افراسيانت - تقدير موقف - أصدرت لجنة السياسات في مركز "مسارات" ورقة بحثية من إعداد رئيس المركز هاني المصري، تناول فيها عددا من السيناريوهات لعقد المجلس الوطني ومخاطر الصراع المفتوح على الشرعية .
وحذر المصري من مخاطر عقد مجلس وطني بمن حضر ومن دون رؤية وبرنامج شراكة وطنية، مشيرا الى إن مبادرة "القسام" باحداث فراغ أمني تمثل ناقوس خطر، وتشير إلى أين يمكن أن تسير الأمور، ويجب أخذها بجدية كاملة، رغم تباين المصادر بين التي أكدتها وتلك التي نفتها، لأن وضع القطاع غير قابل للاستمرار كما هو عليه، سواء بمبادرة "القسام" أو من دونها، أو حتى من دون إجراءات الرئيس العقابية، وتخلي "حماس" عن السلطة إذا وافقت على المبادرة بدون بديل مناسب ومتفق عليه ليس حلًا وإنما يواجه الأزمة القائمة بأزمة أكبر منها.
وفيما يلي السيناريوهات المتوقعة التي طرحت في الورقة:
السيناريو الأول: مجلس قديم بمن حضر
يتحقق هذا السيناريو من خلال مضي الرئيس و"فتح" بخطة عقد المجلس الوطني في رام الله بمن حضر في شهر أيلول القادم، حتى لو لم تشارك حركتا حماس والجهاد الإسلامي، ولكن بمشاركة الجبهتين الشعبية والديمقراطية.
هذا السيناريو سيئ لأنه لا يستمد شرعيته من الاحتكام إلى الشعب عبر الانتخابات، أو شرعية التوافق الوطني الشامل التي تنبع من الالتزام بالحقوق والأهداف والمقاومة واتفاق الفصائل على تنوعها واختلافاتها، فهو سيكون إن عقد محاولة لإحياء مؤسسة المجلس الوطني الموضوعة في العناية المشددة منذ توقيع اتفاق أوسلو، حيث لم تخرج منها سوى مرتين: الأولى لتعديل الميثاق الوطني في العام ١٩٩٦، والثانية في العام ٢٠٠٩ عندما عقدت جلسة لهدف واحد هو انتخاب أعضاء جدد باللجنة التنفيذية خلفًا للمتوفين، حفاظًا على ما تبقى لها من شرعية بعد أن تجاوز عدد الموتى ثلث أعضائها.
إن تحقق هذا السيناريو سيعزز الانقسام، وسيجعل مسألة وحدانية تمثيل المنظمة محل سؤال على الأقل، لأن عدم دعوة "حماس" و"الجهاد" للمشاركة كسائر الفصائل، وعدم مشاركتهما حتى من خلال أعضاء المجلس التشريعي من كتلة التغيير والإصلاح، وإقصاء الأعضاء المحسوبين على تيار دحلان، يعني أن وجود قوى تحظى بنسبة لا بأس بها من تأييد الشعب، وفي ظل سيطرة "حماس" على قطاع غزة، وما تشعر به من إقصاء، قد يدفع باتجاه "تفعيل" المجلس التشريعي بحضور أعضاء "حماس" والمحسوبين على دحلان، وهم أغلبية دون أعضاء "فتح"، وقد يصل الأمر إلى تنفيذ الفكرة المتداولة حول الدعوة إلى مؤتمر وطني موازٍ للمجلس الوطني يعلن أو يمهد لإنشاء مؤسسة وطنية تنافس المنظمة.
وإذا قاطعت الجبهتان الشعبية والديمقراطية المجلس الوطني، أو الشعبية وحدها، سيفقد المجلس أكثر قدرته على الادعاء بأنه يمثل الفلسطينيين، لأن المشاركة ستقتصر على "فتح" وشظايا من الفصائل والمستقلين. وأي مقارنة بين ما يحدث في هذه الفترة وبين ما حدث في العام ١٩٨٥ حين انعقد المجلس الوطني في عمّان وقاطعته "الشعبية" وغيرها من الفصائل المحسوبة على دمشق سوف تكون خاطئة، أولًا، لأن المنظمة كانت أقوى مما هي عليه حاليًا، وتحظى بتأييد ودعم وشرعية فلسطينية وعربية وغيرها، اما الآن فالمنظمة في أضعف حالاتها على كل المستويات الفلسطينية والعربية والدولية، مع العلم أن الراحل ياسر عرفات شرع منذ انتهاء مجلس عمان بالجهود الرامية إلى عقد مجلس وطني توحيدي، حيث عقد في الجزائر في العام ١٩٨٧ بعد اتفاق عدن-الجزائر في العام ١٩٨٦ الذي وقعته "فتح" مع فصائل التحالف الديمقراطي.
في ظل المعطيات الراهنة، فإن عقد المجلس بمن حضر يعني أنه سيكون على الأرجح المجلس الأخير. وعقده قد يكون مؤشرًا على ما سيأتي بعده من ضعف فلسطيني يفضي إلى قبول أو التعاطي مع الحكم الذاتي القائم مع بعض التحسينات المحدودة واعتباره حلًا دائمًا، سواء أدرك القائمون عليه ذلك أم لم يدركوا.
هذا السيناريو محتمل الحدوث، لأنه ينسجم مع تفاقم حالة الانقسام بدرجة غير مسبوقة، ويمكّن الرئيس من الحصول على "الشرعية" التي يحتاجها قبل خطابه القادم في الأمم المتحدة، وبعد تفاهمات "حماس" ودحلان ودلالاتها، ويضمن النتائج السياسية المناسبة، بحيث تكرس استمرار النهج القائم رغم تغير الظروف، ويُمكّن من انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية المناسبين واستبعاد المغضوب عليهم. وتتزايد احتماليته إذا نجحت مهمة الوفد الأميركي الوشيكة في محاولة لإنقاذ الوضع من الصدام القادم.
أمّا إذا استمر التعنت الإسرائيلي والدعم الأميركي ولم تستطع القيادة أن تنخرط في التحرك السياسي الحالي، لأن ما هو منتظر مر، سواء ظهرت "صفقة القرن" التي لن تقوم إلا على جثة القضية الفلسطينية، أو مواصلة إطلاق يد إسرائيل لتصفيتها من خلال الضم الزاحف والاستعمار الاستيطاني المستمر والمتصاعد، فإن القيادة الفلسطينية ستواجه وضعًا شديد الصعوبة إذا لم تأخذ ما تطالب به أو بعضه، مثل الالتزام بما يسمى "حل الدولتين". لذلك، فإنها تهدد وتخطط لتفجير "قنبلتين" في خطاب الرئيس بالأمم المتحدة في أيلول القادم: الأولى تقديم طلب جديد للحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين، والثانية تقديم طلب إحالة حول ملف الاستيطان إلى محكمة الجنايات الدولية.
سوف يكون ذلك بمثابة تحد لإسرائيل ولإدارة ترامب، وسيقود إلى مواجهة تستدعي الاستعداد لها بالوحدة لا بالمزيد من الانقسام والشرذمة، وقد تنتهي بسحب الاعتراف الأميركي والإسرائيلي بالرئيس كشريك، بما يمكن أن يكرر ما حدث مع سلفه ولو بشكل مختلف. وهذا سيقضي على أي احتمال متبق لإقامة دولة فلسطينية، بما يفتح الطريق لعلاقة بين شكل من الحكم الذاتي في الضفة مع إسرائيل والأردن، مقابل علاقة للحكم الذاتي في القطاع مع مصر وإسرائيل.
إن مخاطر تحقق هذا السيناريو تتطلب العمل على إحباطه والتحضير لمجلس وطني توحيدي يتبع المجلس العادي بأسرع وقت وقبل فوات الأوان.
من المستحيل إحداث اختراق في العملية السياسية في ظل موازين القوى القائمة، وكون إسرائيل برمتها، وليس فقط حكومتها اليمينية المتطرفة الراهنة، غير جاهزة للسلام، مع استمرار الدعم الأميركي لها، والأوضاع العربية التي لا تسر صديقًا. لذا، فالرهان الوحيد المتاح هو على تجميع عناصر الصمود والقوة والمقاومة، من خلال توحيد الشعب الفلسطيني بمختلف قواه، والعمل طويل الأمد لتغيير موازين القوى، ومراكمة الانتصارات بالاعتماد على النفس والعوامل والمتغيرات المساعِدة في المنطقة العربية والإقليم والعالم كله، فهناك بشائر حدثت فعلًا وأخرى ممكنة الحدوث في المنطقة والإقليم والعالم ويمكن الرهان عليها إذا كنّا موحدين وفاعلين وحكماء.
السيناريو الثاني: مجلس قديم "مجدد" بمشاركة الجميع
يتحقق هذا السيناريو من خلال دعوة جميع الفصائل الموقّعة على اتفاق القاهرة للمصالحة، التي شاركت في اجتماع اللجنة التحضيرية لعقد المجلس الوطني في بيروت في كانون الثاني/يناير الماضي، لحضور دورة عادية للمجلس القديم في الخارج أو في رام الله مع ضمان الاتفاق على برنامج سياسي يمثل خطوة ملموسة على طريق اعتماد مقاربة جديدة، وبمشاركة جميع الأعضاء الذين يمكنهم الحضور مباشرة أو من خلال تقنية "الفيديو كونفرنس" لمن لا يتمكن من الحضور، بمن فيهم أعضاء المجلس التشريعي دون استثناء أحد، ولا رفع حصانة أحد، مع الوعد والالتزام بأن يتلو ذلك عقد مجلس وطني جديد توحيدي في مدة قصيرة يُتفق عليها.
لا يجب استبعاد هذا السيناريو، فالمجلس المنعقد في هذه الحالة لن يكون قديمًا تمامًا، حيث يمكن إضافة أعضاء المجلس التشريعي الـ ١٣٢ ولـ"حماس" حصة كبيرة من بينهم، وتبديل الفصائل والاتحادات الشعبية لأعضائها، واستبدال المتوفين وعددهم ٦٧، وضم عدد من الأعضاء لتمثيل المبادرة الوطنية بعدما جرى اعتمادها سابقًا كتنظيم، وإيجاد حل لائق لتمثيل حركة الجهاد الإسلامي على كوتة المستقلين، وتوسيع مشاركة المرأة والشباب والشتات والكفاءات.
فرص هذا السيناريو أقل احتمالًا، ولكنه أفضل كثيرا من سابقه، وإن تحقق من شأنه أن يحافظ على الوضع القائم مع تعديلات ملموسة، ولكنها لا تخل بسيطرة القيادة وحركة فتح دون أن تبقى مطلقة اليدين. ومن شأنه أن يوقف عملية التدهور الجارية منذ زمن، ويمنع الانهيار الذي يصبح مرجحًا إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فضلًا عما إذا ما تفاقمت أكثر. وإذا عدنا إلى الوراء قليلًا وتوقفنا عند عشية عقد اجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت، نتذكر أن "حماس" كانت مترددة في الحضور، وعندما حضرت تم التوصل إلى توافق وإن لم يتم تطبيق ما تم الاتفاق عليه، وتم تأجيل عقد المجلس من دون توافق حتى الآن، وهذا وقت ثمين لم يستغل.
في هذا السيناريو، لا تشارك "حماس" و"الجهاد" كفصائل في المجلس الوطني، لأن مثل هذه المشاركة بحاجة إلى إنهاء الانقسام أولًا، وخصوصًا تخلي "حماس" عن سيطرتها الانفرادية على السلطة في غزة، وإنهاء هيمنة "فتح" على النظام السياسي بأكمله ثانيًا، وإلى اتفاق على ميثاق وطني وبرنامج سياسي جديد ثالثًا. وبالتالي لن تشارك الحركتان في اللجنة التنفيذية الجديدة، ويمكن تعويض ذلك باختيار أعضاء من المستقلين قريبين منهما. ومن شروط الموافقة على المشاركة في هذا المجلس والاعتراف بنتائجه، أن يكون الالتزام المسبق بعقد مجلس وطني توحيدي خلال مدة أقصاها عام.
السيناريو الثالث: عقد مجلس وطني توحيدي
هذا السيناريو هو الأفضل، ولكنه بعيد الاحتمال، كونه يحتاج إلى وقت ولا توجد قوة كافية لفرضه الآن، كما لا يوجد لدينا فائض من الوقت حتى تتوفر هذه القوة، فهو بحاجة إلى:
الاتفاق على إنهاء الانقسام وتوحيد السلطة بوزاراتها، ومؤسساتها، وأجهزتها الأمنية، وإلى إعادة النظر بطبيعتها، والتزاماتها، ووظائفها وبالهيكل الوظيفي على أساس الأولويات والاحتياجات والمصالح الوطنية.
اتفاق على برنامج وطني سياسي جديد يجسد القواسم المشتركة، ويراجع التجربة ويستخلص الدروس والعبر، ويبني على ما يوحد ويأخذ الاختلافات والتباينات في أوضاع التجمعات الفلسطينية المختلفة بالحسبان.
ميثاق وطني يتضمن القيم والمبادئ والحقوق والأهداف الأساسية وأشكال العمل والنضال الرئيسيّة وقواعد العمل.
الاتفاق على أسس المشاركة السياسية على مستوى المنظمة والسلطة.
الاحتكام إلى الشعب بإجراء انتخابات حيثما أمكن، واختيار من تبقى انطلاقًا من التوافق الوطني، واعتمادًا على أسس ومعايير جديدة بعيدًا عن معايير المحاصصة الفصائلية.
حصر أعضاء المجلس الجديد بـ ٣٠٠ أو ٣٥٠ عضوًا على الأكثر كما اتفق سابقا، حتى يتمكن المجلس من الاجتماع بانتظام وممارسة أعماله برشاقة وسهولة وفعالية وكفاءة.
يتحقق هذا السيناريو من خلال تشكيل لجنة تحضيرية تمثل مختلف التجمعات والأطياف والمرأة والشباب، أو من خلال مواصلة عمل اللجنة التحضيرية السابقة التي عقدت اجتماعًا لها في بيروت وتوسيعها وتطبيق ما تم الاتفاق عليه. وفي هذا السيناريو تُقبل "حماس" و"الجهاد" كفصائل، ويتم تمثيلهما في اللجنة التنفيذية، ويتم النظر في كيفية تمثيل شعبنا في أراضي 48.
خاتمة
ما سبق يعني ضرورة اعتماد أحد السيناريوهين الثاني أو الثالث، وإن كان سيناريو عقد مجلس وطني توحيدي هو الخيار المفضل، في حين يبدو سيناريو عقد مجلس وطني قديم مجدد بمشاركة الجميع أهون الشرور، كحل مؤقت أو انتقالي يقطع الطريق على مخاطر سيناريو عقد مجلس قديم بمن حضر، ويمهد للانتقال إلى الخيار المفضل بعقد مجلس وطني توحيدي.
إن مبادرة "القسام" تمثل ناقوس خطر وتشير إلى أين يمكن أن تسير الأمور، ويجب أخذها بجدية كاملة رغم تباين المصادر بين التي أكدتها وتلك التي نفتها، لأن وضع القطاع غير قابل للاستمرار كما هو عليه، سواء بمبادرة "القسام" أو من دونها، أو حتى من دون إجراءات الرئيس العقابية. وتخلي "حماس" عن السلطة إذا وافقت على المبادرة بدون بديل مناسب ومتفق عليه ليس حلًا وإنما يواجه الأزمة القائمة بأزمة أكبر منها.
إن عدم تحمل السلطة الموحدة التي تجسد مشاركة سياسية حقيقية والمتفق عليها لمسؤولياتها في الضفة والقطاع، يعني الفوضى التي لن تحمل معها سوى انهيار ودمار وتطرف وموت وتشظي (داخل الوطن المحتل وخارجه)، ووصاية عربية جديدة ومواجهة مع إسرائيل في ظروف غير مناسبة للفلسطينيين وبشروط مواتية لإسرائيل. ومعادلة الخروج من المأزق معروفة، وباتت تتضمنها المبادرات المطروحة الرصينة لإنهاء الانقسام، وبخاصة لجهة إنهاء الهيمنة والتفرد، والانفتاح على الشراكة والتعددية في إطار مؤسسات وطنية موحدة، وعلى أساس برنامج وطني واحد. أي بوضوح شديد معادلة الحل تتضمن مشاركة كاملة تقوم على إنهاء سيطرة "حماس" الانفرادية على السلطة في قطاع غزة، مقابل إنهاء هيمنة "فتح" على النظام السياسي كله.