افراسيانت - حلمي موسى - تصاعدت الهبَّة الشعبيَّة الفلسطينية، وتواصلت عمليّات الدهس والطعن برغم كلّ الإجراءات التي تتّخذها قوات الاحتلال. وتكاثرت الانتقادات الداخلية في اسرائيل على خلفيّة ترك «المدنيين» الإسرائيليين يحملون السلاح ويتصدّون لمن يشتبهون بأنَّه ينوي تنفيذ عمليّة طعن أو دهس، بعدما قاد ذلك إلى قتل مهاجر أرتيري والتنكيل به. كما تواصل الحديث عن «تقسيم القدس»، مع إشارة زعيم المعارضة العمالية اسحق هرتسوغ، إلى أنَّ هذا التقسيم يغدو أمراً واقعياً بفعل الهبَّة والإجراءات الأمنية.
واستبق الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو المقرَّر مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إمَّا في برلين أو المنطقة، فزار بشكل عاجل الأراضي المحتلة واجتمع مع كل من نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويُعتقد أنَّ للزيارة صلة مباشرة بالنقاشات التي ستجري في مجلس الأمن الدولي بخصوص الوضع في الأراضي المحتلة.
وفي تطور لافت يظهر أثر الهبَّة، أعلن زعيم «المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ، أنَّ القدس هي صورة المستقبل لدولة ثنائية القوميّة كالتي نذهب إليها، معتبراً أنَّ الفصل بين الشعبين أمرٌ يفرضه الواقع. وأضاف «ينبغي أن ننفصل وننقطع عن الفلسطينيين. فالرغبة في الانفصال عن الفلسطينيين، لا تنبع من محبة للعرب، وإنَّما هي الحلّ الصهيوني الوحيد، وإلَّا فإنَّنا نسير نحو دولة فلسطينية يهودية، وسيغدو الصراع فيها بين الشعبين فظيعاً وعنيفاً».
ووصل الأمين العام للأمم المتحدة إلى الأراضي الفلسطينية في زيارة مباغتة للاجتماع مع كل من نتنياهو وعباس. وكان بان كي مون قد دعا الطرفين إلى كبح العنف في القدس والضفة الغربية المحتلة. وقال: «أنا مصدوم عندما أرى شباناً يرفعون السلاح ويحاولون القتل. فالعنف يزعزع أسس المطامح المشروعة للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، ويزعزع طموح إسرائيل في الأمن».
وأوضح الأمين العام أنَّه يفهم الإحباط والغضب لدى الشبّان الفلسطينيين من استمرار الاحتلال وتوسيع المستوطنات، وكذا خيبتهم من قيادتهم ومن الأسرة الدولية، داعياً القيادة الفلسطينية إلى استخدام طاقات الشعب الفلسطيني في النضال السلمي. وأضاف: «لا تحقّقوا أهدافكم بوسائل عنيفة كالتي شهدناها.. وأنا أدعوكم إلى تحويل إحباطكم إلى صوت شديد القوة يقود إلى التغيير. أنا لا أطلب منكم أن تكونوا سلبيّين، لكن عليكم أن تضعوا جانباً سلاح اليأس». وأشار إلى أنَّه يفهم الهموم الأمنيّة لمواطني إسرائيل وغضبهم من الوضع الراهن، إلَّا أنَّه أوضح أنَّ الرد الشديد من جانب قوى الأمن، والحواجز والأسوار، لن تجلب السلام والأمن الذي يستحقه الإسرائيليون، مشدداً على أنَّه «لا حلَّ أمنياً»، و «هناك حاجة إلى أفق سياسيّ».
وقال نتنياهو، الذي كان يراقب قطاع غزة من خلال منظار مغلق، ان «من حق اسرائيل الدفاع عن مواطنيها»، مضيفا «نحن لا نستخدم القوة المفرطة». وندد بالدوافع وراء «الارهاب الفلسطيني»، معتبرا ان لا علاقة لها بعملية السلام ولا بالمستوطنات بل «بالرغبة في تدمير اسرائيل بكل بساطة».
من جانبه، وقبيل اجتماعه المقرَّر مع نتنياهو غداً، طالب وزير الخارجية الأميركي جون كيري «بتطوير وتوضيح» التفاهمات التي توصَّلت إليها إسرائيل والأردن في تشرين الثاني العام 2014 بشأن الوضع القائم في الحرم القدسي، في محاولة لتهدئة «موجة العنف» الحاليّة. وقال مسؤولون إسرائيليون إنَّ إحدى الأفكار المطروحة في هذا الشأن، هي كتابة التفاهمات بين نتنياهو والملك عبد الله الثاني.
وكان كيري قد أشار، في مؤتمر صحافي، إلى الاتصالات التي أجراها مع كل من نتنياهو والملك الأردني، إذ أعرب الطرفان عن رغبة في التوصل إلى إجراء «يضمن أن يكون واضحاً للجميع ما يجري في الحرم القدسي»، مضيفاً أنَّه يريد من الطرفين الإسرائيلي والأردني وربما الفلسطيني، توضيح معنى الوضع القائم في الحرم.
وسيلتقي كيري في العاصمة الأردنية، يوم السبت المقبل، بكلٍّ من الملك الأردني والرئيس الفلسطيني، وسيبحث معهما أمر تأكيد التفاهمات بشأن الحرم وتوضيحها. ومعروف أنَّ الأردن والسلطة الفلسطينية تتّهمان إسرائيل بانتهاك الوضع القائم في الحرم، فيما تتّهم إسرائيل الأوقاف الإسلامية بعدم الوفاء بالتزاماتها والسماح للفلسطينيين باستفزازات. وبرغم أنَّ تفاهمات تشرين الثاني 2014 تمّت برعاية أميركية، إلَّا أنَّ الولايات المتحدة رفضت توجيه اتهامات لأيّ طرف. ووفقاً لصحيفة «هآرتس»، فإنَّ أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين، قال إنَّ إحدى الأفكار التي يتدارسها كيري ومعاونوه بشأن «توضيح» التفاهمات، هي كتابة هذه التفاهمات خطياً وإنشاء آلية تسمح للأطراف بمراجعة وحلّ المشاكل فور بروزها.
وقد أثار استخدام الإسرائيليين المكثّف للسلاح لمجرَّد الشبهة، انتقادات واسعة من جانب العديد من منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية. إذ أردت قوَّات إسرائيلية امرأة وشابا بالرصاص، لمجرد الشكّ في أنَّهما ينويان فعل شيء من دون التثبت من ذلك. وبعدها، اضطرت أوساط إسرائيلية إلى الاعتراف بأنَّ السبب الرئيس وراء ذلك، هو سماح الحكومة لكلّ من يحمل سلاحاً باستخدامه. واضطرّ وزير الأمن الداخلي الذي تعرَّض أكثر من غيرة إلى انتقادات، لإصدار تعليمات بعدم جواز إطلاق النار على أيّ مشتبه فيه بعد تحييده.
وكانت أوساط تُعنى بصورة «طهارة السلاح» في إسرائيل أمام الرأي العام الغربي، قد انتقدت حثّ السكان من جانب وزراء الحكومة على حمل أسلحتهم والتصدّي لمن يحاولون تنفيذ عمليات. واضطرت شرطة الاحتلال إلى الإعلان، أنَّها ستبحث عمَّن شاركوا في التنكيل بالمهاجر الأرتيري الذي اشتبه فيه رجل أمن أنَّه منفّذ عمليّة بئر السبع. كما قالت الشرطة الإسرائيلية، إنَّها تبحث عن يهودي طعَن عرباً، ويهودي آخر ضرب امرأة مقيّدة. ولكن كل هذه المواقف، لا تهدف سوى إلى الربح الإعلامي، وإلى تأكيد «تفوّق» إسرائيل الأخلاقي على العرب.
وكان نائب رئيس «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» البروفيسور مردخاي كرمنتسر، قد استغرب عدم إقدام المستشار القضائي للحكومة على «إدانة هذه الحماسة القبيحة، وهناك خشية من أنّنا رأينا ثمارها البائسة في القتل الجماعي في بئر السبع». أمَّا رئيس الشاباك السابق عامي أيلون فقال، إنَّ «ضبط النفس معناه أن تقتل من يحاول قتلك عندما يأتي لقتلك وعندما يكون الأمر ضرورياً. لكن أن تقتل شخصاً عندما يكون واضحاً أنَّ بالوسع اعتقاله وأنَّه لا خطر منه، فهذا ليس ضبط نفس».
في كل حال، ومن أجل كبح الانتفاضة، تقوم أجهزة الأمن الإسرائيلية باعتقالات واسعة ليس فقط في القدس وفي المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية، وإنَّما في مدن الضفة الغربية. وقد اعتقلت إسرائيل من داخل مدينة بيتونيا، القيادي في «حماس» الشيخ حسن يوسف. وأعلن القائم بأعمال قائد الشرطة الإسرائيلية أنَّ قواته اعتقلت حوالي 300 من أبناء القدس، وأنَّ موجة اعتقالات جارية ليس فقط ضدّ المشاركين في التظاهرات والمواجهات، وإنّما أيضاً ضدّ المحرّضين.
واستشهد، يوم أمس، عدي مسالمة (23 عاماً) برصاص جنود الاحتلال في الخليل، بعدما طعن جندياً إسرائيلياً خلال تظاهرة بالقرب من بيت عوا، ما دفع قوات الاحتلال إلى اقتحام البلدة والتمركز على أسطح المنازل، بعدما قام عناصرها بتفتيش عدد من المنازل هناك، كما اقتحموا منزل والد عدي، وأطلقوا قنابل الغاز والرصاص المطاطي تجاه شبّان البلدة. كما استشهد فلسطينيان برصاص قوات الاحتلال في الخليل بعد ان هاجما جنديين بالسلاح الابيض.
وفي قطاع غزة، استشهد الفلسطيني أحمد السيرحي (27 عاماً) برصاص الاحتلال بعد اندلاع مواجهات قرب السياج الأمني، في حين أصيب خمسة آخرون.
وفي عملية دهس، قرب مخيم الفوار بالقرب من مدينة الخليل، قتل إسرائيلي، وأصيب آخران، قبل أن يطلق جنود الاحتلال النار على السائق ويسقط شهيداً.