افراسيانت - حدثان أساسيان أحاطا المشهد السياسي العراقي في ما بعد «تحرير» مدينة تكريت، أمس، ويشكلان مساراً اكثر وضوحاً للجدل الحاصل حول «مستقبل المناطق العراقية المحررة» حتى الآن، وتلك التي تنتظر كما في مدينة الموصل.
الأول كان في العاصمة الفرنسية باريس، التي جمعت الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بوفد من قوات البشمركة في إقليم كردستان، ضم وزير البشمركة مصطفى سيد قادر والمسؤولين العسكريين عزيز عزالدين وسيروان مصطفى البرزاني، إلى جانب منظر ثورات «الربيع العربي» المفكر الفرنسي برنارد ليفي، المقرب من إسرائيل، من أجل مناقشة «استقرار الإقليم الكردي».
أما الثاني فجاء من الموصل، حيث استبق تنظيم «داعش» العملية العسكرية على المدينة، والتي من المفترض أن تضطلع بها قوات من العشائر العراقية، بعقد ما يشبه مؤتمراً لأبرز عشائر نينوى أعلنوا فيه مبايعتهم لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.
وفي هذه الأثناء، أنهت القوات العراقية و «الحشد الشعبي»، أمس، عملية تكريت بسيطرتها شبه الكاملة على المدينة التي زارها رئيس الحكومة حيدر العبادي ومشى في شوارعها رافعاً العلم العراقي، مؤكداً في بيان صدر عن مكتبه «تسليم الأمن للشرطة المحلية»، تماماً كما وعد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في اتصال هاتفي معه، الأسبوع الماضي، بأن المدن المحررة سيديرها أبناؤها.
ونفذت القوات العراقية آخر عمليات الدهم والتطهير لبعض جيوب تنظيم «داعش» في تكريت، خصوصاً ما تبقى منها في حي القادسية شمال المدينة، الذي شهد اشتباكات متقطعة، كما نفذت سلسلة اعتقالات لعدد من مسلحي التنظيم، بينما تناثرت جثث مسلحيه المفخخة بين الشوارع والأحياء المهدمة.
ولفت المتحدث باسم «الحشد الشعبي» كريم النوري أن المدينة لم تطهر تماماً، قائلا إن «العديد من المباني مفخخة والقناصة ما زالوا موجودين» في حي القادسية شمالا، مؤكداً على إعلان العبادي حول تسلم الشرطة المحلية وأبناء العشائر الأمن في المدينة، بينما بدأ آلاف النازحين بالعودة لتفقد منازلهم.
بدوره لفت العبادي من تكريت إلى أنه «سيكون هناك أموال لإعادة إعمار المناطق التي دمرها داعش، وسيكون لتكريت حصة من هذه الأموال»، حيث تخطط شركات فرنسية لالتزام عدة مشاريع «لإعادة الإعمار»، وهو ما بحثه أيضاً وفد من محافظة نينوى مع كل من رئيسي بلدية بيروت وصيدا في لبنان، طامحين لاتخاذ عمليات «إعادة الإعمار» في هذه المدن نموذجاً لتطبيقه في مدينة الموصل بعد «تحريرها».
إلى ذلك، أعلن وزير الدفاع خالد العبيدي ووزير الداخلية سالم الغبان عن نجاح العملية العسكرية في تكريت، كما أكد الأخير أنه تم اكتشاف الموقع الذي تم فيه اعدام 1700 جندي عراقي (داخل أحد قصور صدام حسين) في ما عرف بمجزرة «سبايكر»، وقال باكياً: «هذا المكان يذكرنا بكل الناس الذين يُقتلون ظلماً وعدواناً، يذكرنا بالمذبحة... هؤلاء الأبرياء الذين قضوا ظلماً». وأطلق الجنود العراقيون على المكان تسمية «المذبح».
بدوره أشار وزير الدفاع العراقي إلى ان العمليات العسكرية تستمر متجهة نحو الأنبار ونينوى، واصفاً نجاح العملية في تكريت بـ «النصر المذهل»، وذلك خلال لقائه عدداً من القيادات العسكرية تحضيراً للمعارك المقبلة، مؤكداً أن «هذا النصر ليس إلا نقطة إستراتيجية جديدة لانطلاق عملية تحرير محافظة نينوى».
ويفتح تحرير تكريت كعقدة إستراتيجية وسط البلاد الطريق نحو الموصل، التي يبدو أن تنظيم «داعش» بدأ بالتحضير لمعركتها مبكراً، معتمداً على «حاضنة شعبية» مفترضة من أبناء العشائر في المحافظة، حيث عقد ما يشبه مؤتمراً لأبرز وجهاء العشائر في المنطقة، انتهى بـ «مبايعة جماعية» لزعيم التنظيم المتطرف أبو بكر البغدادي مع صيحات «التكبير».
وكان الشيخ حاتم سليمان (أمير عشائر الدليم) قد حذر في وقت سابق، خلال مناظرة تلفزيونية، الحكومة العراقية من مغبة الدخول إلى تكريت، مؤكداً أن تنظيم «داعش» سيصل في هذه الحالة إلى حدود حي الشعلة في العاصمة بغداد، مستخدماً منطقة ابراهيم بن علي في محافظة الأنبار كمنفذ له انتقاماً.
وبث تنظيم «داعش في ولاية نينوى» تسجيلا مصوراً تحت عنوان «عشائر نينوى تجدد البيعة وتستعد للمواجهة» على موقع «يوتيوب»، ظهر فيه جمع كبير من شيوخ العشائر في المحافظة يتوافدون إلى قاعة في أحد المساجد، حيث أعلنوا عن مبايعة عشائر نينوى العراقية البغدادي، بحسب المشاهد المصورة في الشريط.
ويظهر التسجيل، ومدته 11 دقيقة، قرابة 250 شخصاً من شيوخ العشائر في نينوى في قاعة أخذ الصدارة فيها عناصر من التنظيم، وتلوا كلمة الافتتاح أمام الشيوخ وذكروا فيها أسماء العشائر التي حضرت لإعلان المبايعة وأطلقوا عليهم صفة «علية القوم» و «سادة القوم».
وتحدث في بداية التسجيل الذي صور بتقنية حديثة، ما يبدو أنه أحد قيادات التنظيم ويلبس زياً عشائرياً، مؤكداً أن «باب التوبة مفتوح، للمرتدين»، خصوصاً أولئك الذين يريدون التوبة «ولو قتلوا منا ألفاً».
وتناوب عدد من شيوخ العشائر على الحديث في الشريط، موجهين رسائل في اتجاهات سياسية وأمنية وحتى عشائرية داخلية، وتحدث بداية الشيخ عبد السلام الجبوري، وهو أحد وجهاء عشيرة الجبور، التي ينتمي إليها رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري، منتقداً «السياسيين» ومن أسماهم «الحكومة الصفوية»، داعياً وجهاء العشائر إلى عدم الوقوف في وجه ابنائهم وأن يتركوهم «يمشون في طريق الحق».
بدوره أعلن الشيخ عمر جمعة البجاري من عشيرة البكارة، أن «على شيوخ العشائر والعشائر أن يعلنوا براءتهم من أثيل وزمرته» في إشارة إلى محافظ نينوى أثيل النجيفي، كما تحدث الشيخ راشد الحمداني أحد وجهاء عــشيرة بني حمدان عن التحضيرات العسكرية الجارية لتحرير الموصل، وقال: «يزعمون انهم سيحــرروننا.. ممن؟.. من راية لا إله إلا الله لطالما تمنــــيناها».
نشر هذا المقال في جريدة السفير