تفكك المجتمعات الغربية : امريكا نموذجا !!

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - زكريا شاهين - من المؤكد ان التفكك في المجتمعات الغربية وصل الى درجة الانحدار نحو المجهول فيما يتعلق بالنسيج الاجتماعي والمعرف براس المال الاجتماعي . ينطبق هذا على النموذج الغربي للحياة ويتصدر ذلك النموذج الامريكي .


فما هو مفهوم رأس المال الاجتماعي؟ وكيف يمكن رصده في السياق الأمريكي؟ وهل طرأ تَغيُّر أو تراجع في مؤشراته داخل المجتمع الأمريكي؟ وإن كان كذلك فما هي عوامل ذلك التراجع (التفكُّك) في رأس المال الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية؟


في مفهوم رأس المال الاجتماعي : يعود مفهوم رأس المال الاجتماعي إلى تاريخ الفكر السوسيولوجي، وهو آتٍ من مجموع النظريات الاجتماعية التي حاولت أن تَفهم خصائص الاجتماع البشري، بدءاً من نظرية العصبية في علم العمران عند ابن خلدون، حتى نظرية العقد الاجتماعي عند هوبز.


ويُعتقد أن المرشد التربوي الأمريكي (ليدا هانيفان L. Hanifan)، كان أول من استخدم مفهوم رأس المال الاجتماعي سنة 1916م، ووصف به مجموع القيم الأخلاقية الموجودة في الحياة اليومية؛ من حُسن النية، والتعاطف، والاتصال الاجتماعي بين الأفراد، وهي بنظره عناصر تشاركية بين الناس في وحدة اجتماعية قوية .


ويُعرّفُ فرانسيسكو فوكوياما رأس المال الاجتماعي بأنه قدرة تنشأ من انتشار الثقة في المجتمع، أو في أجزاء معينة منه، ويُمكن أن يتجسد في أصغر مجموعة اجتماعية، وهي الأسرة، كما يوجد في أكبر المجموعات وهي الأمة، ويختلف رأس المال الاجتماعي عن الأشكال الأخرى لرأس المال البشري، من حيث تَكوّنه وانتشاره عبر آلياتٍ ثقافية، مثل الدين، والعادات التاريخية، وقيم مشتركة مادية وأخلاقية .


في واقع الأمر ترتكز الولايات المتحدة على شبكةٍ كثيفةٍ من المنظمات الطوعية أكثر مما لدى العديد من المجتمعات الغربية الأخرى، مثل الكنائس، والجمعيات المهنية، والمؤسسات الخيرية، والمدارس الخاصة، والمستشفيات، وبالطبع لديها قطاع أعمال واسع جداً.


وكان أول من تَحدث عن هذه الركائز الاجتماعية المعقدة في المجتمع الأمريكي هو الرحالة الفرنسي (ألكيس دي توكفيل)، من خلال زيارة قام بها إلى أمريكا في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ووفقاً لتوكفيل Tocqueville: "فإن الأمريكيين من كل الأعمار والميول يُؤسسون جمعياتٍ باستمرار، وليس لديهم شركات تجارية وصناعية، يُشارك فيها الجميع فحسب، بل لديهم ألفُ نوعٍ آخر من المؤسسات الدينية والأخلاقية، أو الجدية، أو العقيمة.


وعلى الرغم من ذلك فإن التوازن بين النزعة الفردية والروح الجماعية قد اختلَّ بشكلٍ كبير في المجتمع الأمريكي ، فالمجموعات الأخلاقية التي تَشكل منها المجتمع المدني الأمريكي، بدءاً بالعائلة، ومروراً بالأحياء، والكنائس، وانتهاءً بأماكن العمل، تعرضت للتدهور وكذلك تُوحي عدَّة مؤشّرات بأن الترابط الاجتماعي العام تراجع بشكل واضح، وأن معدلات الثقة انخفضت إلى أدنى مستوى لها، فما هي مؤشّرات هذا التراجع (التفكّك) في رأس المال الاجتماعي الأمريكي؟


مؤشّرات تفكُّك رأس المال الاجتماعي الأمريكي : اهتمت معظم الدراسات الحديثة في دراسة إشكاليّة الثقة، ويرجع ذلك إلى تزايد الشّكّ في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث أظهرت المعطيات تراجعاً كبيراً في الثقة الاجتماعية في أمريكا، وكان لهذا التراجع انعكاسات مُهمة على الديمقراطية، وانعكاسات أخرى على الاقتصاد، فبدأت الولايات المتحدة بدفع مبالغ أكبر مما تدفعه الدول الغربية الأخرى من أجل تأمين الحماية الشُّرطية، وهي التي تضع أكثر من 1% من مجموع سكانها خلف القضبان سنوياً، كما تدفع مبالغ أكبر مما تدفعه دول أوروبا الغربية واليابان إلى المحامين والحقوقيين فيها، حتى يتسنى لمواطنيها مقاضاة بعضهم .وقد أَعدَّ بوتنام (Putnam) بياناتٍ تُشير إلى حدوث تدهورٍ مُذهلٍ في الترابط الاجتماعي الأمريكي منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، فمنذ الخمسينات انخفضت معدلات العضوية في الجمعيات الطوعية، كما قلت أعداد المنتسبين إلى النقابات العمالية من 32.5% سنة 1960 إلى 15.8% في 1993، وكذلك فقدت العديد من المنظمات الأخوية مثل ليونز (lions)، وإيلكس (Elks)، وجايسيز (Jaycees) أكثر من نصف أعضائها، وطرأت انخفاضات مماثلة في منظمات مثل الكشافة، والصليب الأحمر الأمريكي، وغيرها.


وفي إحدى الدراسات السوسيولوجية، سُئل المُشارك في الدراسة عن عدد المرات التي يقضي فيها أمسيةً اجتماعية مع أحد جيرانه، فكانت الإجابة عن السؤال: "أكثر من مرة واحدة في السنة"، بحيث انخفضت من 72% سنة 1960، إلى 61% سنة 1993م. وفي دراسة أخرى سُئل أمريكيون عما إذا كانوا يشعرون بأنه يُمكن الوثوق بجميع الأفراد، فكان أن هبط عدد الذين ردّوا بالإيجاب من 58% سنة 1960، إلى 37% سنة 1993م..


ولئِن كان الأمر كذلك فإن عامل الثقة الاجتماعية تراجع بشكل كبير، من خلال ملاحظة ارتفاع معدلات ارتكاب الجريمة، حيث سجلت أمريكا ارتفاعاً كبيرا كأكثر من أي بلدٍ مُتقدم، وقد استطاع الأثرياء حماية أنفسهم من آثارها المباشرة بالانتقال من الضواحي الشعبية إلى الضواحي الغنية، أو إحاطة بيوتهم ومنازلهم بأسوارٍ تحميهم، غير أن الآثار غير المباشرة للجريمة كانت أكثر تدميراً للإحساس بالروح الجماعية من تلك المباشرة، فقد وقعت حادثة في ولاية لويزيانا سنة 1992م، حين أقدم رجل أمريكي اسمه رودني بيرز Rodney Pairs على قتل الطالب الياباني يوشيهيرو هانوري Yoshihiro Hattori، فأطلق عليه النار عندما توقف خطأً قرب باب منزله، وكان هانوري في طريقه لحضور حفلة خاصة، ورغم أن الحادثة نالت اهتماماً كبيراً في اليابان وأمريكا، فإن القضية الفعلية كانت فقدان الثقة في المجتمع، فصاحب المنزل يُظهر الارتياب في التعامل مع العالم الخارجي، لدرجة أنه مستعدٌ لإطلاق الرصاص على فتىً يَعيشُ في الحي نفسه، وفي مثال آخر على تراجع الثقة، أنه في السنوات الأخيرة توقفت أكثر الشركات الأمريكية عن كتابة رسائلِ توصيةٍ لموظفيها الذين يودّون الانتقال إلى وظائف أخرى؛ لأن الموظفين الذين لم تُعجبهم نوعية الرسائل أقاموا دعاوى على أصحاب العمل وكسبوها، فكانت سبباً لانعدام الثقة بين الشركات وموظفيها السابقين ورغم وجود نزعة اجتماعية أمريكية تدفع للعمل في المؤسسات التطوعيّة، وفي تجمعات مختلفة، فإنها اليوم تعاني من الضعف في نواحٍ عدة، وهي تُشكل عوامل تراجعها وتفككها:


التدهور الكبير في الحياة الأُسرية، والتي تُمثل أصغر حلقةٍ للترابط الاجتماعي؛ نتيجة الارتفاع الحاد في معدلات الطلاق، وزيادة أعداد الأُسر التي هجرها الآباء أو الأمهات، وإذا ما خرجنا من نطاق الأُسرة، نجد تفككاً أكثر في التجمعات الأوسع؛ مثل الأحياء والكنائس وأماكن العمل، ولكن أبرز تدهور في الحياة الاجتماعية الأمريكية هو تفكُّك العائلة، فقد كانت له عواقب اقتصادية، تمثلت في ارتفاع معدلات الفقر؛ لارتباطه بوجودِ الأُم كمعيلٍ وحيدٍ للأُسرة. حيث ساد مفهوم الام العزباء واصبح الزواج مسالة ثانوية .


انتجت ممارسة الجنس خارج اطار الزواج اطفالا لا يعرفون أبائهم وربما كان للطفل اكثر من اب واحد فيما انتجت دور الرعاية للاطفال الذين لم يجدوا من يرعاهم بعد تخلي الابوين عن رعايتهم جيلا مريضا لا يجد امامه سوى مجتمع فاسد فيتحه بدوره ايضا الى الفساد .


وقد رأى بوتنام أن زيادة فاعلية المرأة العاملة في سوق العمل كانت سبباً لانخفاض رأس المال الاجتماعي؛ حيث انتقلت الملايين من النساء الأمريكيات من المنزل إلى العمل المأجور، وكان ذلك أحد الأسباب في زيادة متوسط ساعات العمل الأسبوعية، وأدت هذه الحركة النسائية إلى خفض الطاقة اللازمة لبناء رأس المال الاجتماعي؛ حيث سُجل أكبر انخفاض لمشاركة المرأة منذ سنة 1970م، وامتنعت كثير منهن عن دخول نقابات أو تجمعات، كرابطة الناخبات، واتحاد نوادي المرأة، أو الصليب الأحمر، وهو ما أدى حسب بوتنام إلى تآكلٍ في رأس المال الاجتماعي الأمريكي .


ثورة الحقوق في أمريكا (الإصلاحات الليبرالية الحديثة)، ففي سنة 1965م صدر قانون الحقوق المدنية، وقانون الانتخاب، فقدمت هذه التغييرات الدستورية أساساً أخلاقياً وسياسياً، وهو ما رسخ جذور الفردية، وأثَّر على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الواقع أدى إلى إضعاف قوة الجماعات كلها، فأصبحت المدن أقل قدرة على السيطرة على المواد الإباحية، ومُنعت هيئات الإسكان العام من حرمان المستأجرين من ذوي الاتجاهات الإجرامية أو مدمني المخدرات من الحصول على السكن ,كما زادت حالات اللجوء إلى المحاكم كوسيلة لتسوية النزاعات الدينية، وهو الذي أضعف قدرة التجمعات الكبيرة، وغدت بذلك الولايات المتحدة الأمريكية تُمثل صورةً متناقضة لمجتمعٍ يعيش على ثروة ضخمة من رأس المال الاجتماعي جرى تكديسها سابقاً، والذي يعطيه حياةً حافلةً وحركية، في الوقت الذي يَظهر فيه تطرفاً في انعدام الثقة، وتفشي الفردية التي تميل إلى عزل أعضاء المجتمع عن بعضهم البعض .


 الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة وانهيار الثقة، وتراجع رأس المال الاجتماعي الأمريكي، فالثورة الصناعية دمَّرت النقابات المهنية والمدن الصغيرة، والعائلات الممتدة، والصناعات المنزلية، والمجتمعات الزراعية في أواخر القرن الماضي، كما كان لإزالة الأحياء الشعبية دور في تدمير كثير من الشبكات الاجتماعية التي كانت قائمة في الأحياء الفقيرة، حيث حلَّت مكانها وحدات سكنية عامة ذات طوابق عديدة تفتقر إلى هوية مميزة، وبالرغم من أن المنظومات السكانية القديمة غالباً ما تكون قائمة على العرق أو الدين، فإنها تُشكل مصدراً لتنامي الروح الجماعية بين الأمريكيين في الطبقى الوسطى والفقيرة ,إذاً فقد أدى التفكّك المستمر في الروابط الاجتماعية، ابتداءً من العائلات والأحياء إلى مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية، والمؤسسات الاقتصادية الأمريكية، والناتج -بشكل أو بآخر- عن عامل انعدام الثقة في المجتمع الأمريكي، إلى تفكُّك متزايد في رأس المال الاجتماعي الأمريكي.


وهنا يمكن ان التعليم والثقافة يلعبان دورا مهما في تنشأة الاطفال فلنتخيل كيف يمكن ان يفكر الطفل عندما يقال له يمكنك ان تختار جنسك ويمكنك ان تتزوج رجلا كما انت وكذلك للانثى اي بمعنى أخر الدفاع عن المثلية واعتبارها مسالة اساسية في صميم الثقافة الغربية ,


العديد من الامبراطوريات أصبحت مفلسة أخلاقيا مثل روما وتسبب ذلك بسقوطها من الداخل وهذا ما نراه واضحا في أمريكا ودول الغرب كذلك. وبدلا من ان يصححوا هذا النموذج الشاذ لم يشجعوه فحسب بل يحاولوا فرضه علي الدول والشعوب الأخرى. وهذا هو عامل مهم للسقوط السريع اذ انه يجعل من المجتمع منقسما في داخله بين مؤيد للشذوذ وانعدام القيم ومحافظ مستعد للقتال للدفاع عن قيمه وهذا ما يحصل اليوم في أمريكا. هناك صراع داخلي يدفعه العامل الأخلاقي والقيم بحيث اصبح المجتمع منقسم على نفسه بين هذا وذاك وكل يدفع بقوة باتجاه يعاكس الاخر على ان الدولة الامريكية تساند الجانب الأخلاقي المفلس وهذا خطأ ستدفع ثمنه باهضا وعامل مضاف بقوة للسقوط الأمريكي المرتقب.


يشخص احد المفكرين رؤيته لامريكا فيقول "أني أرى في أميركا صورة الدمار، أتخيلها في القنابل النووية التي ألقت على اليابان، أراها العصي والجلاد، أراها الكلب الذي يلهث لافتراس، أنها كتمساح تشم الدماء . أن أميركا هي أساس الشر .وأساس الدمار أساس الانصهار الحالي، كلما حطت في مكان فعلم وتيقن أن هناك سيحل الدمار. لأنها لم تصل للان إلى بعض المناطق فإننا لا نسمع أسمائها في الأخبار فبمجرد أن تسمع اسم إقليم أو بلد في الأخبار ثق أن أميركا وصلت إليه. أميركا هذه كآلافه التي تنتشر في العالم . حطت في أفغانستان فعاثت فسادا رحلت إلى العراق فولدت الفوضى، حطت في لبنان أولدت الفرقاء نظرت إلى السودان زادتهم جوعا وفي فلسطين  تغذي الذئب ليفترس النساء والأطفال ناهيك عما تفعله في أوروبا الشرقية من انتفاضات بأمر المال والحصارات الاقتصادية على الدول الممانعة .


 في الواقع انه  وفي أقل من أربعين عاما استقبلت شعوبنا موجات عولمة اكتسحت حدودا عديدة وأسقطت جدرا مشيدة. ثم استقبلت موجات عولمة أخرى أقامت حدودا حيث لم توجد حدود وشيدت أسوارا حيث لم توجد أسوار. كرهت الشعوب العولمة وراحت تحمل  الغرب  صانعها مسئولية ما يجرى من انفراط وفوضى وظلم اجتماعي ومشاعر عنصرية.


لم يعد للغرب جيوسياسيا المركز الذي تمتع به على امتداد القرون الحديثة. إذ حدث خلال سنوات قليلة، سنوات سلام عالمي لم تشهد له مثيلا شعوب أوروبا وشرق آسيا، حدث أن  تدهورت مكانة أوروبا والولايات المتحدة وفي نفس الوقت صعدت فيه القوى اليمينية المتطرفة في مختلف أنحاء العالم.


فضلا عن الانهيار المجتمعي في الغرب فان النموذج الامريكي في التعامل مع الشعوب له منحى خاص , فمثلا تعتبر الإبادة إسلوب حياة فى دستور وعقيدة أمريكا، وذيولها.!


يعيد أذهان العالم إلى الوراء ما يقرب من ثلاثة قرون، عندما قررت أمريكا تأسيس دولتها، فكانت على أشلاء ودماء شعب الهنود الحمر فى إبادة وحشية، ومأساوية، مثلما يحدث الآن فى غزة.
 
وأعاد بالذاكرة أيضا، إلى إبادة الشعب اليابانى فى هيروشيما ونجازاكى نوويا، ومحاولة إبادة فيتنام بالأسلحة الكيميائية، وساهمت فى زرع إسرائيل وترسيخ وجودها لتكون شرطى المنطقة، تعاقب به من يرفع راية العصيان، وتضرب به من ينحرف عن مسار الطاعة العمياء.


أي أمل يرجي في غرب ينحدر باضطراد

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology