افراسيانت - عمر عبد الستار - بغداد - بعد استقالة وزير الداخلية، وسحب الثقة من وزير الدفاع، صوت البرلمان على سحب الثقة من وزير المالية هوشيار زيباري.
فقد صوت 158 نائبا بالموافقة على إقالة الوزير، فيما صوت 77 نائبا بالرفض، وتحفظ 14 نائبا على التصويت من مجموع 249 نائباً حضروا الجلسة التي تقرر أن يكون التصويت فيها سريا.
وبإقالة زيباري، أصبحت ثلاث من الوزارات السيادية الأربع في حكومة حيدر العبادي بغير وزراء. وقد تلتحق وزارة الخارجية بالداخلية والدفاع والمالية، ليكون السيد إبراهيم الجعفري هو الوزير الرابع على قائمة الوزراء المقالين. وإذا كان هذا واردا، فإن العبادي وليس المالكي هو من سيكون الرابح من جولة الإقالات والاستقالات.
وعلى الرغم من أن الأمر قد يكون سيفا ذا حدين. إذ قد يكون المالكي هو من يدير مشهد الإقالات المتتابعة ليضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. وإقالة زيباري والعبيدي قد يَعدُّها بعضٌ ضربة للعبادي، لأنه أقال محمد سالم الغبان من منصبه وزيراً للداخلية بعد تفجير الكرادة.
وتأتي إقالة العبيدي وزيباري، كما يرى بعضٌ، وسيلة للضغط عليه لتعيين بديل له من "منظمة بدر". وتعد إقالة زيباري من جهة اخرى، ضربة لأربيل ولعلاقة العبادي برئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني التي تحسنت اخيراً.
وإن صح ذلك، وبغداد وأربيل على أبواب تحرير نينوى، فقد يكون نوري المالكي، كما يشير مراقبون، يهدف من إقالة زيباري ومن قبله العبيدي، إلى إعاقة عجلة التقدم باتجاه تحرير نينوى، أو على الأقل الانتقام من خصومه في أربيل وبغداد، الذين حمَّلوه مسؤولية سقوط نينوى، وأبعدوه عن موقعه في رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية.
لكن ومع ذلك، فإن إقالة وزراء الوزارات السيادية على أبواب تحرير نينوى، قد يخدم العبادي كثيرا. إذ قد يفتح الطريق أمامه للإيفاء بوعده، الذي أعلنه في التاسع من فبراير/شباط الماضي، حين أعلن عن نيته القيام بتغيير جوهري عبر الخروج من المحاصصة السياسية وتشكيل حكومة تكنوقراط.
وإن حدث ذلك والتحقت الخارجية بالدفاع والمالية والداخلية، وتم تحييدها عن الأحزاب، حتى تتوفر فرصة وزراء تكنوقراط بعد حين، فإن العبادي سيتخلص ربما من داء الدولة العضال في حكومته، ويفتح الطريق أيضا لعراق فيدرالي واقعا ودستورا. خصوصا أن رياح معركة نينوى قد جرفت بطريقها أو تكاد العثرات بين بغداد وأربيل، وعاد العبادي من نيويورك بدعم مفتوح من المجتمع الدولي.
من جانب آخر، فإن إقالة الوزراء قد تعيد إلى مجلس النواب دوره المفقود منذ 2006، كسلطة تشريعية ورقابية حقيقية وليست شكلية. إذ إن متابعين يؤكدون أن الحكومة تغولت على البرلمان في ولايتي المالكي من 2006-2014، واستمر الحال كذلك حتى جاءت الإقالات الأخيرة.
وتعطلت العملية السياسية بتعطيل دور البرلمان الرقابي والتشريعي أيضا، حين سحبت منه الحكومة صلاحية اقتراح القوانين. وإذا صلح دور البرلمان، فإن العملية السياسية قد تستعيد عافيتها والعراق يقترب من عهد ما بعد "داعش".
وسواء كانت الإقالات المتتالية للوزراء ستخدم المالكي أو العبادي أو البرلمان أو الحكومة، فإن للحدث أبعادا أعمق من ذلك بكثير. فالملفت أن سبب نجاح هذه الإقالات هو تفكك تحالفات العملية السياسية التقليدية التي تشكلت منذ 2005 إلى اليوم.
وقد تكون إقالة هوشيار زيباري هي إعلان موت، بل وتشييع للتحالف الرباعي التقليدي، الذي تأسس في تموز 2007 إلى مثواه الأخير. و"التحالف الرباعي" كان عمود العملية السياسية، وقد تأسس من "حزب الدعوة" و"المجلس الأعلى الإسلامي" من جهة، و"الاتحاد الوطني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" من جهة أخرى.
كما أن إقالة زيباري، وهو من كبار قيادات "الحزب الديموقراطي الكردستاني"، ما كانت لتنجح لولا تصويت "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" على سحب الثقة عنه. وهذا يعبر عن الشرخ الكبير في علاقة أحزاب التحالف الكردي بعضها مع بعض.
كذلك، فإن نواب "المجلس الأعلى" قد صوتوا لمصلحة زيباري بعكس بقية نواب "التحالف الوطني". ومع وجود تنافس وتباين بين مكونات "التحالف الوطني"، فإن استجواب وإقالة إبراهيم الجعفري إن تمت، فقد تعمق الشرخ القائم بين أطراف "التحالف الوطني".
وعلى الرغم من أن "تحالف القوى العراقية" قد صوت ضد إقالة زيباري، فإن زيباري اتهم رئيس البرلمان سليم الجبوري بالتواطؤ مع كتلة "دولة القانون" ضده خدمة للمالكي وضد أربيل والعبادي. وإن صح اتهام زيباري لسليم الجبوري، فإن هذا قد يشير إلى تقارب بين كتلة سليم الجبوري وكتلة "دولة القانون" في البرلمان العراقي وتباعد "ديالى هويتنا" عن كتلة "متحدون" ضمن "تحالف القوى العراقية". وخاصة أن إقالة العبيدي قد ضعضعت من تماسك "تحالف القوى العراقية"، إذ ما كانت لتتم لولا وجود تفكك داخل تحالف القوى. وقد باعدت إقالة العبيدي أكثر فأكثر بين أسامة النجيفي زعيم كتلة "متحدون"، وبين رئيس البرلمان سليم الجبوري، رئيس كتلة "ديالى هويتنا" ونائب الامين العام "للحزب الاسلامي". وهو تباعد بدأ منذ أن وقفت كتلة "الحزب الإسلامي" في مجلس محافظة نينوى وراء إقالة أثيل النجيفي، شقيق أسامة النجيفي، من منصب محافظ الموصل.
وسواء كان شعار مكافحة الفساد الذي ترفعه الكتل التي تقف خلف الإقالات مرادا لذاته أو لغيره، وما لم تكن خلف الإقالات خطة لإضعاف البرلمان وضرب الحكومة وتخريب علاقة بغداد بأربيل، فإن الإقالات المتتالية قد فتحت الباب أمام تفكك تحالفات عراق 2003 التقليدية، والعراق على أبواب تحرير نينوى.
وتفكك هذه التحالفات قد يفتح الباب لتطبيق الدستور الاتحادي، ويكون ضمانا وأمانا من أي تقسيم عرقي أو طائفي للعراق.
وإذا عضد هذا التفكك، تحييد للوزارات السيادية عن تلك التحالفات أو الأحزاب، مع عودة البرلمان إلى دوره، وانتفاء دور فصائل "الحشد الشعبي" بعد رحيل "داعش"، فإن هذا قد يفتح الباب أمام روح جديدة وتحالفات قد تعيد الحياة إلى العملية السياسية وتفتح أمامها الطريق المسدود الذي وصلت اليه.