افراسيانت - عمر عبد الستار - يتكشف يوما بعد يوم خيوط صراع خفي في العراق أفرزته حركة الاحتجاج والتظاهرات الأخيرة ضد فساد أجهزة الدولة، ويتجلى هذا الصراع بين المرجعيات الدينية وقادة ميليشيات تنشط على الأرض.
ووسط غياب لافت للمتظاهرين في آخر جمعة من أيلول/سبتمبر 2015 عن ساحة التحرير وسط بغداد وفي سائر المدن، وجه المرجع الديني العراقي علي السيستاني تحذيرا إلى ميليشات مسلحة تضم أفرادا يعارضون الإصلاحات ويراهنون على تراجع المطالبات بها. وأكد السيستاني أن الاصلاح ضرورة وإذا خفت مظاهر المطالبة به هذه الأيام فإنها ستعود في وقت آخر أقوى وأوسع.
وقد جاء هذا التحذير غداة تصريح مغاير لقيس الخزعلي وهو زعيم عصائب الحق في كلمة ألقاها عقب صلاة العيد في النجف قال فيها إن التظاهرات التي يشهدها العراق منذ أسابيع، وصلت إلى مرحلة الاحتضار.
يأتي هذا التحذير والتحذير المضاد ليثبت أن الحراك الشعبي ضد الارهاب والفساد، وأن تراجع أعداد المتظاهرين في الفترة الأخيرة من هذا الشهر بعد زخم كبير لها منذ نهاية يوليو/تموز الماضي، يكشف عن صراع حاد بلغ ذروته بين طرفين يتنازعان على مصير الحراك الشعبي.
فقد وضع هذا الصراع مرجعية السيستاني وحكومة العبادي في واد مؤيد للحراك في حين دفع عناصر ميليشيات مسلحة إلى واد معارض له. وكشف مصدر مطلع في وزارة الدفاع العراقية عن لقاء جرى أخيرا بين وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي وعدد من رجال الدين وقيادات دينية في النجف وكربلاء، في مسعى منه للحد من نفوذ مليشيات مسلحة في العاصمة بغداد ومحافظات أخرى.
واعتبر عضو تحالف القوى العراقية عمر شاكر أن إنشاء مليشيا مسلحة جاء بفتوى دينية، ولا يمكن إنهاؤها إلا من خلال فتوى دينية، وربما يأتي موقف المرجعية الأخير استجابة لهذه الطلبات.
وحذر شاكر من تفاقم مشكلات الأزمة الأمنية في بغداد والمحافظات الجنوبية، بعد انسحاب عناصر مسلحة من ساحات القتال، وعودتها إلى المدن، داعيا مؤسسات الدولة إلى اتخاذ إجراءات تحد من الأخطار المحتملة لهذا الانسحاب، وأيده في ذلك ضابط في شرطة محافظة البصرة طلب عدم ذكر اسمه قال إن الأسابيع التي أعقبت عودة عناصر من مليشيات مسلحة شهدت تزايدا ملحوظاً في حالة انفلات أمني.
وبين أن مسلحين في المحافظة يقفون وراء عصابات الجريمة المنظمة. وحذر المحامي فاضل السعدون من تنامي خطر عناصر المليشيات المسلحة التي قال إنها أصبحت أقوى من الدولة، واصفا الحديث عن عدم معرفة السلطات المحلية للجهات الخاطفة بالخرافة.
من جهته، أعلن محافظ البصرة ماجد النصراوي أنه سيجتمع برئيس الوزراء حيدر العبادي، للمطالبة بإعادة أفواج الطوارئ التي تم سحبها من المحافظة للقتال في المناطق الساخنة. وتؤكد الاحداث أن الآونة الاخيرة شهدت عمليات استهداف للعناصر الفاعلة في التظاهرات منذ مطلع آب الماضي وتراوحت بين القتل والتهديد من قبل عناصر مسلحة مجهولة.
ويذكر أن أول هذه العمليات كان في البصرة، إذ هاجم مسلحون مجهولون خيام المعتصمين في المحافظة، وقاموا بهدمها والاعتداء على من في داخلها.. وقال أحد منظمي الاعتصام وقتها، ويدعى جابر عودة، إن عناصر مجموعة مسلحة هاجموا الاعتصام، واعتدوا على المعتصمين بالضرب والسب والشتم، قبل أن يحطموا خيام الاعتصام.
وقال ناشط من أهالي من بغداد أن عدد الضحايا الذين استهدفهم المسلحون بالاغتيال قد وصل إلى 12 ناشطا منهم: خالد العكيلي وحسين الحلفي وماجد سعد في بغداد وهم من الناشطين في الحراك الشعبي. فيما قُتل ناشط آخر في بابل يدعى حيدر العلواني.. وفي البصرة قتل مسلحون الناشط الميداني الأبرز في التظاهرات صبيح الكرمشي، إضافة إلى هيثم الركابي ووليد الطائي في كل من الكوت والناصرية وكذلك اثنين من الناشطين أحدهم أصيبت زوجته في هجوم على منزلهما في منطقة الزعفرانية جنوب شرق بغداد.
وكانت آخر عملية اختطاف هي للناشط المدني جلال الشحماني في العاصمة بغداد، اذ أفاد مصدر أمني في 23 سبتمبر/أيلول الماضي بأن مسلحين مجهولين يستقلون ثلاث سيارات اقتحموا مطعما في منطقة الوزيرية الواقعة شمالي بغداد واختطفوا الناشط المدني جلال الشحماني وهو أحد المشاركين في تنظيم التظاهرات التي شهدتها العاصمة في غضون الشهرين الماضيين..
هذا وأوضح يان كوبيش الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق إنه "في ظل ورود تقارير تفيد باعتداء كيانات مجهولة على المتظاهرين والصحافيين وترويعهم وتهديدهم بالموت فإن على قوات الأمن العراقية أن تتصدى لتلك الكيانات المجهولة وفق القانون كما ينبغي على السلطات العراقية مقاضاة من يحاولون حرف التظاهرات السلمية عن مسارها أو منع الصحافيين من تأدية عملهم".
ويستمر ليل هذا الصراع السياسي الذي يأخذ أشكالا مختلفة بين الطرفين وسط شلل قضائي وصبر حكومي، فهل سيسفر ليل هذه الصراع عن فجر تنتصر فيه إرادة الحراك المدني على إرادة عناصر المليشيات المسلحة ؟ سؤال نترك الاجابة عليه لما ستسفر عنه الاسابيع القادمة.