افراسيانت - العرب - بعد فوات الأوان وانهيار مقومات الدولة الليبية، أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن ندمه بخصوص ليبيا، واعترف بأنه سلك الطريق الخطأ. وفي أغسطس 2014 نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن أوباما قوله "لم نقدر المسألة حق قدرها… كان يجب علينا أن نبذل جهدا أكثر لإعادة بناء المجتمع"، وهو ما تتأكد صحته يوما بعد يوم، ومع كل فشل جديد تخرج به المساعي العربية والدولية والأممية لحلّ هذه الأزمة المتصاعدة.
فقد حذّر فريق من خبراء الأمم المتحدة، مكلف بإعداد تقرير عن الكوارث المتوقع حدوثها قريبا، من تفكك ليبيا وتدهور الأوضاع بها أكثر. وذكر “تقرير التنبيه والتحذير المبكر والاستعداد” أن ليبيا تواجه حربا أهلية سريعة التدهور وتفقد أي فرصة لتحقيق الاستقرار أو التوصل إلى حل سياسي في المستقبل المنظور.
ويشكّك خبراء، في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، في نجاح جهود الأمم المتحدة، ومبعوثيها إلى ليبيا، للبحث عن طرق لتدارك هذا الخطر، الذي يرجعون أسبابه إلى تركيز القوى الدولية التي تدخّلت في 2011 لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، دون أن تكون لها رؤية طويلة المدى لما ستؤول إليه الأوضاع.
ولا يرى بن فيشمان، الخبير في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حلولا واضحة في أفق الحرب الدائرة في ليبيا، رغم أن طرفي الصراع الرئيسيين معروفان، وكلاهما يساعده عدد من الميليشيات والفصائل المتغيرة بتغير الديناميات الداخلية.
وينضمّ فيشمان إلى الخبراء الداعين إلى البحث عن زوايا جديدة للنظر في الحلول الممكنة للأزمة الليبية، دون الاكتفاء بإلقاء اللوم على الجهات الغربية وتحميلها مسؤولية انهيار أسس الدولة الليبية.
يدعم رؤيته هذه من خلال تحليل ما جاء في كتابين صدرا حديثا، الأول يحمل عنوان”الثورة الليبية وما تبعها”، لبيتر كول وبراين ماك كوين، والثاني بعنوان “الانتفاضات الليبية عام 2011، والنضال من أجل مستقبل ما بعد القذافي”، لجايسون باك. وينتقد الكتابان الرؤى “المفرطة في التبسيط” التي تحمّل المؤسسات الغربية مسؤولية ما حصل في ليبيا وتتغاضى عن مسؤولية الليبيين أنفسهم في ما يحصل وتعقّد حل أزمة بلادهم وتشكيل مستقبلهم.
ويشير بن فيشمان إلى أن المؤلفين اعتمدوا في تحليلاتهم على نظرة ميدانية لما يجرى ، حيث يؤكد كل من بيتر كول وبراين ماك كوين، أن كل المساهمين في كتاب ”الثورة الليبية وما تبعها” قضوا ثلاثة أشهر في إنجاز عمل ميداني في ليبيا حول هذا الموضوع؛ ونفس التوجّه يؤكّده أيضا جايسون باك الذي اعتمد فيه على المجتمعات المحلية والجهات الفاعلة في ليبيا.
حكاية الثورة في ليبيا قصة معقدة تحتوي على انتفاضات متعددة مرتبطة بالعديد من المجالات والأسباب الجغرافية والعقائدية والقبلية، وهي النقاط التي ركز عليها الكتابان. وقد بدا ذلك واضحا من عنوان كتاب جايسون باك، الذي يشير إلى “انتفاضات” (مع التركيز على استعمال صيغة الجمع) للدلالة على الفروق بين مختلف مشاهد الصراع الدائر في البلاد منذ 2011. واعتمد بيتر كول وبراين ماك كوين أيضا هذا المنطق من خلال تنظيم فصول كتابهما حسب ساحات الصراع، من تشكيل المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي، وصولا إلى المعارك الضارية في مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية، وصولا إلى جبال نفوسة في الغرب التي ثبت أنها قاعدة مهمة للمتمردين، ثم الهجوم النهائي عليها، والاستلاء المخيب للآمال على طرابلس.
لم يعد خافيا أن الفشل في تحقيق إتمام اتفاق سياسي وتوحيد الحكومتين سيسبب مزيدا من الشقاق.
ويقدّم ديرك فانديفال، الذي يؤرخ للشأن الليبي منذ مدة طويلة، وجهة نظره الخاصة لفترة ما بعد الصراع، ضمن كتاب كول وماك براين، مشيرا إلى أن الفرصة كانت سانحة لإعادة هيكلة المؤسسات السياسية والاجتماعية وإعادة تشكيلها قبل التفكك، رغم أن القوى المختلفة في البلاد التي كانت مرتبطة بدوائر خارجية وأخرى أقليمة وثالثة راعية للحركات الإسلامية. لكن، للأسف في ليبيا ما بعد الثورة، مازال السباق غير مهيأ لمرحلته النهائية.
دور الإسلاميين
ينقسم الإسلاميون الليبيون إلى ثلاث فئات متداخلة: جماعة الإخوان المسلمين وأعضاء الجماعة الإسلامية المقاتلة والجيل الجديد من الجهاديين السلفيين.
وظهرت خلية الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة على يد مجموعة من الليبيين العائدين من محاربة السوفييت في أفغانستان، وقد جعلت من إسقاط القذافي هدفها. وعندما اكتشفت مخابرات النظام هذه الخلية في عام 1995، تم إلقاء القبض على العائدين من أفغانستان وإيداعهم السجون. بعد أكثر من عقد من الزمن، وحين اكتسب ابن القذافي سيف الإسلام نوعا من النفوذ، شرع في إجراء عملية مصالحة مع الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة بوساطة رجل الدين الإسلامي علي الصلابي.
وتعهد النظام بإطلاق سراح عدد من السجناء، في المقابل، تعهدت الجماعة بالتخلي عن العنف والإرهاب. ومن المفارقات، أنه تم إطلاق سراح السجناء في فبراير 2011، عندما اندلعت الثورة في بنغازي.
وأصبح الأعضاء السابقون في الجماعة من الكتائب المنظمة خلال الثورة، واختاروا انتخاب مكتب في أعقابها. والأهم من ذلك، أنهم أدركوا أهمية الحصول على مناصب رئيسية في الوزارات الأمنية، تخول لهم مواصلة تقديم الدعم للميليشيات الرئيسية وعرقلة تشكيل جيش وطني حقيقي.
ويواجه السياسيون من جماعة الإخوان المسلمين والمسلحون السابقون للجماعة الليبية المقاتلة، الآن صراعا أكبر ضد الجهاديين السلفيين الذين يرفضون أي شكل من أشكال المشاركة السياسية. وتشمل هذه المجموعات السلفية كلا من تنظيم أنصار الشريعة، وفرع تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. وعلى ضوء هذه التحديات المطروحة تتوقع ماري فيتزجيرالد، المساهمة في تغطية نشاط الإسلاميين لكتاب كول وماك كوين، أن التحديات سوف تزداد.
المسؤولية الدولية
يلوح دور المجتمع الدولي بخصوص ليبيا في المساعدة على تحرير كامل البلاد وإعادة إعمارها. ومع ذلك، هناك بعض المفاهيم الخاطئة الشائعة في هذا الصدد والتي تحتاج إلى التصحيح. وأول هذه المفاهيم أن مهمة العمل العسكري الذي نفذه الناتو وحلفاؤه في ليبيا كانت حماية المدنيين، وليس فقط إقامة منطقة لحظر الطيران.
ويتمثل سوء الفهم المشترك الثاني في أنه كان من السهل بالنسبة إلى المجتمع الدولي أن يلعب دورا هاما في تحقيق الاستقرار في البلاد دون مواجهة مقاومة محلية. وفي الواقع، بعد انتهاء الأعمال العدائية عرضت الدول الغربية المساعدة بشأن جميع القضايا الرئيسية، بما في ذلك تسريح المسلحين وجمع الأسلحة وإنعاش الاقتصاد وإصلاح نظام العقوبات الذي كان سائدا زمن القذافي. لكن، أدى التلكؤ الليبي وانعدام الإرادة السياسية وعدم الكفاءة البيروقراطية إلى نكسة لكل هذه الجهود.
ودخلت ليبيا في اضطرابات حيث حكومتها المعترف بها دوليا وبرلمانها المنتخب في جانب والحكومة تسيطر على طرابلس في جانب آخر بينما يدعم كل من الجانبين فصائل مسلحة. ويواجه المعتدلون مقاومة من المتشددين ومن بعض المسلحين الذين يعتقدون أن بإمكانهم أن يحققوا مكاسب.
صحيح أن أوباما اعترف بأن المجتمع الدولي لم يستخدم نفوذه بالقدر الكافي على الليبيين، ولكن لم يكن هناك ما يضمن أن مثل هذا النهج كان بمقدوره أن يكون أكثر فعالية في دفع ليبيا إلى الأمام. بالإضافة إلى ذلك، لم تعبر أي قوة خارجية عن استعدادها لقيادة بعثة لحفظ السلام في ليبيا.
أمام هذا الوضع، اتكل الغرب بشكل كبير على الأمم المتحدة للمساعدة في إعادة إعمار ليبيا. ونظرا للشلل السياسي الذي اعترف به الجميع خلال الفترة الانتقالية، كان بإمكان الأمم المتحدة أن تمثل قوة الدفع الوحيدة للليبيين، لكن الأمم المتحدة اتبعت نهجا أكثر تشددا في زمن الدبلوماسي الأسباني برناردينو ليون.