افراسيانت - علي حسون - منذ بدء سريان الهدنة السورية، أحصت موسكو نحو 200 خرق للجماعات المسلحة، 55 منها خلال الـ24 ساعة الماضية.
لكن الاعتداء الأمريكي على مواقع للجيش السوري في دير الزور شكّل الخرق الأكثر دمويةً وخطورة من قبل من يُفترض أنها دولة راعية لاتفاق الهدنة، ما وضع الهدنة الهشة أصلاً في اختبار غير متوقع وغيرمسبوق.
وكانت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية صرحت في بيان مساء أمس أن "طيران التحالف الأمريكي أقدم على قصف أحد المواقع العسكرية للجيش العربي السوري في جبل ثردة بمحيط مطار دير الزور العسكري ما أدى إلى وقوع خسائر بالأرواح والعتاد فى صفوف قواتنا ومهد بشكل واضح لهجوم إرهابيي "داعش" على الموقع والسيطرة عليه"
الخارجية السورية، أكدت من جانبها في رسالتين موجهتين إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن "أن العدوان الأمريكي الغاشم على مواقع الجيش العربي السوري في جبل ثردة في محيط مطار دير الزور اعتداء خطير وسافر ضد الجمهورية العربية السورية وجيشها" موضحة أن "هذا العمل الجبان دليل لا يحتاج إلى برهان على دعم الولايات المتحدة وحلفائها لتنظيم "داعش" وغيره من المجموعات الإرهابية المسلحة".
الاعتداء الأخير لم يكن الأول الذي ينفذه طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، فقد استهدف خلال الأشهر الماضية العديد من المنشآت والبنى التحتية في سورية، فدمر أواخر العام الماضي محطتي كهرباء في منطقة الرضوانية شرق مدينة حلب ومحطات ضخ المياه في منطقة الخفسة شرق حلب والعديد من البنى التحتية في مارع والباب وتل الشاعر بريف حلب الشمالي كما ارتكب في تموز الماضي مجزرة دموية في قرية طوخان الكبرى شمال مدينة منبج بريف حلب راح ضحيتها أكثر من 120 شهيداً.
وتفيد المعطيات الأولية المتوافرة حول الهجوم الأمريكي أن الغارات التي شنها التحالف الأمريكي استمرت لـ 40 دقيقة، وتمت على مرحلتين مستهدفةً كتيبة المدفعية ومواقع أخرى للقوات السورية على جبل الثردة المطل على المطار، ما يضعف فرضية حدوث "خطأ" كما بررت واشنطن.
خبراء عسكريون أعربوا عن عدم الاقتناع بالرواية الأمريكية، ذلك أن الخطأ غير ممكن عندما تكون كل إحداثيات ومواقع الجيش السوري بحوزة طيران التحالف، وهي مسلّمة بالخرائط ومتفق عليها بين الجانبين الروسي والأمريكي منذ سنتين.
مصدر عسكري سوري في دير الزور لم يستبعد إمكانية حدوث "تنسيق أمريكي – داعشي" مؤكداً "إن طائرات التحالف الأمريكي استهدفت العتاد الثقيل للجيش السوري في نقطة على جبل ثردة، الذي يبعد 700م غرب مطار دير الزور، ليقوم "داعش" بعد ذلك بنحو 7 دقائق، بشن هجوم على النقطة والسيطرة عليها، وبالتالي السيطرة نارياً على مطار دير الزور، قبل أن يتدخل سلاح الجو الروسي والسوري عبر غارات كثيفة مكّنت القوات على الأرض من استعادة معظم النقاط التي خسرتها.
ردّ الفعل الروسي لم يقتصر على المساعدة الجوية للجيش السوري باستعادة النقاط التي احتلها "داعش" ولم يكن أقل حدّةً من حليفه السوري، حيث اتهمت موسكو واشنطن بالدفاع عن تنظيم "داعش" الإرهابي، وطلبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن على خلفية الهجوم.
وخلال وعقب جلسة طارئة لمجلس الأمن الدّولي دعت إليها روسيا، تبادل الجانبان الرّوسي والأمريكيّ الاتّهامات والانتقادات الشّديدة. ورفضت واشنطن بدايةً عقد الجلسة، إذ اعتبرت ممثّلتها لدى الأمم المتّحدة سامنثا باور أنّ دعوة موسكو لعقد الجلسة "عمل منافق".
ممثل روسيا في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أعلن أنّ بلاده "تنتظر من واشنطن أن تبرهن لروسيا وشركائها الآخرين التزامها بحلٍّ سياسيّ في سوريا بعد أحداث دير الزور.
وأضاف المندوب الروسي بأن توقيت الضّربة، وجوانب أخرى، يدلّ على أنّ العمل "كان استفزازاً"، محذّراً من أنّ "هذا السّلوك الأمريكيّ يعرّض تنفيذ الصفقة بشأن سوريا للخطر".
أما المتحدّثة باسم وزارة الخارجّية الروسية ماريا زاخاروفا فقالت "إذا كانت لدينا في وقتٍ سابقٍ شكوك بأنهم يتستّرون على جبهة النصرة، فالآن وبعد هجمات اليوم على الجيش السّوري، نصل إلى استنتاجٍ مرعب: البيت الأبيض يدافع عن تنظيم داعش".
الكاتب والمحلل السياسي مازن بلال قرأ في الهجوم نوعاً من الخلاف داخل دوائر اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وقال في تصريحات خاصة لـ"آر.تي" إنه و قبل توقيع الاتفاق بين لافروف وكيري، كان هناك الكثير من الانتقادات من قبل البنتاغون، الذي رفض على الدوام أي تعاون مع روسيا في سوريا.
وأوضح بلال بأن الاعتداء على موقع عسكري لا يمكن أن يندرج ضمن "الخطأ"، ذلك أنه كان ضمن سياق عسكري كامل، بدأ بالدخول إلى تل أبيض ولاحقاً للغزو التركي لشمال سوريا، والهجوم الإسرائيلي في الجولان، مؤكداً أن كل هذه المعطيات تأتي في سياق متكامل تحاول الولايات المتحدة عبره خلق خط عسكري موازي للخط السياسي.
بلال قرأ أيضاً في دلالات الاعتداء، محاولة أمريكية لوضع "داعش" في الواجهة من جديد، لأن الخلافات التي ظهرت بين لافروف وكيري كانت مرتبطة بجماعات إرهابية أخرى، حيث تسعى واشنطن من خلال هذا الهجوم إلى إدراج مسألة "داعش" من جديد، والتملص من التزاماتها بفرز الجماعات المسلحة "المعتدلة" عن تلك الإرهابية بموجب الاتفاق الأخير مع موسكو.
ويلفت بلال إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أنه في عام 2008 حصل اعتداء مشابه على الجيش السوري قبل رحيل إدارة جورج بوش الابن، بشهرين استهدف الجبهة الشرقية أيضاً، وهو ما يتكرر اليوم قبل رحيل إدارة أوباما بشهرين، ليثبّت وجهة نظر الإدارة الأمريكية حيال الأزمة السورية.
ورغم ذلك، يتوقع الكاتب السياسي السوري أن يعجّل الهجوم نوعاً ما بإعادة التنسيق الأمريكي – الروسي بشأن الحرب ضد الإرهاب.