افراسيانت - الخليج اون لاين - لم تغفل المؤسسة الصهيونية عن أهمية سرقة الإرث الثقافي والفكري للفلسطينيين بعد احتلال أرضهم، فعندما كانت المكتبة جزءاً لا يتجزأ من البيت الفلسطيني في ذلك الوقت، خصصت العصابات الصهيونية جزءاً من وقتها لجمع محتويات هذه المكتبات وإرسالها إلى "المكتبة الوطنية الإسرائيلية"؛ ليصبح ضياع الكتب جزءاً من نكبة الأرض.
وفي زيارة خاصة للمكتبة الواقعة على مساحات شاسعة داخل حرم الجامعة العبرية في منطقة "الشيخ بدر"بالقدس المحتلة، قمنا بالبحث في قوائم المكتبة عن بعض الكتب المصنفة بأنها "أملاك مهجورة"، وهو التصنيف الخاص بالكتب المسروقة من مكتبات البيوت الفلسطينية التي تم تهجير أهلها خلال نكبة 1948.
غالبية الكتب المسروقة يمنع أن تؤخذ إلى خارج أبواب المكتبة، ويمكن الاطلاع عليها بإرسال طلب إلكتروني يحمل اسم الكاتب والكتاب وتفاصيل شخصية عن المرسل، أي أنك لا تستطيع معرفة صاحب الكتاب (الذي اقتناه) إلا بعد أن تفتحه وتقرأ الحواشي وتبحث عن إشارة تدلك عليه.
وفي حديث لـ "الخليج أونلاين" مع أحد أمناء المكتبة، والذي رفض الكشف عن اسمه، قال إن المكتبة الإسرائيلية تحوي عدداً يصعب إحصاؤه من الكتب التي تعود ملكيتها للفلسطينيين الذين هجّروا عام 1948؛ لأن القائمين على الفهرسة في ذلك الوقت توفوا جميعاً، لكن مصادر أخرى أكدت وجود أكثر من 30 ألف كتاب مسروق.
وأضاف أنه عام 1948، قامت فرق من المكتبة الإسرائيلية بمرافقة الجماعات الصهيونية المقاتلة التي اقتحمت المنازل الفلسطينية في المدن المختلفة بعد تهجير أهلها، وجمعت كل ما احتوته المكتبات الشخصية للسكان، في القدس ويافا وحيفا ومدن أخرى، وفي القدس بأحياء عرفت برقيها وثقافة أهلها مثل الطالبية والقطمون والبقعة.
ومن أبرز الشخصيات التي نهبت مكتباتهم أثناء النكبة؛ هو الأديب المقدسي خليل السكاكيني، الذي كان له بصمة عميقة، واعتبر علامة فارقة في التربية والتعليم بمدارس فلسطين في ذلك الوقت، إلى جانب ذلك، توجد كتب تابعة لملكية المؤرخ والأديب والكاتب اللبناني، عجاج نويهض، الذي امتلك بيتاً في القدس بتلك الفترة وعاش فيه 25 عاماً حتى عام 1948.
كما توجد كتب تعود ملكيتها للشيخ المقرب من المجاهد عز الدين القسام، "محمد نمر الخطيب"، الذي كانت عائلته تمسك بزمام أمور الإفتاء في حيفا حتى نكبة 1948، حين حاولت العصابات الصهيونية اغتياله واستولت على مكتبته الشخصية وأرسلت محتوياتها لأرشيف المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
إلى جانب الخطيب، تحتوي المكتبة الإسرائيلية على محتويات مكتبة إحدى أبرز الشخصيات المثقفة في سنوات ما قبل النكبة، وهو عبد الله مخلص، الذي شغل منصب مدير الأوقاف الإسلامية في القدس حتى عام النكبة؛ وكان يمتلك في بيته مكتبة قل نظيرها في فلسطين، إذ ضمّت كتباً عربية إسلامية كانت محط اهتمام كبار المستشرقين، كما أن له دراسات واسعة في الآثار الإسلامية والمسيحية ونشاطاً في التنقيب والبحث والترجمة من التركية، كما جاء عنه أنه أجرى تحقيقاً في أمر بئر سيدنا يوسف عليه السلام.
وأضاف أن عملية سرقات الكتب على يد العصابات الصهيونية وفرق المكتبة جمعت كتباً تابعة لملكية "عمر صالح البرغوثي"، وهو محامٍ وناشط ومثقف فلسطيني درّس بمعهد الحقوق الفلسطيني، وكانت له مؤلفات ومخطوطات ثرية في القانون وتاريخ فلسطين.
وفي سياق الحديث عن البعد القانوني للقضية وحق الورثة الشرعيين بالمطالبة بكتب أجدادهم، قال إن هذه الكتب تابعة قانونياً لقسم "حارس أموال الغائبين" التابع لسلطات الاحتلال بالقدس المحتلة، إلا أن المطالبة بالكتب واستعادتها ليست بالأمر الهين.
فعلى الرغم من أن إدارة المكتبة تدعي أنها "تحافظ على الكتب إلى حين ظهور أصحابها"، إلا أنه لا يوجد عملياً إجراءات قانونية واضحة لإثبات الورثة لحقهم باستعادتها، ولا استعداد من قبل الاحتلال وسلطاته لتوضيح كيفية عمل ذلك، فعند التوجه لقسم "حارس أملاك الغائبين" يتم تحويل المراجعين لوزارة المالية، وفي وزارة المالية يدّعون أن الأمر ليس ضمن صلاحياتهم.
في هذه الأثناء ومنذ عام 1948 حتى اليوم، تستمر "المكتبة الوطنية الإسرائيلية" باستخدام عشرات آلاف الكتب والمخطوطات والصور لإثراء الأبحاث التي يقوم بها الإسرائيليون وغيرهم، وفي هذا السياق يذكر أن الركيزة الأساسية لمحتويات المكتبة الضخمة تعتمد بالأساس على ما يسمى "مجموعة الإسلام والشرق الأوسط"، التي تحتوي على 4.1 ملايين مجلد جمعت بطرق ومن أماكن مختلفة.
ويضيف المصدر أن المكتبة تخصص 3 طوابق تحت الأرض، ومخازن خارجية بأماكن مختلفة في فلسطين المحتلة (دير ياسين، مستوطنة آريئيل) لتخزين أعداد هائلة من الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية والكتب المسروقة منذ عام 1948، وأن 30% فقط من هذه الكتب متاح في قاعات القراءة في حين أن 70% مخبأ في المخازن.
ومن بين الـ2400 مخطوط إسلامي نادر تضمه المكتبة، يوجد مصحف من أقدم المصاحف غير المنقوطة والمكتوبة بالخط الكوفي يعود للقرن التاسع ميلادي، ومصحفان يعودان للقرن الثاني للهجرة، و100 مصحف آخر تعود لعصور مختلفة مثل القرنين الرابع والخامس للهجرة، إلى جانب مئات آلاف الكتب التي تعتبر مصدراً للمستشرقين بدراساتهم.
ومن بحث أجراه "الخليج أونلاين" حول الموضوع اتضح أن مصدر آلاف المخطوطات الإسلامية القديمة، والمكتوبة بالفارسية والعربية والعثمانية، إلى جانب الخرائط والصور النادرة، حصلت عليها المكتبة منذ ما يفوق الـ100 عام عن طريق شراء أو أخذ محتويات مكتبات علماء وفلاسفة وشخصيات يهودية شرقية؛ منهم "عيران ليئور" الذي كان يهوى جمع الخرائط حتى كوّن أرشيفاً فيه خرائط للعالم والقدس والدولة العثمانية منذ القرن الـ15، حتى تبرع بها للمكتبة عام 1975.
لكن قبل ذلك الوقت حصلت المكتبة أيضاً على مجموعة ضخمة من المخطوطات النادرة التي كان يجمعها الباحث اليهودي بشؤون العرب، أبراهام شالوم يهودا، باللغات العربية والعبرية واللاتينية، ومجموعها 1400 مخطوط يد غالبيتها باللغة العربية، حصلت عليها المكتبة خلال عام 1967 بعد حرب النكسة.
يذكر أن نواة المكتبة الوطنية الإسرائيلية بنيت في القدس المحتلة عام 1892، وكانت تسمى "بيت الكتب على اسم آبربنال"، وهو فيلسوف يهودي عرف في الأندلس، وقد طورت المؤسسة الصهيونية هذه المكتبة وعملت على تزويدها بالكتب والمخطوطات والصور بالأساس اعتماداً على الأرشيف الشخصي لليهود الشرقيين خاصة من اليمن.
وفي عام 1925 مع افتتاح الجامعة العبرية في القدس المحتلة انتقلت المكتبة إلى مبنى كلية الحقوق، وتحول اسمها إلى "المكتبة الوطنية الإسرائيلية"، وذلك تطبيقاً لرؤية المؤسسة الصهيونية العالمية التي رأت أن جمع الكتب والأرشيفات وإنشاء "مكتبة وطنية" هي من العوامل المهمة لتجميع اليهود وتحويلهم إلى قوم، وتتكفل هذا المشروع عائلة البارون "روتشيلد" اليهودية المعروفة بتمويل 50% من تكاليف المكتبة ومصاريفها واحتياجاتها.