افراسيانت - رام الل ه-"القدس" دوت كوم - كتب ابراهيم ملحم - في زمن السماوات المفتوحة، وثورة التكنولوجيا، والسوشيال ميديا، فإن التعتيم على الاخبار، والحجر على الافكار، يبدو كمن يحاول تغطية الشمس بالغربال، أويمارس هواية صيد السمك في البحر الميت.
في تفاعلات أزمة نابلس، وتداعيات الاحداث المؤلمة فيها، والتي راح ضحيتها عدد من ابنائها من خيرة عناصر الاجهزة الامنية، وآخرين ممن وصفوا بـ"الخارجين عن القانون" ما يدعو لتوخي الحكمة، والحنكة في إدارة الازمة بمقاربات غير أمنية ، بما يكفل فرض القانون بقوة العدالة ، لا بشهوة الثأر، والانتقام مهما كانت الاسباب والمبررات، فالدولة ليست عشيرة، ولا هي عصابة، فثمة فارق كبير بين الدولة والعصابة؛ الاولى حكمة في المعالجات وحنكة في المقاربات، ورجاحة عقل في مواجهة التحديات، وقدرة ثاقبة قادرة على الرؤية الليلية؛ أما الثانية ، فبندقية للايجار، قاطعة للطريق، تستبيح الدماء، وتنتهك الحرمات ولا تعبأ بالرأي العام.
في غياب تلك القواعد الحاكمة لسلوك الدولة في المعالجة، فإن أي سيناريو مهما كان سيئاً لا يمكن استبعاده، فلا أمن يتحقق بغير العدل، ولا استقرار يسود بنزعة الثأر، التي تؤسس لمشروع فوضى يكون فيه الوطن أكبر الخاسرين.
فهيبة الدولة لا تصنعها القوة ، مثلما لا يصنع الخوف الامن والامان، لان العلاقة بين السلطة والشعب قائمة على الاحترام ، وهي علاقة تكاد تكون فريدة في علاقات الشعوب مع أنظمة الحكم ، بالنظر لخصوصية الوشائج النضالية بين الشعب وسلطته الوطنية في مواجهة التحديات الكبرى مع الاحتلال اضافة الى أن هذا الاحترام نابع من كون جميع الملتحقين بالاجهزة الامنية ينحدرون من عائلات لها تاريخ في النضال، وهو ما يفسّر تصدّي قوات الامن لجنود الاحتلال خلال الانتفاضة الثانية وسقوط العديد من الشهداء في صفوفهم وهم يدافعون بنزف جراحهم ووجع معاناتهم عن أبناء شعبهم ، مثلما يفسّر اختراق الجموع للحصار المفروض على أبو عمار في المقاطعة متحدّين جنازير الدبابات، وهو سلوك ما كان له أن يكون لولا علاقة الاحترام المتبادلة بين الشعب وسلطته.
بكت قلوبنا دما على أبنائنا سواء أولئك الذين ينتمون الى الاجهزة الامنية، ويدافعون عن قيم العدل والاستقرار والامن والحرية ،أو أولئك الموصوفون بـ"الخارجين عن القانون" لان الدولة العاقلة بمثابة الاب المسؤول عن جميع أبنائه على حد سواء، البار منهم أو العاق، فلكل منهم آمال، واحلام، وابناء، وآباء، وامهات، وعائلات ، يعتصر الالم قلوبهم، وهم يرون أبناءهم يُقتلون برصاص أبنائهم في مشهد يهز النفس من أقطارها، ويضاعف من نزف الجراح، ووجع المعاناة من بطش القوة الاسرائيلية العمياء، وأن غياب المعالجة الحكيمة للازمة، يكون كمن يزود بنادق المحرضين، بالرصاص، لاستهداف آخرين من أبنائنا في الاجهزة الامنية.
لقد تغيّرت الدنيا، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تسجل بالصوت، والصورة، كل حركة في كل بيت، وحارة، وشارع، حتى غدت تلك المواقع وكالات أنباء، تنافس كبريات وسائل الاعلام؛ تكفي نظرة واحدة على تفاعلات "السوشيال ميديا" لندرك حجم تلك التغيرات، التي تملي علينا معالجات مختلفة عن تلك التي كانت في "الكتالوج القديم".
قد يقول قائل: إن السلطة مستهدفة من هؤلاء الذين تم ضبط كميات كبيرة من الاسلحة لديهم؛ والتي لا يتوفر مثلها لدى السلطة نفسها، وهذا صحيح؛ لكن السؤال الصحيح أيضا هو، كم هي مسؤولية السلطة نفسِها عن وصول هذه "الفئة الخارجة عن القانون" الى هذا المستوى من التسلح ، الذي بات يهدد الاستقرار والامن الداخلي .
لقد أحسن رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله صنعاً عندما أدان بشجاعة،قلّ نظيرها،وبلغة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، واقعة قتل أبو العز حلاوة بعد إلقاء القبض عليه، واصفا تلك الواقعة بالعمل"الشاذ"ومؤكدا على أنه سيحاسب كل من تورط فيه مهما كان موقعه، وهو موقف يعكس شفافية في المكاشفة، ورغبة صادقة في المعالجة الامينة، وثقة في النفس، لدرء مفسدة بحجم الفضيحة، وإذا كان إيعاز الحمد الله بتشكيل لجنة للتحقيق قد بعث برسالة مطمئنة ببدء اجراءات العدالة، فإن الحكمة تقضي بتسريع تلك الاجراءات لتنفيس الاحتقان لان الابطاء في تطبيق العدالة ظلم.
تقول قصة دالّة لحكيم: إن شيخا جليلاً حاول إنقاذ قطة سقطت في بركة ماء، فكلما مد لها يده لإنقاذها نهشت يده، بأنيابها، وظل يكرر المحاولة مرة، وثانية، وثالثة، فلامه رجل كان يراقبه على الطرف الاخر من البركة، من تكرار محاولاته، رغم قيام القطة بنهش يده، فرد عليه الشيخ الجليل بالقول: كل يعمل بطبعه، فطبع القطة أن تنهش أما أنا فطبعي أن أعطف، وأن أرأف، وأن أُنقذ.