افراسيانت - توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أبخازيا مكرسا زيارته للذكرى التاسعة للعدوان الجورجي على أوسيتيا الجنوبية، الحدث الذي حمل معه ظهور جمهوريتين مستقلتين في منطقة جنوب القوقاز.
وبحث الرئيس الروسي أثناء زيارته آفاق التعاون في ظل الظروف الراهنة، خاصة أن الجمهورية الوليدة تعتمد اقتصاديا على الدعم الروسي. وهو ما تمثل في البرنامج الاستثماري لذات الغرض بقيمة 6 مليارات روبل في الفترة بين عامي 2017 و2019، على اعتبار أن روسيا أهم شريك تجاري لأبخازيا.
دلالات زيارة بوتين
وهذه الزيارة ليست بمعزل عن وقائع بعينها، في مقدمتها، تاريخ الذكرى التاسعة للاجتياح الجورجي لتسخينفال بأوسيتيا الجنوبية عام 2008.. عدوان لم تكن روسيا لتتركه دون رد في فضائها الجيوسياسي، وقريبا جدا من تخومها.. وحرب، شكك بوتين بتفرد ميخائيل سآكاشفيلي، الرئيس الجورجي الأسبق، بقرار شنها، لولا الدعم من أعرض أبوابه.
بعث العدوان الجورجي، في ظل غض الطرف في واشنطن، لموسكو برسائل قرر الخبراء الروس على إثرها أن لا مفر من الرد الفوري، رغم التعقيدات المترتبة..
فروسيا، والتي انكبت على إعادة علاقاتها مع الغرب، رسم لها التحول الخطير دورا آخر، حمل عنوان إرغام جورجيا على السلام، حيث أنهى الغزو في غضون خمسة أيام، تبعها اعتراف موسكو وأربع دول أخرى باستقلال أوسيتيا الجنوبية، إلى جانب أبخازيا. وهما اللتان لطالما ارتبطتا بجورجيا بتاريخ طويل لا يخلو من النزاعات والخلافات الإثنية، جعلت منهما جمهوريتين "متمردتين" ضد النزعة القومية الجورجية بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وحفزت أعدادا كبيرة من مواطنيهما على طلب الجنسية الروسية ثم الحصول عليها... كان ذلك قبل أغسطس/آب عام 2008.
وبعد مرور 9 أعوام
لا يزال المشهد ضبابيا هشا.. فجورجيا ماضية في التقارب مع الغرب، على نحو يثير حفيظة موسكو..... وربما تصب زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس مطلع الشهر إلى جورجيا في خانة عدم الاستقرار... فمن بين عناوينها "التصدي للاحتلال الروسي".. وهنا، ليست العلاقات الودية بين واشنطن ودول في الفضاء السوفيتي ما يقلق موسكو... وإنما استبدال التعاون معها بمشاريع تضع نصبها استقدام وتوسيع البنى التحتية لأحلاف عسكرية من قبيل الناتو... وهو ما يظهر في الحال مع جورجيا أيضا، التي اختار حكامها الوقوف على طرفي نقيض من موسكو.
روسيا لا تريد تغيير الوضع القائم في القوقاز
أجل، هذا هو الواقع. ففي حين لا تبادر روسيا إلى ما يخل بالتوازنات الموجودة، تجد نفسها ملزمة على التعامل مع التبعات... فكما كان الأمر إزاء أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، كذلك كان حيال القرم وإزاء دونيتسك ولوغانسك في جنوب شرق أوكرانيا.
وتتقاطع مصلحة الأمن القومي الروسي مع حاجة أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية للمساعدة الروسية، وميول مواطنيهما للعيش داخل الكيان الروسي، هذا من جهة. لكن ومن جهة أخرى، يشكل عبئا إضافيا على الاقتصاد الروسي يضاف إلى مشكلاته، ناهيك عما يحتاجه تنفيذ المبرم من اتفاقيات الشراكة والاستثمار المشترك من أجواء داخلية مستقرة، ما زال للبلاد ما تفعله في طريقها... من هنا، فالوضع الراهن مقبول تماما، وهو وضع لم تكن روسيا من استحدثه، بل جاء ردا على معطيات مرحلة أخرى، أفرزت تعاملا آخر، أساسه رفض سقوط مواطنين روس أبرياء.