وقع إثارة غرائز ضد المسلمين، صار يتزايد التقدير بإمكانية نشوء تحالف أيديولوجي بين اليمين الهندي واليمين الإسرائيلي. ومؤخراً تناقلت الصحف توقعات إسرائيلية باحتمال اندفاع الحكومة الهندية، برئاسة ناريندرا مودي، إلى نقل تأييدها السياسي التقليدي من الفلسطينيين إلى الإسرائيليين في المحافل الدولية.
ولا يخفي رئيس الحكومة الهندية الحالية تعاطفه مع إسرائيل واليهود لأسباب مختلفة. ومؤخراً وجه تهنئة باللغة العبرية لليهود لمناسبة عيد الأنوار على صفحته على موقع «تويتر». وكانت هذه المرة الأولى التي يتوجه فيها رئيس حكومة إحدى أكبر الدول الآسيوية بمثل هذه التهنئة، وباللغة العبرية، في إشارة ذات دلالة. وقد رد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على هذه التهنئة باللغة الهندية على صفحته المناظرة، في إشارة إلى نوع من الود المتبادل وتعبيراً عن «ربيع» هندي - إسرائيلي يمثل انقلاباً في العلاقات.
وبرغم الفارق الهائل، تراثاً وتاريخاً وتنوعاً واقتصاداً وطبيعة، فإن العلاقات بين الدولتين تزدهر مؤخراً، على قاعدة أفكار جديدة تنظر فيها إسرائيل إلى الهند كسوق وحليف بديل، فيما تنظر الهند إلى إسرائيل كأنموذج في التطور الاقتصادي والتكنولوجي.
وبديهي أنه على الأقل في نظر إسرائيل، كانت الهند إحدى أهم حلفاء العرب، ما يعني أن تحييدها، قبل التحالف معها، يعتبر إنجازاً إستراتيجياً بحد ذاته. وفي ظل ما حاولت إسرائيل تطويره لنظرية «صراع الحضارات»، والتي تعني أساساً الصراع ضد الدول العربية والإسلامية، فقد وجدت في الهند حليفاً على خلفية صراع الأخيرة مع باكستان. ومؤخراً صار يجري الحديث عن تحالف ضد الإرهاب الإسلامي وضد «القنبلة الإسلامية».
وبحسب أحد الخبراء الإسرائيليين فإن تل أبيب، في ظل حكم اليمين وخصوصاً تحت سلطة نتنياهو، صارت ترى في نيودلهي واحداً من أهم شركاء المستقبل. وتتعامل إسرائيل مع الهند بوصفها «دولة بأفضلية عليا» بعدما غدت «إستراتيجية نتنياهو الاقتصادية تقوم على أساس فتح السوق الإسرائيلي أمام أميركا الجنوبية، الهند، الصين واليابان». فأوروبا هي قارة مخصية، وهي تمر بمرحلة انتشار الإسلام وتطفح بالعداء لإسرائيل». ولذلك يسعى نتنياهو لنقل مركز الثقل الاقتصادي في العلاقات الإسرائيلية من أوروبا إلى الأسواق المذكورة. فنتنياهو يؤمن «أنه لا مستقبل لنا مع أوروبا، وبدلا من الصمود أمام ضغوطهم يتعاون اليسار معهم».
عموماً كان التحول في العلاقات الإسرائيلية - الهندية محصلة جهود بذلتها أجهزة الأمن والسياسة الإسرائيلية عبر الكثير من الصفقات الأمنية والعسكرية والزراعية والتكنولوجية. وقد طورت تل أبيب علاقات خاصة في المجال الزراعي مع ولاية غوجرات حين كان مودي حاكماً لها، حيث استضافته إسرائيل في العام 2006. ويقول مطلعون إن مودي يعتز بتجربة التعاون الزراعي مع إسرائيل، وهو ينوي تطوير هذه العلاقة مع الهند بأسرها وليس فقط في المجال الزراعي.
ومنذ تولي مودي رئاسة الحكومة الهندية تعزز التعاون بين تل أبيب ونيودلهي، وتكررت زيارات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يوسي كوهين إلى نيودلهي، حاملاً، على الأغلب، رسائل من نتنياهو لمودي. وتعددت اللقاءات بين كبار المسؤولين الهنود والإسرائيليين، وبينها لقاءات على مستوى وزراء الخارجية والاقتصاد.
ويرى معلق في صحيفة «ماكور ريشون» اليمينية أن الفضل في تطور العلاقات لا يعود فقط لوجود اليمين في الحكم، بل واقعياً هو سابق لذلك، ويتصل أساساً بتطور العالم وأسواقه وانفتاحها.
ويقول رئيس دائرة التجارة الخارجية في وزارة الاقتصاد الإسرائيلية إيهود كوهين إن «الصادرات الإسرائيلية تتغير. هذا يحدث بغض النظر عن النزاع السياسي أو العوامل الداخلية، وإنما لأن الصين والهند تملكان اليوم أكثر من 20 في المئة من الناتج الخام العالمي. وعالم غرب أوروبا يشيخ لأن السكان لا يتكاثرون. وفي المقابل، في العام 2050، ستمتلك الهند والصين حوالي نصف الناتج الخام العالمي. والصادرات الإسرائيلية تلحظ الميل وتتجه إلى آسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا المستيقظة».
ولكن إسرائيل التي طالما أنشأت العلاقات مع أسوأ أنظمة الاستبداد في العالم تحاول إعطاء تبرير «خيري» للعلاقات، وتتحدث عن أن إسرائيل والهند هما «الديموقراطيتان بين المغرب وبنغلادش».
في كل الأحوال ثمة اتفاق حول أن العلاقات الإسرائيلية - الهندية تستند إلى ثلاث أرجل، أولها الصادرات الأمنية. فالجيش الهندي، وهو أحد أكبر جيوش العالم، يشكل سوقاً جذابة للصناعات العسكرية الإسرائيلية. وعدا عن صفقات طائرات التجسس وزوارق الدورية والطائرات من دون طيار وتحديث دبابات وطائرات «ميغ»، تم التوقيع مثلا قبل شهرين على صفقة لبيع الهند ثمانية آلاف صاروخ «سبايك» مضاد للدروع، وأكثر من 300 قاذف، بحوالي 525 مليون دولار، مفضلين الصواريخ الإسرائيلية على الأميركية. وقبل عامين باعت إسرائيل للهند معدات استخبارية بأكثر من 300 مليون دولار.
والرجل الثانية هي التكنولوجيا الزراعية، حيث أنشأت إسرائيل في الهند مدارس ومزارع نموذجية، وتنظر تل أبيب إليها على أنها رافعة إستراتيجية، إضافة إلى تكنولوجيا الطاقة المتجددة. أما الرجل الثالثة فتتعلق بمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية.