افراسيانت - رام الله - أمير داود - التاسعة إلا ثلثاً، صباحاً: يسألك حارس المعرض عن سبب اندفاعك إلى الداخل، حتى قبل الافتتاح ووصول المشرفين إلى أجنحة المعرض التي تترامى أقسامه على مساحة شاسعة من "مجمع فلسطين الترويحي" في الشمال من مدينة رام الله المحتلة.
تعرّف عن نفسك وتشير إليه أنك تريد أن تتجوّل فقط، يسمح لك بالدخول، لكن في هذه الساعة، لا زوّار ولا منظّمين ولا مشرفين، فقط كتب تجاوزت مليون نسخة من أكثر من 250 دار نشر، بحسب بيانات "وزارة الثقافة" الفلسطينية، الجهة المنفّذة للمعرض، ساعات قليلة فقط، كانت كفيلة بتحويل المكان الفارغ إلى مكان مكتظّ بالمتجوّلين والمعنيين بمتابعة الأنشطة المختلفة التي تجري على هامش المعرض.
"فلسطين تقرأ" هذا هو الاسم الذي اختاره القائمون على فعاليات "معرض فلسطين الدولي للكتاب"، 2016، في نسخته العاشرة، بآمال تتجاوز الهمّ المثقل بالتعثر والانقسام وضيق الأفق السياسي، وتتطلّع للتغلب على معوقات الاحتلال بتقديم مساحة ثقافية تعبّر عن الكلّ الفلسطيني، من فلسطين المحتلة عام 1967 وغزة بطبيعة الحال، وفلسطين المحتلة 1948، واللجوء، إلى جانب مشاركة من أدباء وكتّاب عرب وهو ما يشكل حدثاً جديداً نسبياً.
مشاركات ضمن دور النشر حيناً، ومساهمات في أمسيات شعرية ومسرح ومداخلات فكرية في معرض الجلسات الحوارية التي أقيمت على هامش معرض الكتاب في أحيان أخرى، بينما لم تقتصر الفعاليات الثقافية على مدينة رام الله التي تحتضن أبرز فعالياته، فقد خُصصّت اللجنة المشرفة مجموعة من النشاطات على مدن أخرى مثل بيت لحم وطولكرم والخليل ونابلس، تنوّعت بين أمسيات شعرية وعروض أفلام وجلسات حوارية.
لعل أبرز ما ميّز فعاليات هذا المعرض أيضاً، الذي تحلّ فيه الكويت ضيف شرف، إيقاف ما يمكن أن يطلق عليه "الرقابة على المطبوعات"، وبالتالي غياب تلك الجهات التي تأخذ على عاتقها رفض أو سماح مرور المنتجات الفكرية بحجة أنها مخالفة لقوانين النشر، على النقيض مما حدث أو يحدث في نسخ أخرى من معارض الكتب في الدول العربية.
وبالرغم من ذلك كلّه، لا زالت بعض المفارقات تؤزّم المشهد الكلّي، كان على رأسها الأسعار المرتفعة للكتب، وهو ما ينزع عن المعرض وظيفته الأساس في توفير أسعار منافسة لأسعار السوق، مقابل عرض المجلات الفكرية والأدبية المتخصّصة بأثمان زهيدة ومشجّعة، وخصوصاً في الجناح الكويتي من المعرض.
التنظيم الجيّد للمعرض، بحسب مراقبين، لم يلغ واقع الاحتلال، إذ بقيت مجموعة من الأسماء المشاركة، وأغلبها قادمة من الأردن وبلدان عربية أخرى، رهينة سيناريو المنع الأمني الإسرائيلي وحتى اللحظة الأخيرة قبيل الافتتاح، الأمر الذي أبقى البرنامج النهائي قيد التعديل والتغيير في أية لحظة. والأمر نفسه ينطبق على المشاركين من غزة.
حضور كثيف لمعرض الكتاب وفعالياته، باستثناء بعض الفعاليات التي شهدت إقبالاً ضعيفاً من الجمهور، وخصوصاً تلك التي جرت بعيداً عن رام الله، ليبقى باب التساؤل مشرعاً حول قدرة الجهات المنظّمة ووسائل الإعلام على لفت انتباه شريحة أكبر من الجمهور، وجسْر فجوة اهتمام المواطن العادي مع هذا النوع من الفعاليات هناك.
أتت عناوين الجلسات، في المعرض الذي تستمر فعالياته لعشرة أيام، إما فضفاضة وكبيرة وتصعب لملمة جوانبها في إطار تناولها لبعض القضايا، مثل "شهادات حول الهوية والمكان" و"القراءة والكتابة في زمن العولمة" وإما محددة تتناول الأثر الفكري لبعض الكتّاب الراحلين؛ من بينهم: حسين البرغوثي وسميح القاسم وإميل حبيبي.
إضافة إلى تناول فلسطين في الأدب الكويتي والمسرح والرواية العربيين، وعناوين تناولت السياق الفلسطيني، الثقافي والنضالي، في حين غابت أسماء أدبية فلسطينية وعربية أخرى، وناقشت إحدى الجلسات العلاقة الثنائية الفلسطينية الصينية من دون سياق مقنع لإقامتها، إذ أغفل نقاش علاقات ثنائية أخرى ربما تبدو أكثر عمقاً وتركت أثرها على الثقافة الفلسطينية ومثقفيها.
لم تتوقف نشاطات المعرض عند حدود الانشغال بالإطار العام من الثقافي والأدبي، بل تجاوزته إلى مساحات متخصصة في مجالات مثل أدب الطفل وأنشطة عديدة تستهدف هذه الفئة، من قصص للأطفال إلى جلسات رسم وغيرها تأخذ بعين الاعتبار توزيع الفئات العمرية لهم. الأمر ذاته ينسحب على أدب الحركة الأسيرة، والجلسات التي خصصت لنقاش أدب المعتقلات، من شهادات الأسرى ونتاجهم الأدبي وتجارب الإضراب عن الطعام.
بالإضافة إلى غياب مؤسسات تعنى بالشأن الثقافي عن المشاركة في الفعالية، بدا ملاحظاً غياب "الاتحاد العام للكتّاب الفلسطينيين" عن هذه الدورة.