افراسيانت - أشرف الصباغ - رحبت موسكو باتفاقية وقف إطلاق النار بين كييف ودونباس، وأشارت إلى أنها تعول على الالتزام بها من أجل تحقيق تقدم في تنفيذ اتفاقيات مينسك.
موسكو كانت تأمل بأن تكون هذه الهدنة طويلة الأمد. ولكن يبدو أن كييف لديها موانع أو محاذير بهذا الصدد. ولذلك قررت أن تكون مجرد هدنة بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد. ومع ذلك، فالأمر جيد لكي يتمكن تلاميذ وطلاب شرق أوكرانيا من التوجه إلى مدارسهم ومعاهدهم وجامعاتهم بعيدا عن قصف القوات الأوكرانية، حيث اعترف ممثل كييف نفسه في المركز المشترك لمراقبة وتنسيق وقف إطلاق النار في دونباس، بأن الوضع في المنطقة يتجه نحو التدهور.
من جهة أخرى، لا تزال تتواصل التحريفات والحملات الإعلامية واستخدام مصطلحات غير دقيقة إما للترويج لصورة معينة لدى الرأي العام، أو لتضليل الرأي العام من أجل تبربر استخدام العنف في مناطق وأقاليم شرق أوكرانيا. فالمتحدث الرسمي باسم الرئيس الأوكراني سفياتسلاف تسيغولكو أعلن أن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو أكد تأييد فرنسا وألمانيا لمبادرة أوكرانيا بوقف إطلاق النار في دونباس اعتبارا من 1 سبتمبر/ أيلول الحالي، و"ينتظر قرار الرئيس الروسي".
مثل هذه التصريحات تتوالى بكثرة على الرغم من أن روسيا هي عضو في مجموعة نورماندي مثل ألمانيا وفرنسا، وتدعو إلى ضرورة تنفيذ اتفاقيات مينسك، وإلى المزيد من الهدن لكي يتمكن الطرفان المتنازعان من إيجاد سبل لتسوية الأزمة الأوكرانية الداخلية. بمعنى أن النزاع يدور أساسا بين كييف وشرق أوكرانيا لأسباب داخلية محضة. ولكن من مصلحة روسيا قبل فرنسا وألمانيا أن تستقر الأمور في أوكرانيا الشقيقة.
الترحيب الروسي جاء متزامنا مع ترحيب كل من ألمانيا وفرنسا. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف: "الكرملين يؤيد الاتفاقية التي توصلت إليها مجموعة الاتصال حول التسوية في جنوب شرق أوكرانيا بشأن وقف إطلاق النار على خط التماس في دونباس اعتبارا من بداية العام الدراسي... ونعول على أن التنفيذ الدقيق لهذه الاتفاقية من قبل كافة أطراف النزاع، وبالتحديد كييف ودونيتسك ولوغانسك، سيتيح دفع عملية تنفيذ اتفاقيات مينسك نحو الأمام وتنشيط البحث المشترك للحلول الوسط حول جميع جوانب التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية... وأن هذه الخطوة ستكون معززة بخطوات عملية من قبل الجانب الأوكراني في مجال صياغة واعتماد مشاريع قانون الوضع الخاص لمقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، وقانوني العفو، والانتخابات المحلية في دونباس".
الخطير في هذا المشهد أن قيادات أقاليم شرق أوكرانيا تكاد تفقد الثقة تماما في كييف التي تدلي بتصريحات لتوجيه أنظار المجتمع الدولي في اتجاهات أخرى، بينما تقوم على الأرض بممارسات مناقضة تماما. فقد أرسلت وزارة الدفاع إلى دوائر التجنيد أوامر سرية للاستعداد للتعبئة العاجلة، واتهمت قوات شرق أوكرانيا بأنها تجهز لاستفزازات. بل وذهبت إلى أن روسيا هي الأخرى تعد لهجوم من شبة جزيرة القرم على الأراضي الأوكرانية.
هذه الأنباء غير المبشرة تثير شهية وسائل الإعلام الغربية، وتفتح قنوات جديدة أمام الغرب لاستخدام الأزمة الأوكرانية والعمل على تفاقمها. وكانت هيئة الأركان العامة الأوكرانية قد أعلنت، في وقت سابق من أغسطس/ آب الماضي، عن تعزيز قواتها المرابطة في المنطقة الحدودية مع شبه جزيرة القرم الروسية، مؤكدة أن الرئيس بوروشينكو أصدر مرسوما برفع حالة التأهب إلى الدرجة القصوى، فضلا عن وحدات الجيش الأوكراني المرابطة في المناطق المتاخمة لخط التماس بدونباس.
وفي الحقيقة، كان الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو قد زعم في 18 أغسطس/آب الماضي أنه لا يستبعد "غزواً روسياً واسعاً"، بينما المسؤول بالمخابرات العسكرية الأوكرانية فاديم سكيبيتسكي قال إنه من الممكن أن ينطلق "هجوم روسي" من شبه جزيرة القرم. والتقطت الولايات المتحدة هذه التصريحات "الغريبة" لتعلن أنها "تأخذ الاحتياطات اللازمة أمام احتمال غزو روسي لأوكرانيا". ويبدو أن مثل هذه التصريحات الأمريكية الساخنة تروق لسلطات كييف التي تستخدم مثل هذه التصريحات لإثبات قوتها أمام المواطن الأوكراني من جهة، وتصوير نفسها ضحية "لعدوان روسي" مزعوم يجري الحديث عنه طوال السنوات الثلاث الأخيرة من جهة أخرى، والهروب إلى الأمام من مواجهة الأزمات الاقتصادية الطاحنة في الداخل الأوكراني من جهة ثالثة!
وإمعانا في التزام طريق التصعيد، قامت الحكومة الأوكرانية بتمديد العقوبات ضد الأفراد والشركات الروسية، وتشمل 388 شخصية و104 شركات، إذ تمت إضافة 250 شخصا و46 شركة إلى قائمة العقوبات. وتطال هذه العقوبات 28 بنكا روسيا و25 شركة روسية للخطوط الجوية، والقناة الأولى للتلفزيون الروسي، وقناة "إر.تي.إر – بلانيتا"، وقناة "روسيا 24"، وقناة "إن. تي.في"، و3 مراسلين يعملون في وكالة "تاس" للأنباء. إضافة إلى قوائم سرية وعلنية لساسة وصحفيين روس تصفهم كييف بـ "عملاء الكرملين"! والمثير أن كل هذا التصعيد يظهر عادة كلما جرى تقدم في أحد ملفات السياسة الخارجية الروسية، سواء في آسيا الوسطى وما وراء القوقاز والوساطات الروسية في أزمات هاتين المنطقتين، أو في مساعي روسيا لتسوية أزمات الشرق الأوسط، وعلى رأسها الأزمة السورية.
وعلى الرغم من هذا التعامل العنيف من جانب كييف، وإصرارها على التصعيد الدائم، والذي يصل في بعض تصريحات المسؤولين الأوكرانيين إلى تحريض الغرب ضد روسيا، فقد أعلن الكرملين أن موسكو لا تستبعد إجراء مفاوضات مباشرة مع كييف حول مستقبل منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، مؤكدا أن ذلك يتوقف على مضمون مثل هذه المفاوضات، مشددا في الوقت نفسه على أن "تنفيذ اتفاقات مينسك حول تسوية الأزمة الأوكرانية يخص كييف ودونباس قبل كل شيء.. وأن روسيا ليست طرفا في الأزمة الأوكرانية وأنه ليس هناك في اتفاقات مينسك ما يتضمن أي التزامات لموسكو، مشيرا إلى أن روسيا شأنها في ذلك شأن فرنسا وألمانيا، وهي دولة ضامنة لاتفاقات مينسك".