الرغبة في الاستقلال تسود ولايات عدة.. هل تتفكك الولايات المتحدة الأمريكية؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيا نت -  الخليج - د. أيمن سمير - تعيش الولايات المتحدة الأمريكية حالة من الانقسام والتشظّي السياسي والحزبي، لم تشهدها منذ نهايات الحرب الأهلية الأمريكية 1866، وهناك من يقول في واشنطن إن المطالب الخاصة ببعض الولايات، مثل ولاية تكساس التي تسعي للسيطرة على الحدود بعيداً عن الحكومة الفيدرالية، لا تختلف كثيراً عن المطالب التي سعت الولايات الجنوبية إلى تحقيقها عقب انتخاب الرئيس السادس عشر، إبراهام لينكولن عام 1860، وأدت هذه المطالب في النهاية لنشوب الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861، والتي راح ضحيتها نحو 620 ألف أمريكي، ويتشابه الجدل الحالي بين النخب السياسية الأمريكية مع الجدل وحالة «عدم اليقين» التي سادت بين الشمال والجنوب حول «قضية العبودية»، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.


وعزز إعلان ولاية كولورادو، الشهر الماضي، أنها لن تسمح بمشاركة الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى على أراضيها، من الانقسام السياسي، وتضاؤل فكرة الوحدة الوطنية، وزاد موقف وزيرة خارجية ولاية كولورادو، جينا جريسوولد، من ردّ فعل الولايات التي يحكمها جمهوريون، والذين هدّدوا من جانبهم، بمنع مشاركة الرئيس جو بايدن في الانتخابات التي ستجرى هذا العام في ولاياتهم، إذا ما تمسك الديمقراطيون بمنع ترشح الرئيس السابق في الولايات التي يغلب عليها الديمقراطيون.


من يراقب ويحلل سلوك وتصويت الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، في مجلسي النواب والشيوخ، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، سوف يتأكد أنه تصويت على «أساس حزبي»، وليس على «مبادئ أو مصالح وطنية»، فعلى سبيل المثال، صوّت كل الجمهوريين البالغ عددهم 221 نائباً في مجلس النواب مع «محاكمة» الرئيس الحالي جو بايدن، والسعي لعزله، بينما صوّت الديمقراطيون بالكامل وعددهم 212 ضد عزل بايدن.


ليس هذا فقط، فالحركات والتنظيمات التي تدعو لاستقلال بعض الولايات باتت تبث دعايتها ودعواتها للاستقلال علانية، في ولايات الساحل الغربي، بخاصة ولاية كاليفورنيا الشاسعة، والتي يوجد فيها عدد من الحركات السياسية تطالب بالانفصال والاستقلال عن الولايات المتحدة، فهل تتفكك الولايات المتحدة، كما يتمنى خصومها ومنافسوها؟ أم أن كل ما تشهده الولايات المتحدة هو ثراء فكري، وتنوع سياسي، لا يُخشى منه على البلاد التي ظلت الاقتصاد الأول في العالم، منذ 1870، وحتى الآن؟


أولاً: «الأنانية السياسية»


هناك اتفاق بين أغلبية الأمريكيين حول غياب «السمو السياسي» لدى النخبة السياسية والاقتصادية في الحقبة الراهنة، وتجلى ذلك في غياب «المساحات المشتركة» بين الحزبين الكبيرين، الديمقراطي والجمهوري، وزيادة الحديث عن الفرص الحقيقية « للمرشح الثالث» في انتخابات الثلاثاء 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، « فالحسابات الصفرية» باتت هي العنوان الكبير لسياسة الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، فالجمهوريون بقيادة الرئيس السابق دونالد ترامب، يريدون العودة لبناء واستكمال الجدار الفاصل مع المكسيك، وهو توجه تدعمه الولايات التي لها حدود مع المكسيك، مثل نيو مكسيكو وتكساس وأريزونا، وغيرها، بينما «الكتلة الليبرالية في الحزب الديمقراطي» التي تقودها شخصيات مرموقة،

مثل بيرني ساندرز، وإليزابيث وارن، وكريس ميرفي، يرفضون إجراءات الجمهوريين لمنع وصول اللاجئين من أمريكا اللاتينية إلى الأراضي الأمريكية، لكن المدقق في مواقف الحزبين، يتأكد له أنها تنطلق من مصالح حزبية ضيقة،

فأغلبية السود والملونين يصوّتون للديمقراطيين، ومن هنا يأتي حرص الحزب الديمقراطي على جذب أكبر عدد من مهاجري أمريكيا اللاتينية، وفي قضية مثل «حق شراء السلاح»، نجد ترامب يدافع بشدة، عن نقابات بيع الأسلحة الشخصية، باعتبار الحصول على السلاح حق دستوري،

لكن على الجانب الآخر، يتهم الديمقراطيون ترامب بأنه يدعم «القتلة» بسبب وقوع الكثير من الحوادث التي قتل فيها أعداد غير مسبوقة من الأمريكيين، ما يدفع الحزب الديمقراطي للعمل على تكبيل الحصول على السلاح، خاصة ما يسمى «بالسلاح الخفي» الذي تنتجه ورش صغيرة، ومن دون أرقام مسلسلة تستطيع الشرطة تتبعها.


ثانياً: تراجع القيم الفيدرالية


كثير من استطلاعات الرأي قالت إن الوحدة التي جمعت الأمريكيين، قبل، وبعد الاستقلال لم تعد موجودة، وإن الأمريكيين يفتقدون الروح التي سادت في عهد الآباء السبعة المؤسسين: جون أدمز، وبنجامين فرانكلين، وتوماس جيفرسون، وجون جاي، وألكساندر هاميلتون، وجيمس ماديسون، وجورج واشنطن، وخير شاهد على تراجع الإيمان بالفيدرالية وانتشار الأفكار القومية في الولايات، ما حدث في ولاية تكساس الأسبوع الأول من هذا العام، عندما سيطرت ولاية تكساس على جزء من «الحدود الفيدرالية» للولاية، حيث لا تثق حكومة الولاية بالقوات الفيدرالية لمنع المهاجرين، ومنعت حكومة تكساس عملاء مصلحة الحدود الفيدرالية من الوصول إلى الحدود المكسيكية،

ما أدى لوقوع مواجهة في بلدة إيجل باس الحدودية، قرب نهر ريو جراندي، الذي يعبر من عنده المهاجرون غير الشرعيين، وهي حادثة لم تتكرر منذ نحو 150 عاماً، ومن شأن تكرار هذه الحادثة وقوع مواجهات مسلحة بين قوات تكساس، والقوات الفيدرالية، وهي مواجهة ليست بعيدة من وجهة نظر الكثير من الأمريكيين،

في ظل ما يعرفونه سابقاً، من مواقف حاكم تكساس جريج أبوت، ضد القوات والمسؤولين الفيدراليين، والذي يقوم مشروعه السياسي على استعادة حقوق الولايات، والحد بشكل أكبر، من سلطة الحكومة الفيدرالية، ما يشكل «تمرّداً علنياً» يشبه تمرّد ولاية «ساوث كارولاينا»، وانسحابها من الاتحاد الأمريكي واستقلالها لتكون أول الولايات المنسحبة، ثم لحقت بها 6 ولايات جنوبية أخرى، وأعلنت في عام 1861 تكوين الولايات الأمريكية الكونفيدرالية، حيث أيدت وقتها الولايات الجنوبية العبودية، فيما طالبت الولاية الشمالية بإلغائها.


ثالثاً: زيادة المشاعر الانفصالية


منذ انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2016 والتي فاز فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، سعت الكثير من الولايات للاستقلال عن العاصمة واشنطن، وعن سياسات البيت الأبيض، وخلال جائحة كورونا، أعلنت 3 ولايات كبيرة على الساحل الغربي للولايات المتحدة، أنها تتخذ إجراءات تتعلق بمكافحة وباء كورونا بعيداً عن الخطوات التي أعلنها ترامب، في ذلك الوقت، حيث أعلنت 3 ولايات،

هي واشنطن وكاليفورنيا وأوريجون، عن «ميثاق الولايات الغربية الثلاث»، الذي نصّ وقتها على التنسيق بين ولايات المحيط الهادئ في إجراءات مكافحة كورونا، والسبب في هذا الاتحاد الجديد هو عدم ثقة الولايات الثلاث بالإجراءات الفيدرالية للحكومة الأمريكية في التعامل مع كورونا، لكن أخطر ما جاء في هذا القرار، وصف البيان الصادر عن الولايات الغربية الثلاث، هذه الخطوة غير المسبوقة بأنها « فهم جديد» للفيدرالية في الولايات المتحدة، الأمر الذي يؤكد سعي هذه الولايات إلى تفسير الدستور الأمريكي بطريقة مختلفة عن الطريقة التي تربط الولايات بعضها ببعض، بما يعني أنها ترفض الدستور الأمريكي الحالي.


ليس هذا فقط، فحاكم كاليفورنيا، جافن نيوسوم، الذي تتمتع ولايته بأكبر نسبة تمثيل في المجمع الانتخابي «59 صوتاً»، دعا لمعاملة كاليفورنيا «كدولة قومية»، استناداً إلى أن كاليفورنيا هي أغنى ولاية أمريكية، ويزيد الناتج القومي لها على 2.5 تريليون دولار، وفي عام 2017 أجرى استطلاع رأي لمعرفة مدى موافقة سكان كاليفورنيا على الانفصال عن الولايات المتحدة، فوافق على الانفصال 33 %، لكن هناك من يقول إن الانقسامات تعمقت أكثر، بخاصة أن الولاية ديمقراطية بامتياز، بمعنى أنها تصوت للديمقراطيين، وهي غالباً السبب وراء فوز أي رئيس ديمقراطي، ويزيد الأمر خطورة على الوحدة الأمريكية سعي أعضاء حركة «نعم كاليفورنيا» لإجراء «استفتاء جديد» على انفصال الولاية عن الولايات المتحدة، ويقول أعضاء «نعم كاليفورنيا» إن المؤيدين لاستقلال كاليفورنيا يزيد عددهم على 50 % في الوقت الحالي.


رابعاً: «نزعة قومية في الشرق»


لا تتوقف النزعات الانفصالية والقومية على ولايات الغرب الأمريكي، والساحل الغربي، بل تعاني ولايات الشرق وساحل المحيط الأطلنطي، الرغبات القومية، منها على سبيل المثال ما يجرى في ولايات ميريلاند ومين ونيوريورك، التي كانت تبحث عن نهج خاص لها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ومع كل المؤشرات التي تقول إن ترامب سوف يحصل على بطاقة الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة، فإن هذه الولايات تتحسب كثيراً لإمكانية عودة ترامب مرة جديدة للبيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، وهذه الولايات الديمقراطية بدأت تفكر في اليوم التالي إذا ما فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر المقبل.


خامساً: دولة الميليشيات


الولايات المتحدة هي أكبر دولة في العالم تضم ميليشيات، وهي ميليشيات نظمها، وأوجدها القانون قبل الاستقلال، وبعده، وآخرها قانون عام 1903 الذي ينظم تشكيل وعمل الميليشيات في كل ولاية، وتحديد الفارق بين الميليشيات، الرسمية وغير الرسمية، ورغم أن هذه الميليشيات هدفها حماية الولاية، إلا أن السلاح الذي تمتلكه يعد أحد وسائل تفكيك الولايات المتحدة، فالميليشيات التابعة لولاية تكساس هي التي منعت القوات الفيدرالية من السيطرة على جزء من الحدود المكسيكية الأمريكية، ورغم أن هذه الميليشيات كانت تعمل في السابق على مستوى الولاية، أو المدينة، أو حتى القرية، إلا أنه في الآونة الأخيرة بات هناك نوع من الميليشيات على المستوى الوطني الأمريكي، ومن بين الميليشيات الكبيرة واليمينية المتطرفة «ميليشيات حركة بوغالو»


Boogaloo Movement التي تأسست عام 2012 كميليشيات متطرفة، وطفت على السطح عام 2019 كردّ فعل على الاهتمام الأمريكي والعالمي بحقوق السود، بعد مقتل المواطن الأسود جورج فلويد، على يد الشرطة، وتدافع حركة بوغالو عن الشرطة، وتتهم السود والملونين باتهامات عنصرية، وتساند حركة بوغالو سياسات مثل حقوق حيازة الأسلحة، ويؤمن أعضائها بتفوق العرق الأبيض، ويسعى البعض منهم لإشعال حرب أهلية ضد أصحاب البشرة السمراء، والأقليات الأخرى من غير البيض، كما تنتشر في الولايات المتحدة ميليشيات أخرى باسم «حفظة القسم»


Oath Keepers، وهي من الميليشيات الكبيرة، والتي يزيد عدد أعضائها على 35 ألف عضو، ويقولون إن شعارهم هو «حماية الدستور» بكل السبل المسلحة، وهي حركة شديدة التطرف ضد الأقليات السوداء، والآسيويين، واللاتينيين، ولعبت هذه الميليشيات دوراً كبيراً في نشر الفوضى بولاية ميزوري، عامي 2014 و2015، خلال الاضطرابات التي شهدتها المدينة في تلك الفترة، ودائماً ما يظهر أعضاء هذه الميليشيات ببنادق نصف آلية في دوريات بالشوارع، وهددت هذه الميليشيات بإشعال حرب أهلية جديدة عام 2019، وحذرت الميليشيات حاكمة ولاية أوريجون من الموافقة على قانون جديد يحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، لأن هذا القانون، لو صدر، كان سيضر بأعمال عدد من أعضاء الميليشيات، كما ظهرت مؤخراً، ميليشيات تطلق على نفسها حركة «3 %»،
Three Percenters وتكمن الخطورة في معنى مسمى هذه الميليشيات التي اشتق اسمها من الادعاء القائل والمختلف عليه: إن 3 % فقط، من الأمريكيين هم من حملوا السلاح ضد بريطانيا العظمى أثناء حرب الاستقلال.


وهو ادعاء يقلل من عدد الأشخاص الذين قاوموا الحكم البريطاني، وتؤمن الحركة بقدرة المواطنين المتطوعين بأسلحة عادية على مقاومة جيش الولايات المتحدة بنجاح، وقت الحاجة، كما تدافع هذه الميليشيات عن حق ملكية السلاح، ومقاومة تدخل الحكومة الفيدرالية في الشؤون المحلية للولايات، ولا يمكن تجاهل «الميليشيات السوداء» التي تدافع عن السود، واكتسبت زخماً كبيراً بعد مقتل جورج فلويد، وتضم هذه الحركة خبرات عسكرية كبيرة، من ضباط عملوا في الجيش والشرطة الأمريكية، وهذه الميليشيات هي رابع أكبر ميليشيات عسكرية في الولايات المتحدة، وتقدم هذه الميليشيات نفسها كبديل للحكومة، وتقول إن الحكومة عاجزة عن وقف عنف الشرطة ضد السود، لذلك تضطلع هي بهذه المهمة، وهناك ميليشيات أصغر مثل ميليشيات «محاربو الحرية» التي تدافع عن السود، والملونين، وجرى تشكيلها كردّ فعل على مقتل جورج فلويد، وتجني الأموال من حماية المتاجر والشركات خلال التظاهرات العنيفة التي تجتاح المدن الأمريكية، بخاصة في المدن المضطربة مثل مينيابوليس.


سادساً: دولة السلاح الشخصي


الولايات المتحدة فيها أكبر عدد من الأسلحة الشخصية في العالم، حيث توجد 120 بندقية لكل 100 مواطن أمريكي، وهذا أكبر معدل لامتلاك السلاح الشخصي في العالم، حيث ينتشر في الولايات المتحدة التي لا يزيد عدد سكانها على 350 مليون شخص، نحو 393 مليون قطعة سلاح، من أصل 857 مليون سلاح فردي في العالم، وفي عام 2018 أنتجت الولايات المتحدة وحدها، 9 ملايين قطعة سلاح ناري، ونتيجة لكل ذلك بلغ معدل القتلى بالسلاح الشخصي معدلات قياسية بلغت 8 أضعاف، على أقرب دولة لها، وهي كندا.

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology