افراسيانت - أشرف الصباغ - أعلنت أوكرانيا أنه لا يمكن إجراء الانتخابات البرلمانية الروسية في 18 سبتمبر/ أيلول الحالي على ما وصفته بـ "الأراضي الأوكرانية".
الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، حسب المتحدث باسم الرئاسة في كييف سفيتسلاف تسيغولكو، أوعز لوزارة خارجية بلاده من أجل إخطار موسكو بعدم إمكانية إجراء الانتخابات النيابية الروسية فوق أراضي أوكرانيا. كما دعا مجلس النواب الأوكراني "رادا" للتوجه إلى المجتمع الدولي بطلب عدم المشاركة في عمليات المراقبة التي ستشهدها الانتخابات البرلمانية الروسية، وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في إقليمي القرم وسيفاستوبول.
هذا الإيعاز الغريب، الذي أثار سخرية الأوساط السياسية والدبلوماسية ودهشة الرأي العام عموما، يعكس في ما يعكس سياسات الكيد التي تستهلك طاقات السلطات الحاكمة في كييف، وتجرها إلى مناطق بعيدة كل البعد عن معالجة القضايا والأزمات الملحة المتعلقة بالداخل الأوكراني، سواء في مجال الاقتصاد أو مجال الأمن، أو حتى مجال التمييز الاجتماعي والعرقي الذي يكاد يدفع بالمجتمع الأوكراني إلى صدامات حقيقية.
وزارة الخارجية الروسية أعلنت أن محاولات كييف توجيه الإنذارات إلى روسيا، في ضوء انتخابات مجلس "الدوما" الروسي، تبدو مثيرة للسخرية. وقالت الوزارة في بيان رسمي إنه "فيما يتعلق بمحاولة سلطات كييف توجيه إنذارات لروسيا، وربط فتح مراكز الاقتراع في أوكرانيا بالانتخابات في شبه جزيرة القرم الروسية، فهي مثيرة للسخرية، لأن القرم جزأ لا يتجزأ من روسيا، وقرار إجراء الانتخابات هناك، حق حصري للدولة الروسية".
ويبدو أن كييف لا تتصرف انطلاقا من المصالح الوطنية والرؤية السليمة لهذه المصالح، وإنما تتخذ خطواتها بناء على سياسات دول أخرى قد تكون خاطئة أو مؤقتة. وبالتالي، دعا البيان الروسي شركاء كييف الأجانب، القلقين على صورة السلطات الأوكرانية، والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لتقييم هذه الخطوات، والمطالبة بإلغاء القرارات غير الديمقراطية والتمييزية. وأكد البيان على أن "حكومة كييف تتحمل المسؤولية الأمنية، فيما يخص سلامة البعثات الدبلوماسية والبعثات القنصلية للدول الأجنبية".
وتأكيدا للالتزام بالأعراف القانونية والدبلوماسية، شددت وزارة الخارجية الروسية على أن موسكو تسلمت مذكرة رسمية من كييف، تفيد بعدم إمكانية إجراء تصويت ضمن الانتخابات البرلمانية الروسية، فوق الأراضي الأوكرانية، وأن موسكو ستدرسها. وعلى الفور أعلن الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن "موسكو لا تعتزم مناقشة عملياتها الانتخابية على أراضيها مع أي دولة كانت، وان الجانب الروسي غير مستعد بشكل عام لتلقي أي شروط، وفيما يتعلق بهذه الطروحات، فلا يمكن الالتفات إليها بأي حال من الأحوال".
وفي الحقيقة، فإن سياسات الكيد والتهور لا تخدم فقط سيناريوهات واشنطن وحلف الناتو في إشعال المنطقة عموما، وإشعال البحر الأسود على وجه الخصوص، وتأليب دول المنطقة فقط، بل تشيع حالة من الضبابية والفوضى، سواء على علاقات دول المنطقة بعضها بالبعض الآخر أو في الداخل الأوكراني بكل قواه السياسية والاجتماعية، ما ينعكس سلبا على الأمن الأوروبي عموما.
ومع كل ذلك، لا ترفض موسكو إطلاقا أي مباحثات مع كييف بشأن الديون المتراكمة عليها. بل على العكس، تسعى كييف للتملص من سداد هذه الديون، وتطالب روسيا بفتح أسواقها أمام المنتجات الأوكرانية. وفي الوقت نفسه تشارك كييف في العقوبات ضد روسيا وتحاول تمرير بضائع دول الاتحاد الأوروبي إلى الأراضي الروسية.
وفي الوقت الذي تتأخر فيه شرائح القروض الأمريكية والأوروبية لأوكرانيا، أو يتم تأجليها، لأسباب كثيرة، على رأسها عدم امتثال كييف للشروط المفروضة، والفوضى الاقتصادية والفساد وعدم الاستقرار في أوكرانيا، يلتف البنك الدولي على الدول الأعضاء فيه وعلى شروط تقديم القروض، ويتجاهل كل ذلك من أجل تقديم شرائح مالية لسلطات كييف. وبالتالي، أدانت موسكو إجراءات البنك الدولي، واعتبر وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف أن "استنتاجات نشرها صندوق النقد الدولي عن تنفيذ أوكرانيا كافة الشروط اللازمة للحصول على دفعة جديدة من القروض غير مبررة وتشكل سابقة". وأكد على أنه سيعطي الأوامر الضرورية للممثل الروسي في صندوق النقد الدولي للتصويت "ضد" منح شريحة جديدة من الصندوق لأوكرانيا التي لا تستطيع تسديد أي ديون عليها من جهة، ولا تلتزم بالشروط من جهة ثانية، وتواصل الفشل بعد الآخر في مكافحة الفساد والفوضى السياسية والاقتصادية.
وزارة المالية الروسية قالت "نحن مستعدون للنظر في المسائل الخاصة بالتوصل إلى اتفاق التسوية في مرحلة ما قبل بداية مرحلة المرافعات التمهيدية بشأن دين أوكرانيا السيادي لروسيا البالغ 3 مليارات دولار، هذا في حال اختلفت المقترحات الأوكرانية بشكل ملموس عن المقترحات التي كان قد وافق عليها المقرضون التجاريون. ونحن لن يكون بإمكاننا التوصل إلى توافق، في حال اتخاذ الجانب الأوكراني نفس الموقف". والمعروف أن روسيا كانت قد رفعت في فبراير/ شباط الماضي، دعوى إلى المحكمة العليا البريطانية في لندن بشأن استرجاع مبلغ الدين الأساسي، ويبلغ 3 مليارات دولار، من أوكرانيا، بالإضافة إلى فوائد الدين غير المدفوعة بمبلغ 75 مليون دولار. وقدمت روسيا لأوكرانيا هذا القرض في أواخر عام 2013.
هذا غيض من فيض. ولكن الطريف هنا أن كييف لا تطالب فقط الغرب بفرض العقوبات ضد روسيا، بل تشكر بين الحين والآخر الدول الغربية على تمديد وتوسيع هذه العقوبات. فقد توجه الرئيس الأوكراني بيترو بورويشينكو إلى الولايات المتحدة بالشكر لتوسيع عقوباتها ضد روسيا لتشمل أفرادا وشركات اعتبارية. وقال بوروشينكو "آمل أن شركاءنا، وخاصة الاتحاد الأوروبي، سيدعمون هذا المنطق، واستمرار فرض العقوبات الاقتصادية ضد روسيا". وفي الوقت نفسه، نرى الرئيس الأوكراني بوروشينكو يصرخ أمام العالم كله بأن "إغلاق روسيا أسواقها أمام السلع الأوكرانية أصبح صدمة اقتصادية لأوكرانيا، وأن الخسارة بلغت 15 مليار دولار على الأقل، وأنه حتى وقت قريب ذهبت ثلث الواردات الأوكرانية تقريبا إلى السوق الروسية، ولكن في السنوات الأخيرة تراجع حجم الصادرات إلى روسيا بنسبة 5 أضعاف. أما الأطرف، فهو توصيفات الرئيس الأوكراني لما يحدث في هذا الصدد، حيث قال "إن إغلاق روسيا أسواقها أمام أوكرانيا أصبح صدمة اقتصادية.. وهذا العدوان الاقتصادي هو أحد الأسباب الرئيسية لهذا الانخفاض السريع في مستويات المعيشة"!!
وتزامنا مع صراخ كييف ومطالبة العالم كله بمقاطعة روسيا، نجد أن وزيري الدفاع الأمريكي آشتون كارتر والأوكراني ستيبان بولتوراك وقعا، في نفس يوم الخميس 8 سبتمبر/أيلول الحالي، وثيقة إطارية لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين. ووفقا لتصريحات البنتاغون فإن "الاتفاق الأمريكي الأوكراني سيساعد كييف في إجراء إصلاحات حيوية في المجال الدفاعي وتحسين إدارة مواردها وتعزيز التعاون في مجال التقنيات الدفاعية".