افراسيانت - أشرف الصباغ - نجحت الدبلوماسيتان الروسية والأمريكية في التوصل إلى اتفاق بشأن تمديد الهدنة في سوريا لـ 48 ساعة إضافية.
ومع الأمل بإيصال هذه الهدنة إلى 7 أيام متتالية، لكي يتم تنفيذ الخطوات التالية التي يتضمنها الاتفاق الروسي – الأمريكي حول سوريا، تتوالى التصريحات المتناقضة والتأويلات والتكهنات والقراءات المختلفة للموقف بعد التقدم النسبي الذي قطعه كل من وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف والولايات المتحدة جون كيري. وهناك عدة بنود مهمة يجري التعامل معها:
- نشر وثائق الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة بشأن سوريا.
- دعم مجلس الأمن للاتفاق من أجل تقنينه وجعله اتفاقا ملزما لجميع الأطراف.
- ضرورة تنفيذ واشنطن التزاماتها بشأن فصل المعارضة "المعتدلة" عن الجماعات الإرهابية.
بعد نجاح الخطوة الأولى من الاتفاق الروسي – الأمريكي بشأن تمديد الهدنة في سوريا لـ 48 ساعة إضافية، أعلنت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن روسيا تصر على نشر وثائق الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الولايات المتحدة بشأن سوريا لتجنب التضارب، والتفسيرات غير الصحيحة.
وأوضحت زاخاروفا هدف موسكو من هذا المطلب المهم، مشيرة إلى أنها "عدة وثائق، تم اعتمادها، وتم الاتفاق عليها خلال عملية التفاوض.. وأن الجانب الروسي في بداية المفاوضات وأثنائها، وبعد التوصل إلى اتفاق نهائي، عرض بالفعل، بل حث الجانب الأمريكي على نشر هذه الوثائق، وضرورة أن يتم ذلك، كي لا تصبح هذه الاتفاقات موضع تكهنات".
وبشأن النقطة الثانية، أعربت روسيا عن أملها بأن يتم تقنين اتفاقها مع الولايات المتحدة حول الأزمة السورية عبر دعم مجلس الأمن الدولي. وأعلن نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف أن موسكو تأمل في أن يدعم مجلس الأمن الدولي هذا الشهر اتفاقها مع واشنطن حول سوريا من أجل تجنب التفسيرات الخاطئة، وأن موسكو مهتمة بعدم المماطلة في التوصل إلى اتفاق في هذا المجال.
وفي الحقيقة، فروسيا ترى أنه إذا وافق مجلس الأمن الدولي على الاتفاق الروسي - الأمريكي بسرعة، فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على تعزيز نظام وقف إطلاق النار وإيجاد سبل للتسوية السياسية في سوريا.
وبطبيعة الحال، فموسكو تدرك جيدا أن العملية أطلقت للتو ويجب إجراء نقاش ومشاورات مع جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي، وبعد ذلك سيتخذ المجلس مثل هذا القرار، إذا اعتبر هذا ممكنا. وبالتالي، من الصعب تحديد موعد لذلك. إذ أن المهم أن تتوافر الإرادة الدولية لتحقيق هذه الخطوة التي لا ينكر الجانبان الروسي والأمريكي، والعديد من الدول والهيئات الدولية أهميتها. وفي الوقت نفسه، سيسمح تبني مجلس الأمن الدولي قرارا يدعم الاتفاق الروسي - الأمريكي حول سوريا بتجنب التفسيرات الخاطئة، وبالتالي سيوحد جهود المجتمع الدولي، بدلا من تبديدها في خلافات وصراعات ومناورات.
وفي ما يتعلق بالنقطة الثالثة، لا تزال روسيا مصممة على ضرورة قيام الولايات المتحدة بدورها في فصل المعارضة عن الإرهابيين. ومن دون القيام بهذاه الخطوة، فإن الأمور تصبح أكثر تعقيدا، ومضيعة للوقت والجهد. في هذا الصدد تحديدا، قال غاتيلوف إن روسيا والولايات المتحدة ستقومان في الأيام القريبة المقبلة بتدشين مركز تنفيذي مشترك من أجل تنسيق الضربات الموجهة للإرهابيين.
وذهب غاتيلوف إلى التعليق على تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية مارك تونير حول أن الاتفاق الروسي - الأمريكي الذي تم التوصل إليه في 9 سبتمبر/ أيلول الحالي في جنيف ينص على توجيه ضربات إلى "جبهة النصرة" دون "داعش"، وقال غاتيلوف "على خبراء الدولتين أن يتوصلوا إلى اتفاق محدد بهذا الشأن.. وفي حالة حلب، فإن /جبهة النصرة/ تعمل هناك في أغلب الأحوال، حسب علمي. لكن من حيث المبدأ يوجد هناك فهم مشترك لمواصلة توجيه الضربات ضد /داعش/ و/جبهة النصرة/، وهذان التنظيمان أدرجا في قائمة العقوبات الأممية ويعتبران إرهابيين، ونظام وقف إطلاق النار لا يشملهما".
وعلى الرغم من التقدم البطئ، والذي يعتبر أفضل من ظروف الحرب، لاحظ مراقبون أن هناك فهم غريب من جانب واشنطن لما تم التوصل إليه في جنيف، وبالذات في ما يتعلق بموضوع الحرب ضد "داعش" و"النصرة". إذ أن الجانب الأمريكي يرى أن الحرب ضد "داعش" أمر مفروغ منه ولا جدال فيه، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد بأن لا تعاون مع روسيا في الحرب ضد "داعش"، إلا إذا وافقت على شروط ما أمريكية أو مكافحة الإرهاب تحت راية التحالف الدولي. وفي ما يتعلق بـ "جبهة النصرة"، فهناك خلافات حادة بين موسكو وواشنطن، حيث غيرت الجبهة اسمها من جهة، ولا تزال تضم تنظيمات "معتدلة" من جهة أخرى، وتتعاون جزئيا مع المعارضة المسلحة من جهة ثالثة. وهو ما يعطي انطباعا بأن واشنطن تريد التستر على غير الملتزمين بالهدنة من المعارضة والإرهابيين في سوريا.
وفي نفس هذال السياق تصر الولايات المتحدة على "وضع لمسات غريبة" على كل ما يتم الاتفاق عليه مع روسيا. فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بيتر كوك أن عسكريين من الولايات المتحدة وروسيا ناقشوا خلال مؤتمر عبر الفيديو ضرورة تعزيز التدابير الرامية إلى منع وقوع الحوادث. وقال كوك إن "التعاون حول العمليات في سوريا خلال المؤتمر عبر الفيديو بين العسكريين الأمريكيين والروس لم يناقش".
غير أن الأكثر إثارة للدهشة، وعلى الرغم من الأجواء المتفائلة، وإن كان ذلك بحذر، هو تلك التصريحات الاستباقية غير الدبلوماسية التي تصدر من جانب جهات وأجنحة معينة في الإدارة الأمريكية من قبيل "الاتفاقات الأمريكية - الروسية هي اختبار لموسكو"، و"روسيا غير مستعدة للالتزام بوقف إطلاق النار في سوريا"، و"الهدنة اختبار لمصداقية روسيا".. كل هذه الأمور وصفتها الناطقة باسم الخارجية الروسية بأنها "تصريحات غير منطقية وتأتي بنتائج عكسية". ولكن إذا نظرنا إليها من زاوية التحليل السياسي، فمن الممكن أن نصل إلى انطباع بأن الولايات المتحدة نفسها تضع مقدمات تسمح لها بالتملص فيما بعد من التزاماتها، لأنها ترفض أو تماطل في الكشف عن وثائق الاتفاق، وتتجاهل دعوات روسيا بتقنين هذا الاتفاق عبر مجلس الأمن، وتتباطأ أو تماطل أيضا في وعودها بفصل المعارضة عن الإرهابيين، ثم تسارع بتوجيه اتهامات "غير منطقية" لروسيا، من شأنها أن "تأتي بنتائج عكسية"، أو كما قالت وزارة الدفاع الروسية: "تصريحات تبعث على القلق".