افراسيانت - محمد بلوط - الاتفاق النووي الأميركي ـ الإيراني بيد وزراء خارجية الخمسة زائدا واحدا، الأميركي جون كيري، الروسي سيرغي لافروف، الفرنسي لوران فابيوس، الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الصيني وانغ يي، البريطاني فيليب هاموند، والإيراني محمد جواد ظريف.
يقترب الاجتماع الليلي المتأخر للمجموعة في أجوائه كثيراً من الاجتماع الأخير الذي عقده الوزراء أنفسهم، في جنيف، في تشرين الثاني العام 2013، ليتوج آنذاك، باتفاق مرحلي لا يزال يشكل قاعدة صالحة وصلبة للتوصل إلى اتفاق نهائي، وهو مؤشر مهم على سلوك المفاوضات في لوزان طريقاً مشابهاً للاتفاق المرحلي، شرط أن يحسم المسألة الجوهرية: رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران في مجلس الأمن متزامنا مع توقيع الاتفاق، كما يطالب الإيرانيون، بعد أن حلت معظم المسائل التقنية، أو رفع تلك العقوبات تدريجياً، أو بعد مهلة زمنية قد تدوم أكثر من عامين، يصر عليها الفرنسيون تحديداً، لتركيع الإيرانيين ومواصلة محاصرتهم، بحجة التأكد من التزامهم تعهداتهم.
كما تشكل مدة تنفيذ الاتفاق أحد عناصر التفاوض، إذ كلما طالت مدته، تعطلت إمكانية إيران على تجديد بعض عناصره الأساسية. ويقول مصدر ديبلوماسي أوروبي إن النقاش يدور على 15 عاماً، مع تقصير المدة في بعض القضايا التقنية، لتسهيل التوصل إلى اتفاق.
فردريكا موغيريني تنشر تفاؤلاً إيطالياً معتاداً. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي قالت: «لم نكن أبداً أقرب من التوقيع على اتفاق مما نحن عليه اليوم». ظريف كان أكثر وضوحاً: «اعتقد أننا أحرزنا تقدماً. إننا نتقدم، وأعتقد أنه بإمكاننا إحراز التقدم اللازم للتمكن من حل كل القضايا وبدء صوغ نص سيصبح الاتفاق النهائي».
مؤشر آخر في الأجندة الخلافية الأميركية يغلب سيناريو الاتفاق: وقوع الإدارة الأميركية مجددا تحت ضغط الكونغرس الأميركي لمنع أي اتفاق مع إيران. إذ سيكون على فريق كيري، ومساعدته ويندي شيرمان ووزير الطاقة ارنست مونيزي، الإسراع في التوصل إلى نص مقبول قبل أن يذهب الكونغرس في 14 نيسان المقبل إلى التصويت على قانون يقيد الرئيس الأميركي باراك أوباما ويمنعه من التوقيع على الاتفاق مع طهران من دون اطلاع الكونغرس أو موافقته عليه.
ولا تخلو الأيدي المفاوضة في لوزان من الأوراق الجدية لبناء تفاهم نووي، إيراني - أميركي في الأصل. وبمعزل عن مصائر الجهود الديبلوماسية الجارية، لا تبدأ لوزان من فراغ، إذ أحرز الإيرانيون مكسبهم الرئيسي الذي لن يكون بوسع أحد العودة عنه، وهو الاعتراف بحقهم بالتخصيب نهائياً، وتكريس شرعية برنامجهم النووي، والحفاظ على منشآتهم، ولو تحت مراقبة دولية، وتعزيز قاعدتهم الصناعية واستقلالها وفتح آفاق لتطويرها بسرعة، بمجرد إسقاط عقبة العقوبات التي تمنعهم خصوصا من استعادة 122 مليار دولار بيد الدول الغربية ومصارفها الكبرى.
وهناك الإطار السياسي، أو الاتفاق المرحلي، الذي يشمل كل معطيات البرنامج النووي الإيراني، ويحتوي كل العناصر الضرورية لينجز الوزراء في لوزان في الساعات المقبلة، ما أنجزوه في جنيف قبل عام ونصف العام، بعد أن توصل الأميركيون والإيرانيون إلى جسر الخلافات بينهم في خلوات مسقط الطويلة ربيع العام 2013 ، وقبل الذهاب إلى جنيف.
ولن يستطيع الفرنسيون والإسرائيليون إبطاء الاتفاق، إذ لم يوقف الاتفاقَ المرحلي تواطؤٌ فرنسي وتهديداتٌ إسرائيلية بمهاجمة المنشآت الإيرانية، لو تقدم الإيرانيون خطوة أخرى نحو تخصيب أكثر من 260 كيلوغراماً من اليورانيوم بنسبة خمسة في المئة، الضرورية لإنتاج القنبلة، أو إذا لم يسلموا مخزونهم من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة، إلى دولة ثالثة، لمعالجته ومنع تحويله إلى وقود نووي. لكن الإيرانيين لم يقدموا أي تنازلات، كما أن المسؤول الثاني في فريق المفاوضين الإيرانيين في لوزان عباس عراقجي أكد، أمس، أن طهران ترفض إرسال مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى الخارج، لكنها اقترحت حلولا لطمأنة القوى الكبرى، من دون تقديم إيضاحات.
وجلي أن الإسرائيلي والفرنسي يدخلان في لوزان معركتهما الأخيرة لتخريب أي اتفاق محتمل، بل إن الطرفين يستمران في تبادل الأفكار والمقترحات لقطع الطريق على الاتفاق المنتظر، إذ كشف وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي يوفال شتاينيتز، في مقابلة مع صحيفة «لوموند»، الأسبوع الماضي، أنه، وخلال لقاء مع مستشار الرئاسة الفرنسية جاك اوديبير، «استطعنا إقناع وزير الخارجية الفرنسية، بفرض مطالب إضافية خلال اتفاق 2013، لأننا وفرنسا ننظر بالطريقة نفسها إلى الأمور، وتنتابنا الشكوك نفسها تجاه إيران».
ويدرك الإيرانيون أهمية العقبة الفرنسية، فبعد لقاء مع الوزيرَين الألماني والفرنسي، وَجَّه ظريف رسالة واضحة للفرنسيين بأن الاتفاق إذا ما حصل سيفضي إلى تعاون في المستقبل، ذلك أن أكبر مخاوف الفرنسيين هو إقصاؤهم من سوق الصفقات الإيرانية، خصوصا في حقول «بارس 2» ، أو في تجديد البنى التحتية النفطية الإيرانية، التي تقدر قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات، وفي البتروكيميائيات، وصناعة السيارات.
وخلال الساعات الماضية، أبدى الإيرانيون الكثير من المرونة في التعاطي مع الألغام، ومطالب ربع الساعة الأخير، التي تستهدف إعادة الأمر إلى نقطة الصفر. وتبين قبل كل شيء وجود تفاوت كبير في الرغبة، أميركياً وفرنسياً، بالتوصل إلى اتفاق؛ إذ يوافق الأميركيون منذ بداية المفاوضات على آلية لرفع العقوبات عن إيران في مجلس الأمن وإلغاء ستة قرارات متتالية تشكل قاعدة قانونية دولية للحصار المفروض على الاقتصاد الإيراني. وكانت الخارجية الأميركية أشارت إلى ذلك في بداية الأسبوع الأول من المفاوضات، مقترحة توقيتاً متباعداً لقرارَين من مجلس الأمن يستجيبان للرغبة الإيرانية بإلغاء تلك العقوبات، مقابل المزيد من الضمانات حول إبرام ملحق في معاهدة تحريم الانتشار النووي، وتسهيل وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الدولية إلى منشآت البرنامج، باستثناء موقع «بارشين» العسكري، الذي يعده الإيرانيون شأناً سيادياً لا علاقة له بأي برنامج نووي.
وفي لوزان، قال مسؤول فرنسي إن «العقوبات لن تُرفَع دفعة واحدة، ولكنها ستُرفَع تدريجياً، وقد يُرفَع بعضها بسرعة». ولانتزاع كل الذرائع الممكنة التي تعترض الخروج بإطار سياسي للاتفاق، خلال الساعات المقبلة، قبل الانتقال إلى تنقيح وتصويب الاتفاق التقني الذي يزال بعيداً عن خط النهاية في 30 حزيران المقبل، وافق الإيرانيون على تقديم المزيد من الضمانات، بشأن ما يسميه الفرنسيون برنامج الأبحاث والتطوير النووي الإيراني، ويمثل هذا الشق المزيد من القيود على عدد آلات التخصيب، وعدم إنتاج المزيد منها، والموافقة على تشغيل عدد أقل منها في منشأة «فورود»، التي تشكل عقدة برنامج التخصيب الإيراني الأكثر تقدماً، مقارنة بمنشأة «نتانز»، الأقدم تجهيزاً، والتي تحتوي ما لا يقل عن تسعة آلاف جهاز طرد مركزي.
الاستنفار الإسرائيلي مؤشر آخر على اقتراب المفاوضين في لوزان من سيناريو «الكارثة» الديبلوماسية. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال إن اتفاق الإطار النووي، الذي تسعى إيران ومجموعة «5+1» الست إلى إبرامه قبل انتهاء مهلة 31 آذار الحالي أسوأ مما كانت تخشاه إسرائيل. وأضاف: «هذا الاتفاق كما بدأ يتضح يجسد كل مخاوفنا، بل أكثر من ذلك أيضاً».
نشر هذا المقال في جريدة السفير