افراسيانت - سجل العام 2014 محطتين هامتين في تاريخ العلاقات الخليجية كان لتداعيات "الربيع العربي" فيهما بصمة كبرى لجهة تحديد موقف هذه الدول من التيارات المنخرطة في هذه العاصفة الهوجاء.
من أين بدأت الحكاية؟
منذ الثمانينات وحتى سنة 2013 كانت الصداقة والشراكة والتعاون الطباع المميز للعلاقة بين مصر وقطر، وازدادت هذه العلاقة متانة بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومنذ تولي الرئيس الإسلامي محمد مرسي الرئاسة شهدت العلاقة بين البلدين "عصرها الذهبي"، إذ قدمت قطر خلال هذه الفترة مساعدات اقتصادية لمصر، وصلت إلى 5 مليارات دولار، إضافة إلى الاستثمارات القطرية التي بلغت آنذاك نحو 23 مليار دولار، وحينها أعلنت الدوحة أنها ستقف بجانب مصر كي تحول دون أن تشهر الأخيرة إفلاسها.
لكن سرعان ما تصدعت العلاقة بين الدوحة والقاهرة مع عزل الرئيس السابق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في 30 يونيو/تموز، ليعترف وزير الخارجية المصري نبيل فهمي لاحقا بأن العلاقات بين مصر وقطر "يسودها قدر من الضبابية".
ساهم الإعلام القطري في تأزيم العلاقة بين البلدين، إذ تتهم الحكومة المصرية قناة "الجزيرة" القطرية بدعم جماعة الإخوان المسلمين في دول "الربيع العربي" والتي أعلنتها القاهرة منظمة إرهابية في 25 كانون الأول.
لاحقا أعلنت السلطات المصرية "الإخوان المسلمين" جماعة "إرهابية" وتبعتها في ذلك كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ثم مملكة البحرين، وقد شكل ذلك حجر الزاوية في توتر العلاقات الخليجية البينية.
سحب السفراء من الدوحة.. نبأ يتصدر الصفحات الأولى
ففي خطوة غير مسبوقة في العلاقات الخليجية منذ تأسيس مجلس التعاون في مايو/أيار 1981، سحبت كل من السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في مارس/آذار العام 2014، بسبب ما اعتبر تدخلا من قطر في الشؤون الداخلية لبعض الدول الخليجية ولدعمها ورعايتها جماعة الإخوان المسلمين المصرية.
هذه الشرخ دفع بعض الدول وفي مقدمتها الكويت للمبادرة إلى لم الشمل بين الدول المذكورة وطي صفحة الخلاف، لكن جهود الكويت التي حاولت الحفاظ على مسافة واحدة من دول الخلاف تأطرت ضمن الأعراف الدبلوماسية "الخليجية" ولم تثمر في معالجة سريعة للأزمة.
لكن المساعي الكويتية، والخليجية عموما، تجلت ثمارها لاحقا في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في أبريل/نيسان في الرياض، الذي خصص لتسوية الأزمة مع قطر، واختتم ببيان وضع الخطوط العريضة لتطبيق ما أفرزه الاجتماع من "اتفاق صلح خليجي".
هذا الاتفاق اشترط آنذاك على الدوحة، طرد 15 عضوا من الإخوان، من مواطني مجلس التعاون، يقيمون في الدوحة، والموافقة على إنهاء الهجوم الإعلامي لمحطة "الجزيرة" على كل من السعودية والإمارات ومصر، والتخلي عن فكرة "الانقلاب العسكري" في النظر إلى ما مسألة عزل القيادة المصرية الحالية للرئيس السابق محمد مرسي.
وفي حال الالتزام، ستعيد السعودية والإمارات والبحرين سفراءها إلى الدوحة بعد مرور شهرين، على أن يقوم أمير قطر بعدها بزيارة أخوية إلى السعودية والإمارات.
غير أن وزير الخارجية القطري خالد العطية، أعلن حينها انتهاء ما وصفه بـ"الاختلاف في وجهات النظر" بين بلاده من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، نافيا تقديم أي تنازلات من قبل أي طرف، ومعتبرا أن "الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي وصلوا إلى تفاهمات، وهذه التفاهمات لا تعني تنازلات مع أي طرف".
خطوات الطريق نحو المصالحة شملت لقاء بين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني في يوليو/تموز، هو الأول بين الجانبين منذ نشوب الخلاف، لكن أحدا لم يفصح عن فحواه.
وضمن جهود رأب الصدع في العلاقات داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية قدم إلى الدوحة في أغسطس ثلاثة مسؤولين سعوديين، بينهم وزير الخارجية سعود الفيصل، وبعد يومين هذه الزيارة أكد وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي أن المشاكل بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى قد حلت "ببابين مفتوحين"، مشيرا الى أن الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) ستعيد سفراءها إلى الدوحة.
قمة الصلح
المصالحة الخليجية توجت بقمة لمجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة في 9 ديسمبر/كانون الأول وقد تم التمهيد لها بعد تسوية القادة الخليجيين لخلافاتهم مع قطر خلال اجتماع الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني، وعودة سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر.
وجرت القمة وسط تحديات متصاعدة، دفعت القادة الخليجيين إلى تسوية خلافاتهم ومحاولة التكاتف لمواجهة استحقاقاتها.
فعدا عن القضايا الملحة المختلفة على جدول أعمال القمة، برزت المسألة الأساسية بالطبع من خلال العلاقة مع مصر التي كان الموقف منها من أهم نقاط الخلاف بين الدول الخليجية وقطر. وحسب القرارات والتصاريح اللاحقة، بدا أن هذه القمة وضعت حجر الأساس في تسوية الخلاف بين قطر والدول الخليجية من جانب وقطر ومصر من جانب آخر.
المصالحة الخليجية تفتح الأبواب لمصالحة مصرية-قطرية
العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز كان أصدر بيانا علق فيه على اتفاق الرياض الذي دعا إلى تجاوز الخلافات بين الدول الخليجية، ورحب الملك السعودي بالاتفاق الذي نص على عودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة.
وقال في هذا السياق: "أناشد مصر شعبا وقيادة للسعي معنا في إنجاح هذه الخطوة في مسيرة التضامن العربي- كما عهدناها دائما عونا وداعمة لجهود العمل العربي المشترك".
القاهرة رحبت بدعوة الرياض لـ "وضع إطار شامل للتوافق بين الأشقاء العرب لمواجهة التحديات" بحسب بيان صادر عن الرئاسة المصرية.
وضمن هذه الجهود عقد رئيس الاستخبارات القطرية أحمد بن ناصر بن جاسم آل قبيل نهاية العام 2014 بقليل، لقاءات مع مسؤولين مصريين في القاهرة، تمهيدا لعقد قمة مصرية قطرية للاتفاق على بنود المصالحة بين البلدين.
ومن اللافت هنا ما سرب من تفاصيل تناولها رئيس المخابرات القطرية خلال لقائه أحد القيادات الأمنية المصرية، حيث تحدثا لنحو ساعتين عن "استغلال جماعة الإخوان" دولة قطر وقناة "الجزيرة" لـ"محاولة قلب نظام الحكم في مصر، والتحريض على أعمال العنف".
وأخيرا يترقب المراقبون أن تتوج قمة محتملة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الرياض برعاية عاهل السعودية انهاء ملف الخلاف الخليجي، انتظارا لما تأتي به ظروف الشرق الأوسط العاصفة والمتقلبة دائما.