افراسيانت - ترجع أصول الشعر الشعبي، والحكايات الشعبية فـي المجتمع الفلسطيني، إلى جذور عالمية مشتركة مع المجتمعات الأخرى؛ توارثتها الأجيال عن الأمم البدائية ومعتقداتها الدينية القديمة، فضلاً عن عوامل محلية إقليمية أخرى.
ولخصوصية المجتمع الفلسطيني الذي وقع تحت الاحتلال لقرون عدة، أثر كبير أدى إلى تميز الشعر الشعبي بمضامينه الوطنية العميقة والغزيرة؛ فكان للجهاد والكفاح فيها حصة الأسد، ناهيك عن المضامين الاجتماعية التي تصب في معظمها بمعانٍ سامية تخدم التمسك بالدين والوطن والعشيرة والأهل، وتحيي مكارم الأخلاق والرجولة.
وثمة عوامل كثيرة أخرى أثرت فـي الشعر الشعبي في هذا المجتمع: كالحب، والجمال، ولذة العشق، والحب العذري، والتصوف؛ فهناك قصص حب رائعة، تكشف عن نبل العواطف، وكثيراً ما جسد الشعر الشعبي أحاسيس النساء ومشاعرهن تجاه الحبيب والزوج وبعده عن محبوبته، كما في قصيدة "غنت ماريا" المرأة "البيتجالية"، ومن هذا القبيل أيضاً أغنية "سبل عيونه"، وأغنية "هلا ليه وهلا ليه"؛ فالشعر الشعبي لم يكن يتطلب ثقافة؛ بل فطرةً وأذناً موسيقية وتفاعلاً مع الآخر، حتى أن بعض رواد الشعر الشعبي الفلسطيني كانوا أميين.
كما صور الشعر الشعبي قصصًا كفاحية مرتبطة بالكفاح والنضال ضد الاحتلال، منذ العصر العثماني، حتى الآن، تنتقل من الآباء للأبناء، ومن الأجداد للأحفاد. وهي قصص ذات إطار سياسي، ومضمون وطني؛ فكثير من الشعراء الذين شاركوا في الثورة، وانخرطوا فـي صفوف الجهاد، وخاضوا المعارك، وزج بالبعض منهم فـي السجون، واستشهد البعض الآخر، وكان لشعرهم أثر كبير فـي نفوس زملائهم المجاهدين خصوصاً، وعلى أفراد الشعب عموماً؛ فالمقاومة الفلسطينية للاستعمار البريطاني ثم الصهيوني قدّمت على مقاصل ومشانق الظلم وساحات المعارك عدداً من رموز الشعر الشعبي في فلسطين، وإذا علمنا أن عماد الكفاح الفلسطيني قبل النكبة كانت المظاهرات الهادرة التي يتصدرها الهتّافون (وهم غالباً من الشعراء الشعبيين)، سندرك الدور الذي لعبه هؤلاء الشعراء، خاصة وأن رصاص الجنود البريطانيين كان يستهدف دائماً مقدمة التظاهرات، حيث يُحمل الزجالون على الأكتاف تماماً مثلما يُحمل قادة المظاهرات.
من هؤلاء الشعراء الثوار
فرحان سلام الذي قال:
إن كان بلفور يجهل قيمة الأوطان
احنا بأرواحنا نفدي أراضينا
نبيع أرواحنا بأبخس الأثمان
حقاً على الله ينصر المؤمنينا
ومحمود زقوت وفريد عودة الذي زج به فـي المعتقل، والشاعر موسى محمد الرحَّال الذي كان يطارد قوات الاحتلال فـي الليل، والشهيد عوض من نابلس الذي قال:
يا ليل خلّ الأسير تيكمّل نواحو
رايح يفيق الفجر ويرفرف جناحُو
تيمرجح المشنوق في هبّة رياحو
يا ليل وقّف تاقضي كل حسراتي
يمكن نسيت مين أنا ونسيت آهاتي
ياحيف كيف انقضت بيديك ساعاتي
شمل الحبايب ضاع وتكسّّروا اقداحو
ومن الشعراء الذين ارتبط اسمهم بثورة 1936 أيضاً أبي سلمى وعبد الرحيم محمود ،ومطلق عبد الخالق، وابراهيم طوقان.
أنواع الشعر الشعبي الفلسطيني:
تنوعت مضامين الشعر الشعبي الفلسطيني بين السياسة والمجتمع وغيرها، وتميزت بمضامين خاصة للأعراس والمهن، مثل: الفلاحين، والحصادين، والصيادين، والبنائين، والحرفيين، والباعة المتجولين وغيرهم.
إلا أن الشكل الفني لم ينقسم كالمضامين، بل اقتصر على الرجال والنساء، فاشتركوا ببعض الأشكال، مثل: الزجل، والدلعونا، والمواويل، والزفة، وغيرها... واختص الرجال بالسحجة والحوربة، فيما اختصت النساء بالزغاريد (المهاهاة: أهيها)، والبكائيات.
ويمكن إجمال أنواع الشعر الشعبي بالأشكال الآتية:
1 - الموال بقِسْمَيه: العتابا، والميجانا:
أ- العتابا: كلمة مشتقة من العتاب، الذي يكثر في هذا النوع من الغناء، ويشكل بيت العتابا وحدة معنوية كاملة، ويعتمد على فن بديعي جميل هو الجناس، وهو أخف لغة وتراكيب من الميجانا.
ب - الميجانا: وهي الشكل الثاني من أشكال الموال، وهو ملازم (للعتابا) ويتألف الميجانا من بيت شعر واحد، شطره الأول "يا ميجانا" مكررة ثلاث مرات، بينما يكون شطره الثاني من أية كلمات بشرط أن تتفق مع الشطر الأول في الوزن والقافية، مثال:"الله معاهم وين ماراحوا حبابنا يا ميجانا يا ميجانا يا ميجانا".
2 - القصائد الشعبية أو الشروقيات:
الشروقي أو القصيد البدوي نوع من القصائد الشعبية الطويلة، يلتزم وزناً شعرياً واحداً من أول القصيدة حتى آخرها، ويمتاز هذا اللون بانتشاره الواسع في فلسطين.
3 - أغاني الدَّبكة:
وينافس هذا اللون من الغناء الأنواع السابقة، من حيث شعبيته وشيوعه على ألْسنة الناس وخاصة (الدلعونا). و"الدلعونا" لفظة صارت تدل على لون من ألون الغناء، وربما اشتقت الكلمة من الدلع الذي يلازمها.
4 - أغاني الزفة:
ومنها ما هو خاص بالرجال، ومنها ما هو خاص بالنساء. وهذه الألوان قديمة العهد، وهي أهازيج جماعية بعضها يؤديه النساء، وبعضها الآخر يؤديها الرجال، ويمتاز بالإثارة وتحريك المشاعر، مثل: "زين الشباب عريسنا، عريسنا زين الشباب".
القصائد الشعبية أو الشْروقيات وتتمثل في:
أ. التحداية أو الحداء.
ب. أغاني الدبكة والرقصات الشعبية الأخرى، مثل: الدلعونا، الجفرا، يا ظريف الطول، يا اغْزيّل، "ليّا بليّا يا بنيّا"...
ج. أغاني الزفة، ومما تتضمنه أغاني الزفة معظم ما ذكرناه سابقاً.
د. الزجل والمعنّى والموشّح:
ويعتبر أقرب أنواع الشعر الشعبي للفصيح هو (الشْروقي)، حيث ينظم قصائد طويلة وتلقى مغناة في الغالب، وتكون على بحر من بحور الشعر الخليلية ،ويغلب عليها بحور الرجز الوافر والكامل والهزج المستدرك والمتقارب.
ولا يعني هذا أن باقي الأغاني الشعبية لا تلتزم البحور؛ بل تلتزمها كاملة ومجزوءة. مما يعني أن للشعر الشعبي أصولاً في التاريخ والتراث العربي الفصيح، تنسجم مع انتماء هذه الأرض وهذا الشعب إلى محيطه العربي.
نماذج مغناة من الشعر الشعبي الفلسطيني:
1- الدلعونا
على الدلعونا، على الدلعونا نسم يا هوى بلادي الحنونا
هذه بلادي بلاد أمينة الناصرة وطبريا وجبل الزيتونا
2- يا زريف الطول
يازريف الطول الحمص بلَّته ثلثين العقل من راسي خلته
ريت المجّوز يعدم مرته ويصير المجوز والعزابي سوا
3- عالروزانا
عالروزانا عالروزنا كل الهنا فيها
ويش عملت الخاينه الله يجازيها
4- عاليادي اليادي
عاليادي اليادي اليادي يا أبو العبيديه
يا جوخ لفصله للحلوة صدريه
يا شوفة شفتها تخبزعلى الصاج
وموشحه ع الصدر خرفان ونعاج
لا تزعلي يا سمرا والبيض غناج
والبيض شحم القلب والسمر عينيّا
يا رايحين على حلب حبي معاكم راح
يا محملين العنب تحت العنب تفاح
كل من وليفه معه وأنا وليفي راح
يا رب نسمه هوى ترد الوِلِف ليّا