افراسيانت - رام الله - "القدس" دوت كوم - كتب ابراهيم ملحم - المعادلة العنوان، لا تصلح لأن تكون وسيلة إيضاح للصغار (لذا اقتضى التنويه). بإلغائه الاتفاق النووي مع إيران، يبدو ترامب كقطار خرج عن السِّكة، أو كحافلة جنحت على أرض زَلقة، قبل أن تستقرّ بما تحمله من ركاب في قعر وادٍ سحيق في منطقة تقف على حواف البراكين المشتعلة منذ سبعة أعوام.
لن يكون ما قبل الثامن من أيار 2018 اليوم الذي ألغى فيه ترامب، الاتفاق مع إيران مثل الذي بعده، فلا أحد إلّا الله يعلم الوجهة التي قد تتجه إليها التطورات والأحداث، أو الدرك الذي قد تنزلق إليه الملاسنات والسجالات والتهديدات، خلال الأسابيع والأشهر القليلة المقبلة بين الولايات المتحدة من جهة، وإيران والدول الموقّعة على الاتفاقية النووية معها، بما عُرف بمجموعة دول الـ"5 +1"وهي مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين) بالإضافة إلى ألمانيا، والتي تتولى المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي.
بانعطافته الحادّة عن مسار الاتفاق، وخروجه الفجّ عن سرب الإجماع الأممي الضامن له والكابح لنزعات إيران النووية، يكون ترامب قد أطلق شارة البداية لماراثون سباق التسلح في المنطقة، وكأن الذي فيها لا يكفيها من موت ودمار وخراب، أعادها إلى العصر الحجري بعد أن قوّضت الحروب التي تقودها فرقٌ، ونِحلٌ، ومللٌ وتنظيمات، وفصائل بالوكالة، عن الدول الكبرى بنيان الدولة القومية، وأحالت إلى أنقاض كلَّ عناصر الحياة فيها، بعد أن تسببت بموت ونزوح الملايين عن ديارهم في أكبر عملية تحريك للسكان تشهدها المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية.
في ردود الفعل الدولية، ما يشي بارتفاع نبرة التحدي، لتقلّبات وجه ترامب، في سماوات المنطقة التي تحتشد فيها أعمدة الدخان المتصاعدة من حروب الوكالة تلك، وهو ما تبدّى في تصريحات عدد من المسؤولين في الدول الموقّعة على الاتفاق النووي، حيث اعتبر رئيس مجلس الدوما الروسي أنّ انسحاب ترامب سيدفع المنطقة إلى الدمار، مثلما أعلن وزير الاقتصاد الفرنسي رفضه لأن تلعب الولايات المتحدة دور الشرطي الاقتصادي في العالم، في إشارة إلى تهديد الرئيس الأمريكي للشركات الأوروبية بالتعرّض للعقوبات إن هي لم تنسحب خلال مدة لا تتجاوز الستة أشهر من العمل في إيران.
لكن اللافت أنّ اوروبا عندما تركت حبل ترامب على غاربه، في إجرائه المناقض للقوانين والأعراف الدولية بسحب ملف القدس من مفاوضات الحلّ النهائي، والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، ها هي اليوم تشرب من نفس الكأس الذي شرب منه الفلسطينيون بسبب شطحات ترامب وجنونه العابر للحدود، والمنفلت من أي قيود، وهم يطرقون أبواب العواصم الأوروبية لمواجهة قرار الساكن الجديد في البيت الأبيض، عبر خطوة جريئة تعترف فيها أوروبا بالقدس عاصة للدولة الفلسطينية المستقلة لعلّها تعيد إلى الرئيس الخارج عن النّص بعضًا من توازنه، وتكبح جماح تهوّره الذي بلغ حدّ تهديد الأمن الاقتصادي للدول الأوروبية، التي يتوعدها ترامب بالثبور وعظائم الأمور إن هي لم تسحب شركاتها من إيران.
تقاطع الموقف الإسرائيلي مع مواقف بعض الأطراف العربية، من إلغاء الاتفاق النووي مع إيران يبعث على الحيرة، ذلك أنّ التهديد النووي الإسرائيلي الحقيقي للمنطقة والعالم، أولى بالإدانة من التهديد النووي الإيراني المفترض، والذي تكبح جماحه اتفاقيات دولية تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة والتي تُخضع المنشآت النووية الإيرانية لمراقبة شاملة مع إمكانية وصول المفتشين بشكل يومي إليها، والمراقبة المستمرّة من خلال ما تنقله كاميرات المراقبة في موقعي تخصيب تحت الأرض في نطنز وفوردو، مثلما يلزم الاتفاق، إيران بإصدار تأشيرات دخول طويلة الأمد وتخصيص مساحات عمل مناسبة لما يتراوح بين 130 و150 مفتّشًا نوويًا من الأمم المتحدة، إضافة إلى أنّ الاتفاق يلزم إيران بالبروتوكول الإضافي للوكالة بما يتيح للمفتشين إمكانية واسعة النطاق للوصول إلى معلومات بشأن الأنشطة النووية الإيرانية وإمكانية تفتيش أي موقع يعتبرونه ضروريًا للتأكد من أنّ تلك الأنشطة سلمية بينما تغيب المنشآت النووية الإسرائيلية عن رادارات وكالة الطاقة الدولية ومفتشيها.
إيران المتشككة من قدرة ما تبقي من أطراف المعادلة (5+1 ) بعد خروج الولايات المتحدة منها وعليها، منحت تلك الدول عدة أسابيع لمعرفة مدى قدرتها على الصمود في وجه البلطجي الدولي، ووضع حدّ لاندفاعاته ومغامراته التي ستضع العالم على حافة مواجهة كونية كبرى؛ لكن ما ستكتشفه إيران بعد تلك المهلة القصيرة سيكون صادمًا لها، وللعالم عندما تعرف أنّ حاصل طرح واحد من خمسة يساوي صفرًا ( 6-1=0) في زمن يحدد فيه رئيس أكبر دولة في العالم مصير البشرية بـ(تغريدة)!