هذه المقالة كتبتها غداة فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية يوم السابع عشر من كانون ثان عام 2017... لعل في الإعادة إفادة.
افراسيانت - رام الله - "القدس"دوت كوم - كتب ابراهيم ملحم - "إذا كان أوباما قد جلَب لنا الربيع العربي فإن ترامب سيَجلب لنا الفصول الاربعة".. بهذه العبارة الدّالة عبّر أحد المغرّدين على (تويتر) قبل أيام عقب استماعه لخطبة الوداع الدّامعة للرئيس أوباما عشيّة مغادرته للبيت الابيض في العشرين من الشهر الجاري، ليخلفه الرجل الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، بسيرة، ومسيرة مثيرة للجدل، وباعثة على الخجل.
فبانتظارٍ مشوب بالقلق، يترقّب العالم مجيء الساكن الجديد للبيت الابيض، وسط مخاوف من الوفاء بوعد، وتنفيذ وعيده، إن ما يتعلق منها بوعوده لناخبيه بالإطاحة بكل ما أنجزه سلفه، وفي مقدمتها برنامج التأمين الصحي المعروف بـ (اوباما كير) أو ما توعّد به شعوباً، ودولاً، في العالم من تغيير جذري في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، عبر انتهاج سياسة "الدفع المسبق للخدمة" في مسألة توفير الحماية للدول الخليجية، وللقارة العجوز، وإلغاء القرار الأُممي الشّاجب للاستيطان، ونقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، في خطوة تثير مخاوف الفلسطينيين والعرب وكل الدول، والمؤسسات المؤيدة للحق الفلسطيني في العالم، بما ينذر بانقلاب كبير في السياسة الامريكية، من شأنه أن يطيح بجهود السلام في المنطقة ويعيدها الى حيث بدأت قبل نحو عقدين.
فلم تشهد انتخابات الرئاسة الامريكية في تاريخها مثل تلك الظواهر الغريبة، التي واكبت وصول ترامب الى سدة الحكم في واحدة من أكثر الانتخابات الامريكية إثارة للجدل بين الرؤساء الخمسة والاربعين، الذين تعاقبوا على البيت الابيض، بعد معركة ضارية مع منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، والتي انحازت اليها كبريات الشركات العملاقة، وكل وسائل الإعلام، ووسائل التواصل وأجهزة الدعاية، معززة بدعم كبير من أربعة رؤساء امريكيين سابقين، ديموقراطيين وجمهوريين على السواء.
ورغم كل هذا الدعم اللامحدود لكلينتون، والتي فاقت ميزانية حملتها الانتخابية المليار دولار، أمام ميزانية متواضعة لمنافسها لم تتجاوز الثمانمئة مليون دولار، إلا أن الرجل الذي وصفته كلينتون خلال حملتها الانتخابية بـ "المجنون" الذي يهدّد المجتمع الامريكي، وعلاقة الولايات المتحدة مع حلفائها، استطاع أن يطيح بالمرأة الاكثر سطوة في السياسة الامريكية.
وعيد "ابْنُ جَلاَ وطَلاَّعِ الثَّنَايَا" بنقل السفارة من تل ابيب الى القدس، وما سيترتب على هذا الاجراء الأخرق إن حدث من زلزال لا أحد يتنبأ بدرجته على سلم الغضب الشعبي، ما هو إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد الغاطس في بحر تهور "ترامب" وشطحاته، واندفاعاته المرتقبة، وهو ما يفسّر الخطوات المتسارعة للإدارة الموشكة على الرحيل، لاستباق مجيئه، بسياسات، وإجراءت وقائية، تكبّل سياساته المرتقبة، عبر استصدار قرارات من أرفع منبر أممي، وإن بدت كل تلك الاجراءات على ايجابيتها، كمن يحاول درء موجات التسونامي بأكياس الرمل.
ثمة مخاوف جديّة لدى القيادة الفلسطينية، من إقدام إدارة ترامب على نقل السّفارة من تل أبيب إلى القدس إن لم يكن ذلك خلال مراسم التنصيب، فبعدها، وهو ما يفسر الحملة الدبلوماسية الواسعة، والرسائل التي بعث بها الرئيس عباس للرئيس القادم، ولجميع الاصدقاء، ولكل من يهمه الأمر، للحيلولة دون نقل السفارة بالنظر لما سيترتب على تلك الخطوة، من إجراء مقابل يصل حدّ الاعلان عن سحب الاعتراف باسرائيل، الامر الذي سيُدخل المنطقة في دوامة جديدة من الافعال، وردود الافعال.
نقَل ترامب السفارة أم لم ينقل فإن أمّ المعارك التي تنتظر الساكن الجديد للبيت الابيض، ستكون داخل بيته لا خارجه، ومع حراس أمنه، الذين بدأوا بفتح خزائن الاسرار والصناديق السوداء للرجل الغامض، ولا سيما تلك التي تتكتم على فضائحه في روسيا.
إطلالته الخشنة مع الصحفيين في أول مؤتمر صحفي له قبل أيام، تشف عن مزاج حاد، لرجل فَظ سريع الاشتعال، عند أول سؤال يوجه له، وهي إطلالة تذكر بآخر إطلالة لمرسي، التي هاجم فيها الصحفيين، واستعدى خلالها الفنانين، وتطاول فيها على الأحياء والميتين، وهو ما ينبئ بأن مواجهة مع السلطة الرابعة لا محالة قادمة، وهي مواجهة إذا ما حصلت على ذخيرتها من تلك الصناديق فإنها ستطيح بالرجل كما أطاحت ببعض أسلافه.
مواجهة سياسات ترامب المرتقبة لا تكون، بالأُمنيات، والدعوات الطيبات، ولا بالمشاحنات، وإطلاق الاتهامات على خلفية أزمة الكهرباء، والتي من شأنها أن تعكر صفو الأجواء التي أشاعتها اجتماعات اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني في بيروت.
مواجهة "ترامب" تكون بتصويب المسارات، وانتهاج سياسات، تتكئ على مبدأ الشراكة دون إقصاء لاحد، مثلما تتطلب مغادرة "حماس" لأوهام التفرد بالحكم على قطعة أرضٍ جرى اختطافها في ليلة صيف، مع الحرص على تلقي الخدمات، والاستئثار بالامتيازات في آن، تماما كمن يعتبر الوطن شقةً مفروشة، تكون فيه السلطة مجرد بوّاب للعمارة، وصرّاف آلي يعمل عن بعد!