افراسيانت - السفير - تدخل اليوم عضوية فلسطين إلى معاهدة روما، التي تشكلت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية، حيز التنفيذ.
وكانت تهديدات فلسطينية قد أشارت إلى أن الانضمام إلى عضوية المحكمة يعني تقديم دعاوى ضد إسرائيل بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وكان هذا التهديد أحد أسباب تهديد إسرائيل بإجراءات كثيرة، بينها منع تحويل أموال الضرائب إلى الخزينة الفلسطينية، والذي تم التراجع عنه مؤخراً بسبب توصيات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وضغوط أميركية وأوروبية.
وكان لافتاً أن سجالاً بدأ في أوساط مختلفة حول ما سيحدث في الأول من نيسان، عندما تغدو فلسطين عضواً كامل الحقوق والواجبات في معاهدة روما. البعض في فلسطين، وفي إسرائيل أيضا، اعتبر أن هذا أقرب إلى سلاح «يوم القيامة» في يد الفلسطينيين، الذين سيغدو بوسعهم ملاحقة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية. آخرون قالوا إن الأول من نيسان سيكون كباقي الأيام، ولن يتغير شيء، لا على الفلسطينيين ولا على الإسرائيليين. فريق ثالث قال إن الأول من نيسان سيكون بداية عملية طويلة ستقود في المطاف الأخير إلى تقييد قدرات إسرائيل على التصرف. وبين هذا وذاك، كان هناك رأي يقول بأن الانضمام إلى المعاهدة الدولية، ومهما كان مهماً، ليس سوى إحدى الوسائل في مواجهة طويلة ومفتوحة للفلسطينيين مع إسرائيل.
وليس صدفة أن رئاسة الحكومة الإسرائيلية أشاعت أن خلف التراجع عن قرار منع تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية، توجد صفقة. وأن أساس هذه الصفقة، وفق «يديعوت أحرونوت» التي نقلت الكلام عن رئاسة الحكومة الإسرائيلية، «تفاهم هادئ بين الطرفين يقضي بأنه مقابل تحويل الأموال تجمد السلطة خطتها للتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ابتداء من الأول من نيسان». ولم تقف التسريبات الإسرائيلية عند هذه الحدود، بل تخطتها لتشير إلى أنه إضافة لذلك، اشترطت إسرائيل إعادة تحويل أموال الضرائب باستمرار التنسيق الأمني.
ومن المنطقي الافتراض أن مطلب إسرائيل باستمرار التنسيق الأمني واستجابة السلطة له يعتبر منطقياً، في ظل ظروف السلطة. فالتنسيق الأمني، وبغض النظر عن محظوراته الوطنية، هو في صلب وأساس اتفاق أوسلو، وهو جانب من البضاعة التي تقدمها السلطة مقابل استمرارها. وإلغاء التنسيق الأمني يزيل كل منطق إسرائيل في استمرار التعاطي معها، مثلما يمكن لها أن تعتبره نسفا لاتفاق أوسلو من أساسه. لكن ليس هذا هو الحال، مع شرط الامتناع عن التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو حتى إلى المؤسسات الدولية. فمثل هذا الشرط يلغي أي حق للفلسطينيين بالاعتراض، حتى أمام جهات قانونية غير إسرائيلية على تصرفات إسرائيل وجرائمها.
ويصعب على أي جهة فلسطينية، رسمية أو سواها تقبل هكذا شرط، كما أن بوسع البعض المحاججة: إذا كنتم ستخضعون للضغوط الإسرائيلية اليوم، فلماذا أقدمتم على هذه الخطوة بالأمس؟ ولذلك ثمة من يؤكد أن الادعاء الإسرائيلي، باشتراط عدم التوجه إلى المحكمة الجنائية هو في الغالب محاولة لإقناع الجمهور الإسرائيلي بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يتصدى لأميركا، قادر على لي ذراع الفلسطينيين، وأن تراجعه عن قراره السابق لم يكن من دون ثمن.
بل إن ما سبق ونشر مراراً حول اعتراض المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية على قرار منع تحويل أموال الضرائب خشية انهيار السلطة كان موجوداً وقت اتخاذ حكومة نتنياهو القرار، وأثناء الانتخابات وإلى آخر لحظة. ولم يحل هذا الاعتبار دون حكومة نتنياهو واتخاذ القرار، والذي كانت له اعتبارات انتخابية واضحة. لذلك فإن الأسباب الحقيقية لتراجع إسرائيل هي انتهاء الانتخابات من ناحية، وكمية الضغوط الدولية التي تمارس على نتنياهو وحكومته.
وفي كل حال اضطرت أوساط رسمية فلسطينية للتأكيد أن تسريبات رئاسة الحكومة الإسرائيلية مغرضة، وأن لا أساس لها، خصوصاً تلك المتعلقة باشتراط عدم اللجوء إلى المحكمة الدولية. وقالت هذه الأوساط إن شيئاً لم يتغير، وأن الطواقم التي تعمل على معالجة أمر التعاطي مع المحكمة تمارس عملها بمنتهى الجدية.
ومع ذلك، من المؤكد أن تقديم الشكاوى للمحكمة الجنائية محكوم باعتبارات كثيرة، أهمها مقدار اكتمال الملفات من ناحية واختيار اللحظة السياسية المناسبة. فالمحكمة الجنائية، وإن كانت قانونية الطابع، إلا أنها تتأثر جداً بالمعطيات السياسية الدولية. ولم يكن صدفة أن بعض المسؤولين الفلسطينيين قالوا إنه ينبغي منح المدعية العامة للمحكمة فرصة المراجعة الأولية التي أعلنت عن بدئها قبل إشغالها بشكاوى رسمية. ومن الوجهة العملية فإن هذا يعني عدم تقديم دعوى في وقت قريب، مع الاحتفاظ بهذا السيف مسلطاً على رقبة إسرائيل.
تجدر الإشارة إلى أن الملف الأهم الذي يملكه الفلسطينيون ضد إسرائيل، والذي يشكل أكبر أذى لها، هو ملف الجدار الفاصل والاستيطان. ومعروف أنه سبق للمحكمة الدولية أن أصدرت رأياً استشارياً ضد الجدار الفاصل، واعتبرته انتهاكاً للقانون الدولي.