افراسيانت - إقالة وزراء حكومة حيدر العبادي تحت يافطة محاربة الفساد، بغض النظر عن تورّط هؤلاء الوزراء من عدمه، تظل عديمة الصلة بمواجهة الظاهرة التي لا يمكن اجتثاثها بأدوات فاسدة من بينها مجلس النواب الذي تحوّل خيمة لتصفية الحسابات.
فقد أقدم البرلمان العراقي، الأربعاء، على سحب الثقة من وزير المالية هوشيار زيباري تمهيدا لإقالته، في خطوة عدّها منتقدوها جزءا من تصفية الحسابات الشخصية والحزبية التي تحوّلت إلى ظاهرة لصيقة بالحياة السياسية في العراق تعكس مقدار التوتّر والصراع بين شركاء الحكم في البلد.
وسُحبت الثقة من الوزير زيباري على خلفية استجوابه في مجلس النواب بشأن قضايا فساد مالي وإداري، فيما أكّد منتقدو هذا الإجراء الذي سبق أن طال وزير الدفاع خالد العبيدي، أنّه منعدم الصلة تماما بمحاربة الفساد كون البرلمان الذي يُتخذ أداة لتحييد بعض الشخصيات، مؤسسة فاسدة بدورها بحسب ما تظهره وثائق سبق أن أدلى بها وزير الدفاع المقال ضدّ رئيس المجلس سليم الجبوري وعدد من النواب، فضلا عن شهادات العديد من النواب في وسائل الإعلام والمجالس الخاصة بفساد الغالبية العظمى من زملائهم.
ولهذه الاعتبارات يبدو ما يدور تحت قبة البرلمان العراقي تحت يافطة محاربة الفساد، أقرب إلى إدارة الظاهرة والتحكّم بها، بما في ذلك إبعاد الشبهة عن رؤوس الفساد الكبيرة التي قادت البلاد إلى حالة شبه إفلاس.
وتؤكّد مصادر عراقية أن العداء الشخصي بين هوشيار زيباري القيادي بالحزب الديمقراطي الكردستاني، ورئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي مايزال يحظى بنفوذ سياسي كبير في البلاد ويقود الكتلة البرلمانية الأكبر كان العامل الأساسي في استجواب الوزير وصولا إلى سحب الثقة منه.
وعلى اعتبار زيباري شخصية ذات وزن تحظى بدعم داخلي وخارجي، وعلى اطلاع واسع بملفات الفساد الكبيرة في وزارة المالية والمتراكم أغلبها من فترة حكم المالكي، يرى متابعون للشأن العراقي أن إقالة الوزير لن تكون نهاية “الحرب” بين الرجلين، بل لن تمثّل سوى بداية لها، متوقّعين أن يستخدم زيباري ما بين يديه من وثائق لفضح المالكي واغتياله سياسيا في ظلّ استحالة إدانته قضائيا.
وصوّت مجلس النواب العراقي، الأربعاء، بإقالة هوشيار زيباري من منصبه على رأس وزارة المالية. وجرى ذلك خلال جلسة تصويت سرية برئاسة رئيس المجلس، سليم الجبوري، وحضور 249 نائبا.
وكشف النائب عمار طعمة، رئيس كتلة حزب الفضيلة، أنّ 158 نائبا صوّتوا بنعم لإقالة الوزير، فيما صوت 77 برفض الإقالة وامتنع 14 نائبا عن التصويت.
وفي ردّ فعلها على الإقالة، اعتبرت كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب على لسان رئيسها النائب، خسرو كوران، أنّ سحب الثقة من زيباري “مخالف للدستور”، مشيرة إلى أن استجوابه سياسي ويحمل في طياته “نوايا ضد جهة سياسية معينة”.
ومن جهتها قالت العضو بالحزب، أشواق الجاف، إن “هذا استهداف سياسي مئة بالمئة”.
أما النائب هيثم الجبوري الذي كان تولّى استجواب الوزير فقال إنّ مجلس النواب صوت على “تنظيف” الحكومة من المتهمين بالفساد، مؤكدا أنّ استجوابه لزيباري “لم يكن استهدافا سياسيا أو شخصيا وإنما كان استهدافا للفساد وبؤره بالحكومة”.
وزيباري كردي شغل من قبل منصب وزير للخارجية في الحكومة العراقية. وفي الآونة الأخيرة قاد مفاوضات رفيعة المستوى مع صندوق النقد الدولي من أجل اتفاق للحصول على قرض ومع البنوك الأجنبية بخصوص سندات دولية.
وتأثر الاقتصاد العراقي الذي يعتمد اعتمادا شبه كامل على إيرادات النفط بسبب انهيار أسعار الخام عالميا والتكاليف المرتبطة بالحرب على تنظيم داعش.
وقال عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، سرحان أحمد، إنّ إقالة وزير المالية ستهز الثقة بين صندوق النقد الدولي وحكومة بغداد.
وأضاف قائلا لرويترز “إن الخطوة التي اتخذت، الأربعاء، ستقوض الجهود التي يبذلها العراق حاليا لإقناع الصندوق وغيره من المانحين بأنه يتمتع بمناخ اقتصادي وسياسي مستقر”.
ويوافق كلام النائب سرحان أحمد ما ذهبت إليه عدّة شخصيات عراقية رأت في عملية إقالة الوزراء بـ”شكل عشوائي”، خلال هذه المرحلة الحساسة مخاطر كبيرة تهدّد حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بالانهيار، وفي أحسن الأحوال بالشلل، بينما دخل البلد المرحلة الحاسمة من الحرب على تنظيم داعش.
وقريبا من هذا الطرح رأى ائتلاف “متحدون للإصلاح” بقيادة أسامة النجيفي أن سحب الثقة من وزير المالية “ترتيب للإطاحة بالحكومة”، مشيرا إلى وجود تحالفات يراد منها إبعاد العراق عن الاستقرار.
وقال الائتلاف في بيان “مرة أخرى سحب مجلس النواب الثقة من وزير سيادي بارز هو هوشيار زيباري وزير المالية بذات الأسلوب الذي اتبع في سحب الثقة من خالد العبيدي وزير الدفاع”.
وأضاف أن “هذا الأسلوب يعد ترتيبا للإطاحة بالحكومة في وقت غير مناسب، ويعرقل المعركة القائمة مع الإرهاب، ويشير أيضا إلى وجود تحالفات يراد منها إبعاد العراق عن الاستقرار والوضع الطبيعي الذي يؤهله لمواصلة مسيرته”.
وتابع أن “ائتلاف ‘متحدون للإصلاح’ يرى أن الاستجواب الذي تعرض له وزير المالية هوشيار زيباري استجواب سياسي، وتم عبر آليات غير صحيحة ما يشكل خرقا للنظام الداخلي لمجلس النواب، سبق وأن تكرر في استجواب وزير الدفاع”.
وأوضح البيان أن “الائتلاف يعلن تضامنه الكامل مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في هذا الشأن، ويؤكد تحالفه معه ضد الهجمة غير المبررة التي استهدفته كما استهدفت ‘متحدون’ قبله”.
ولا يخفى على المطلّعين على الشأن العراقي أن وقوف ائتلاف النجيفي إلى جانب زيباري يعدّ اصطفافا طبيعيا ضدّ عدوّ مشترك هو زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، دون أن يخفي ذلك وجود رغبة حقيقية لدى المالكي في إسقاط حكومة حيدر العبادي طمعا في منصبه.