طريقة دخول رئيس حكومة الوفاق الوطني لطرابلس تثير التساؤل عن طبيعة الاتفاق مع الميليشيات المسيطرة على العاصمة.
افراسيانت - طرابلس - العرب - لا يخفي رفض بعض الميليشيات المسلحة حقيقة وجود حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، تفاهمات سرية بين الأطراف الفاعلة في العاصمة الليبية وبين جهات خارجية على تسهيل وصولها، ووضع الحكومة الجديدة تحت وصاية جماعة مصراتة وإخوان ليبيا المدعومين من تركيا.
وقال مراقبون إن السعي إلى تصوير عملية دخول الحكومة، بقيادة فايز السراج، وكأنها انتصار سياسي ودليل قوة لدى حكومة التوافقات الخارجية هدفه إبعاد الأنظار عن حقيقة ما يجري من تفاهمات بين الميليشيات الإسلامية المختلفة ودوائر خارجية، في مدينة إسطنبول وبرعاية تركية.
وقابلت الدول الغربية المتحمسة لبدء عمل حكومة السراج تأخر موافقة البرلمان المعترف به دوليا (برلمان طبرق) على حكومة التوافق بخطوة تبدو مفاجئة في ظاهرها من خلال الزج برئيس وزراء غير مسنود بأيّ ميليشيا في غابة من الميليشيات، لكن الأمر يبدو مختلفا.
وينص الاتفاق السياسي على أن “مدة ولاية حكومة الوفاق عام واحد يبدأ من تاريخ نيلها الثقة من مجلس النواب”، لكن من الواضح أن الدول الراعية للانتقال السياسي في ليبيا تدفع إلى أن يتم اعتماد هذه الحكومة من خلال سياسة الأمر الواقع وافق البرلمان أم لم يوافق.
وأثارت الرواية التي قدمها المقربون من رئيس الحكومة عن كيفية دخوله إلى طرابلس سخرية نشطاء ليبيين، متسائلين كيف يمكن لمجموعة صغيرة من عناصر البحرية أن يحموا حكومة في مدينة مليئة بالميليشيات لو لم يكن هناك ترتيب مسبق مع أطراف نافذة ومؤثرة وقادرة على الحماية.
وأشار المراقبون إلى أنه وفي ظل انقطاع الصلة سياسيا وجغرافيا ببرلمان طبرق، وبالجيش الذي يقوده الفريق أول خليفة حفتر، ستجد الحكومة نفسها في حماية جماعة مصراتة، وسيكون الأمن والجيش ومختلف الميليشيات تحت أيديها.
وحذّروا من أن احتكار مصراتة وحلفائها في طرابلس لمؤسسات الدولة سيقود إلى تقسيم ليبيا فعليا، فضلا عن وضع البلاد على سكة الحرب الأهلية بدل وضع أسس لحل سياسي دائم.
وتسمح الوضعية الجديدة في طرابلس للميليشيات، وبتخطيط من الجهات الداعمة، أن تعود إلى الحكم وتحت يافطة التوافق وبرعاية دولية.
ولفت المراقبون إلى أن الميليشيات حصلت على وعود بإشراكها في المشهد الأمني والعسكري، وتمكين الأطراف التي تدعمها بدور في المشهد المقبل.
واجتمع الموفد الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر مساء الأربعاء في مدينة إسطنبول التركية، مع بعض قادة الميليشيات والأحزاب السياسية الليبية، بهدف توفير حزام سياسي وأمني لحكومة السراج.
وسرعان ما اختفت التهديدات التي أطلقتها الميليشيات ضد السراج وعناصر حكومته، واختفت آخر الأصوات المعارضة حين أعلن خليفة الغويل رئيس الحكومة المنبثقة عن المؤتمر الوطني المنتهية ولايته عن تسليم السلطة لحكومة الوفاق، بعد أن كان هدد باعتقال السراج وفريقه الحكومي.
وأعلن الغويل الجمعة أنه ترك الفرصة لمن أسماهم بـ”أبناء الوطن الخيرين” والثوار والأعيان والعلماء ومؤسسات المجتمع المدني لإيجاد مخرج من الأزمة التي تمرّ بها البلاد.
وليس مستبعدا أن يكون هدف هذه الخطوة الاستفادة من رفع العقوبات الأوروبية التي فرضت عليه مع رئيس المؤتمر المنتهية ولايته نوري أبوسهمين، ورئيس البرلمان عقيلة صالح.
وكان الاتحاد الأوروبي لمّح إلى إمكانية مراجعة العقوبات إذا التزمت الأطراف المعنية بعدم تعطيل عمل حكومة الوفاق الوطني.
واعتبر المراقبون أن ظهور السراج والمحيطين به في شوارع طرابلس الجمعة تأكيد على أن الميليشيات المسيطرة على طرابلس تحميه في سياق توافق يضمن لها دورا فعالا في المرحلة القادمة.
وأدى السراج وأعضاء آخرون من المجلس الرئاسي الصلاة بأحد المساجد والتقوا بالناس في الميدان الرئيسي قبل العودة إلى القاعدة البحرية التي يتمركزون بها منذ وصولهم من تونس يوم الأربعاء.