اكتمال التحولات الديمقراطية، وازدياد التحديات الأمنية خلاصة أحداث العام 2014 في مهد "الربيع العربي".
أفراسيانت - بخلاف باقي الدول التي طالتها "عواصف التغييرات الربيعية" لم يكن هذا العام قاسيا جدا على تونس التي عرفت أحداثا هامة انطلقت بإعلان دستور الجمهورية الثانية وانتهت بإجراء انتخابات برلمانية فاز فيها حزب "حركة نداء تونس" بزعامة رئيس البلاد الجديد.
أربع سنوات على اندلاع الثورة التونسية
فمنذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عرفت تونس حقبة انتقالية دامت 4 سنوات وقسمت إلى فترة ما قبل كتابة الدستور، وهي التي تلت مباشرة سقوط النظام السابق ومهدت لأول انتخابات حرة في تاريخ تونس، انتخابات فازت فيها حركة "النهضة الإسلامية" وبعض الأحزاب العلمانية الأخرى وحكمت بتحالف أطلق عليه اسم "الترويكا" في الفترة التأسيسية التي، وإن انتهت بوضع دستور جديد للبلاد وتأسيس هيئات دستورية أخرى، إلا أنها عرفت مجموعة من الأحداث الدامية والاغتيالات استوجبت استقالة الحكومة التي ترأستها حركة "النهضة" لمرتين، لتترك المكان إلى حكومة تكنوقراط ساهم في تشكيلها المجتمع المدني ضمن "الحوار الوطني".
فبعد أسابيع من المشاورات اتفق الفرقاء السياسيون بتونس في 14 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، على اختيار وزير الصناعة في الحكومة السابقة مهدي جمعة، رئيسا للوزراء في حكومة انتقالية أدارت شؤون البلاد حتى إجراء انتخابات عام 2014.
تكليف جمعة رئيسا جديدا للحكومة والتصديق على الدستور
ففي 9 من يناير/كانون الثاني، استقال رئيس الحكومة التونسية السابق علي العريض بعد ترؤسه الحكومة لعشرة أشهر، مشيرا إلى أن الاستقالة سيعقبها تكليف رئيس الجمهورية محمد المنصف المرزوقي لمهدي جمعة بتشكيل الحكومة.
عقب ذلك أكدت حركة النهضة الإسلامية، أنها رحلت طوعا من الحكومة، إيفاء بـ"تعهداتها" و"التزاماتها" مع الحوار الوطني.
وبعد أيام من الخلاف حول بعض فصول الدستور الجديد وعمليات المد والجزر بين أحزاب الأغلبية وأحزاب المعارضة، توصل نواب المجلس التأسيسي التونسي في 26 يناير/كانون الثاني إلى التصديق بالأغلبية المطلقة على الدستور التونسي الجديد، الذي عملوا على إعداده على مدى سنتين، في خطوة لاقت ترحيبا وطنيا ودوليا كبيرين.
ليتم فيما بعد توقيع الدستور التونسي في جلسة ممتازة بمقر المجلس التأسيسي (البرلمان السابق) في العاصمة تونس من قبل الرؤساء الثلاثة (رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر ورئيس الحكومة المستقيل علي العريض) وجملة من ممثلي المنظمات الدولية والبرلمانات الدولية ومكونات المجتمع المدني التونسي والشخصيات الوطنية.
حكومة جمعة ومهمتها الصعبة
وبعد تكليفه للمرة ثانية من طرف رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، أعلن رئيس الحكومة مهدي جمعة عن تشكيلة حكومته الجديدة والمكونة من 21 وزيرا و7 كتاب دولة، وذلك في نفس اليوم الذي تم التصديق فيه على الدستور التونسي الجديد. لتنال ثقة البرلمان في 29 من يناير/كانون الثاني.
وأنيطت بعاتق الحكومة الجديدة ثلاثة محاور أساسية تتمثل في ملف دحض الإرهاب والحد من أنشطة الجماعات المتشددة في تونس، ثم ملف الاقتصاد وإنجاح الموسم السياحي، حيث تعتبر السياحة مرتكزا رئيسيا لاقتصاد الدولة، ثم ملف إعداد وتأمين إجراء الانتخابات في أحسن الظروف.
ملف الإرهاب في تونس
خيم حدث تبني تنظيم الدولة الإسلامية لواقعة اغتيال السياسيين اليساريين التونسيين شكري بلعيد ومن بعده محمد البراهمي على جمله الأحداث المتعلقة بالإرهاب في تونس، ففي 18 من ديسمبر/كانون الثاني أعلنت عناصر تنتمي لتنظيم "داعش" في شريط فيديو نشر على الإنترنت مسؤوليتهم عن اغتيال المعارضين بلعيد والبراهمي.
وظهر في الفيديو 3 من العناصر المطاردة من قبل الأمن التونسي من بينهم "أبو مقاتل" واسميه الحقيقي أبو بكر الحكيم، وقد توعد الأخير السياسيين بمزيد من الاغتيالات، داعيا التونسيين إلى مبايعة تنظيمه المتشدد.
جاء ذلك بعد سنة عرفت فيها تونس مجموعة من الأحداث الأمنية التي أجبرت الحكومة على رفع درجة التأهب الأمني في جميع الأراضي التونسية مع التركيز على المناطق الحدودية، ورصد عمليات تهريب الأسلحة وتسرب المجموعات الإرهابية.
فقد قامت القوات التونسية المتكونة من الجيش والشرطة والدرك العديد من العمليات الأمنية على انطلقت بالقضاء على المتهم الرئيسي باغتيال شكري بلعيد، وهو كمال القضقاضي و7 آخرين في عملية مداهمة لأحد المنازل المشبوهة بمنطقة رواد من محافظة أريانة شمال البلاد، في فبراير/شباط.
ورغم النجاح الذي حققته القوات التونسية في التعامل مع هذه الوقائع شمال وجنوب البلاد، حيث قتل العديد من العناصر الإرهابية المفترضة، فضلا عن إلقاء القبض عن آخرين، إلا أن ذلك النجاح يبقى نسبيا بالنظر إلى الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها السلطات التونسية خلال العمليات التي يشنها المسلحون، حيث سجلت وزارة الدفاع التونسية في 16 يوليو/تموز أثقل حصيلة من القتلى، تكبدها في صفوف الجيش التونسي بـ 15 قتيلا، وذلك في هجوم مزدوج نفذه مسلحون على نقطتين عسكريتين وسط محمية الشعانبي من مدينة القصرين.
الهجوم أسفر أيضا عن إصابة 18 عسكريا ومقتل عنصر إرهابي مفترض يحمل الجنسية التونسية أثناء تبادل لإطلاق النار بين الجيش وإحدى المجموعتين المسلحتين.
وإزاء هذا التصعيد اتخذت الحكومة التونسية العديد من الإجراءات من بينها وضع 3 مناطق حدودية مع ليبيا والجزائر تحت قيادة موحدة بين القوات الأمنية والعسكرية وقوات الحرس الوطني، كما أعلن رئيس الوزراء التونسي مهدي جمعة رفع درجة التأهب في جميع أنحاء البلاد، وطالب الجيش بالتدخل عند الضرورة لصد التنظيمات الإرهابية.
لكن ذلك لم يمنع بعض التنظيمات المتشددة من شن هجمات أخرى على عناصر الأمن وإعلان "كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية المتمركزة بجبل الشعانبي مبايعتها لتنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف بـ"داعش".
من جهة أخرى لم يختلف الوضع الأمني على الحدود الليبية التونسية عن سابق عهده في 3 السنوات الماضية حيث تميز دائما بعدم الاستقرار خاصة في ظل الأحداث التي تشهدها ليبيا منذ إعلان اللواء في الجيش خليفة حفتر شنه حربا على ميليشيات "فجر ليبيا" والتنظيمات المتحالفة معها بدعم من البرلمان السابق "المؤتمر الوطني العام".
وفي الربع الأخير من عام 2014 ارتفعت وتيرة المعارك قرب معبر رأس جدير الحدودي وسط القصف من طرف الجيش النظامي وقوات اللواء خليفة حفتر لمواقع المجموعات المسلحة بالمناطق الغربية والقريبة من الحدود التونسية، فيما تم غلق معبري رأس جدير وذهبية وازن، خلال هذه الأحداث وأثناء إجراء الانتخابات في تونس.
الانتخابات في تونس
وبخلاف الساحة الأمنية التي عرفت مستوى غير معهود من العمليات الإرهابية والجرائم المنظمة بعد سقوط النظام السابق، شهدت الساحة السياسية التونسية ارتياحا بل وتطورات سيطر عليها منطق التوافق حتى في أبرز القضايا الجوهرية بين الفرقاء السياسيين، ما أدى إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية شهد بنزاهتها آلاف المراقبين في الداخل والخارج وجرت في الربع الأخير من عام 2014.
قد عمدت الحكومة الجديدة إلى تهيئة المناخ السياسي والأمني لإجراء هذه الانتخابات فأجرى رئيس الوزراء مهدي جمعة تغييرات شملت العديد من المحافظين وإعفاء مسؤولين من مهامهم بمكاتب رئاسة الحكومة، فضلا عن عزل كل مسؤول محلي متحزب.
إصدار القانون الانتخابي وتحديد مواعيد الانتخابات
تزامن ذلك مع تصديق المجلس الوطني التأسيسي التونسي (البرلمان) على مشروع القانون المتعلق بالانتخابات برمته، وذلك بعد أسابيع من المداولات انتهت بإسقاط الفصل 167 الخاص بالعزل السياسي (المسلط ضد رموز النظام السابق) بعد عرضه على التصويت مرة ثانية في مايو/أيار.
ويعتمد القانون الانتخابي التونسي الذي صدر رسميا في 26 من مايو/أيار على نظام النسبية وفق مبدأ أفضل البقايا.
إلى ذلك اقترحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات (اللجنة المشرفة على الانتخابات في تونس) في يونيو/حزيران الـ 26 من أكتوبر/تشرين الأول موعدا لإجراء الانتخابات البرلمانية و23 من نوفمبر/تشرين الثاني للجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، على أن تجرى الدورة الثانية للرئاسية في 26 ديسمبر/كانون الأول 2014.
الانتخابات البرلمانية التونسية
حقق حزب "نداء تونس" فوزا متوقعا بأغلبية مقاعد "مجلس نواب الشعب" في أول انتخابات برلمانية بعد إقرار الدستور التونسي، نظرا لعدم الاستقرار التي شهدته تونس خلال الفترة الانتقالية، واحتل بذلك "نداء تونس" 86 مقعدا من جملة 217، متقدما على خصمه الإسلامي حزب "حركة النهضة" الذي احتل المركز الثاني 69 مقعد.
كما حصل "الاتحاد الوطني الحر" على 16 مقعدا تلاه حزب "الجبهة الشعبية" بـ 15 مقعدا، مؤكدة مشاركة 60% ممن لهم حق التصويت في هذه الانتخابات.
حزب نداء تونس
"نداء تونس" هو حزب سياسي تونسي تأسس سنة 2012 على يد ثلة من السياسيين التونسيين بقيادة الرئيس التونسي الحالي "الباجي قائد السبسي"، إيديولوجيته علمانية تؤمن بفصل الدين عن السلطة، وهو يستند للفكر الإصلاحي التونسي والتراث الإنساني العالمي وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية.
ويؤكد ميثاق الحزب على قيم المواطنة والاعتراف بالديمقراطية والتداول على السلطة وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدم الإقصاء، ورفض العنف في الحوار مع المخالفين في الرأي.
وجرت هذه الانتخابات في 26 أكتوبر/تشرين الأول بتونس ويوم 24 و25 و26 بالخارج، حيث شارك فيها جميع ألوان الطيف السياسي الذي يمتد من أقصى اليمين الإسلامي إلى أقصى اليسار الشيوعي مرورا بالأحزاب الإسلامية والعلمانية المعتدلة، ضمن 1327 قائمة تمثل 120 حزبا سياسيا توزعوا على 33 دائرة انتخابية، 27 منها داخل تونس و6 خارجها.
كما شهدت الانتخابات البرلمانية في تونس مشاركة العديد من الأحزاب سليلة التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل الذي حكم في عهد بن علي وقبله بورقيبة، إذ ترأست قوائم هذه الأحزاب شخصيات ووزراء في حكومات سابقة من النظام السابق.
في الأثناء في عقد المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان المنتهية ولايته) يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني جلسته الختامية وقع خلالها نوابه على نسخة تاريخية من الدستور الجديد.
وعقد المجلس الوطني التأسيسي طوال فترته النيابية التي امتدت على 3 سنوات 295 جلسة عامة و782 جلسة للجان التشريعية الخاصة بسن القوانين، إضافة إلى 23 جلسة مساءلة للحكومة.
إلى ذلك عقد مجلس نواب الشعب، (البرلمان التونسي الجديد) يوم 2 ديسمبر/كانون الأول أولى جلساته، لينتخب في جلسته الثانية المنعقدة بعد يومين مرشح حزب "نداء تونس" محمد الناصر رئيسا له بغالبية الأصوات، وذلك بعد اتفاق مع حركة النهضة أفضى إلى انتخاب نائب رئيس النهضة الإسلامية عبد الفتاح مورو نائبا أول، بينما حصلت المرشحة عن حزب الاتحاد الوطني الحر فوزية بن فضة على منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الشعب بعد حصولها على 150 صوتا.
هذا ولم يتم تشكيل الحكومة الجديدة لتونس حيث أصر الحزب الفائز في الانتخابات على عدم إعلان الحكومة إلا عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، الذي مثل مرشحه الباجي قائد السبسي أحد طرفي السباق في الدور الثاني من الاستحقاق الرئاسي.
الانتخابات الرئاسية
جرت الانتخابات الرئاسية في تونس وهي أول انتخابات من نوعها بعد إسقاط النظام السابق، مباشرة عقب الانتهاء من الانتخابات التشريعية على دورتين حيث تسابق في دورتها الأولى 27 مرشحا، بينما جمعت الدورة الثانية كلا من الرئيس المؤقت المنتهية ولايته محمد المنصف المرزوقي وجها لوجه مع منافسه رئيس حزب حركة تونس الباجي قائد السبسي.
الدور الأول للانتخابات الرئاسية 23 نوفمبر/تشرين الثاني
وتقدم أكثر من 70 تونسيا بملف ترشحه إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلا أن الأخيرة صادقت على 27 مرشحا فقط لخوض هذه الانتخابات ما أثار حفيظة بعض من رفضت ملفاتهم.
وتحدث وسائل الإعلام والعديد من المراقبين عن 4 مرشحين هم الأوفر حظا للمرور إلى الدورة الثانية من الانتخابات بحكم شعبية أحزابهم التي قادتهم إلى الفوز بالانتخابات التشريعية منذ شهر، حيث ترشح الباجي قائد السبسي (88 عاما) عن حزب نداء تونس الفائز بـ 86 مقعدا في البرلمان بينما دعم جزء كبير من قواعد حركة النهضة الإسلامية (الحزب الثاني بـ 69 مقعدا) الرئيس الحالي محمد المنصف المرزوقي، في حين حظى المرشحان سليم الرياحي، عن حزب التيار الوطني الحر وحمة الهمامي عن الجبهة الشعبية (تحالف الأحزاب اليسارية) بنفس الحظوظ تقريبا وفقا لنتائجهما المتقاربة في الانتخابات البرلمانية.
وأسفرت الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 23 من نوفمبر/تشرين الثاني بحسب النتائج الرسمية عن حصول مرشح "نداء تونس" الباجي قائد السبسي على المرتبة الأولى بنسبة 39.46%، تلاه مرشح "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية"، الرئيس المؤقت، المنصف المرزوقي بـ 33.43%.
وحل حمة الهمامي عن "الجبهة الشعبية" في المرتبة الثالثة بنسبة 7.82%، تلاه الهاشمي الحامدي عن "تيار المحبة" في المرتبة الرابعة بنسبة 5.75%، وسليم الرياحي عن حزب "الاتحاد الوطني الحر" في المرتبة الخامسة بنسبة 5.55%.
الدور الثاني للانتخابات الرئاسية 21 ديسمبر/كانون الأول
أنهت تونس سنتها السياسية بإعلان فوز الباجي قائد السبسي برئاسة البلاد، إذ حصد السبسي على أكثر من 55% من أصوات الناخبين في جولة الإعادة الحاسمة التي شهدت مشاركة 59% من جملة الناخبين، فيما اعترف المرشح الخاسر المنصف المرزوقي بفوز منافسه وهنأه.
وبانتخاب رئيس الجمهورية، تكمل تونس آخر خطواتها نحو الديمقراطية الكاملة بعد نحو أربع سنوات من الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي، فاتحة المجال لتساؤلات حول قدرة الباجي قائد السبسي وحزبه "نداء تونس" على قيادة البلاد في المرحلة القادمة، والخروج بها إلى بر الأمان.