سيطرة المتقاتلين على المنشآت النفطية تمكنهم من الاستحواذ على الموارد وتبييض صفحتهم أمام الغرب.
افراسيانت - تونس - الجمعي قاسمي - فرضت التطورات المتسارعة في ليبيا وما يتصل منها بالأوضاع في منطقة الهلال النفطي بعد الهجوم المعاكس الذي شنته، الأحد، ميليشيات موالية لإبراهيم الجضران القائد السابق لحرس المنشآت النفطية الليبية، على مدينة “رأس لانوف”، إعادة تقييم الوضع من جديد، وتحديد أولويات التحركات اللاحقة، وسط حديث متزايد عن قرب معركة الحسم المؤجلة.
ودفعت هذه التطورات التي بددت إلى حين أجواء التفاؤل والارتياح التي سادت خلال الأسبوع الماضي المشهد الليبي بشأن عودة مقدرات الشعب الليبي النفطية إلى المؤسسات الشرعية، الكثير من المراقبين إلى البدء في مراجعة المواقف، على وقع تزايد التحركات السياسية والعسكرية في الغرب الليبي، التي تنذر بمشهد جديد بدأت ملامحه تتشكل على أنقاض التفاهمات السابقة.
وانعكس هذا الهجوم سلبيا على الأجواء الإيجابية التي خيمت في وقت سابق على المشهد الليبي، لا سيما في أعقاب تأكيد المؤسسة الوطنية للنفط على بدء عمليات تصدير النفط من الموانئ الواقعة في منطقة الهلال النفطي، حيث تسبب ذلك في وقف العمليات التي رحبت بها مختلف الأوساط السياسية الليبية.
وتعبّر المواجهات العسكرية عن وجه من وجوه الصراع الدولي حول ليبيا ونفطها تحديدا، الأمر الذي يوضحه تصريح السفير البريطاني لدى ليبيا بيتر ميليت الذي اعتبر أن صور المنشآت النفطية وهي تحترق تضعف من استرداد ليبيا عافيتها.
وكتب الدبلوماسي البريطاني في تغريدة على حسابه على تويتر أن القتال المستمر حول منشآت الهلال النفطي يضر بمستقبل ليبيا الاقتصادي.
وفشل وفد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية الذي يزور حاليا العاصمة الفرنسية، في انتزاع موقف فرنسي واضح في إدانة سيطرة قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على منطقة الهلال النفطي.
واجتمع الوفد في مقر الخارجية الفرنسية بعدد من كبار المسؤولين المعنيين بالملف الليبي، حيث طالبهم أحمد معيتيق نائب رئيس حكومة الوفاق بضرورة إعراب الخارجية الفرنسية في بيان رسمي عن موقف يتضمن إدانة واضحة لعملية “البرق الخاطف” واستنكارا غير قابل للتأويل للتحركات العسكرية للمشير حفتر.
وألح الوفد الليبي على صدور هذا الموقف، وألمح إلى أن زيارة فايز السراج إلى باريس المقررة خلال الشهر الجاري، قد لا تتم إذا لم يصدر مثل هذا الموقف “تفاصيل صفحة 4”.
وتضع الأطراف الليبية المتقاتلة في اعتبارها ردود فعل الغرب الذي يرد بشكل “شبه رسمي” غير مسبوق عبر تغريدات السفراء.
ولا تعني السيطرة على المنشآت النفطية بالنسبة للمجموعات المتقاتلة الاستحواذ على الموارد فقط، بل تبييض الصفحة أمام الغرب، لأن أوروبا مهتمة كثيرا بمن يسيطر على النفط ولكن أيضا كيف سيوجه الواردات، وألا ينتهي الأمر بمنطق أمراء الحرب الذين يتسابقون على نيل الغنيمة.
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا جوناثان واينر قد أكد أن الولايات المتحدة تؤيد تصدير النفط من الموانئ التي خرجت عن سيطرة حكومة الوفاق الوطني طالما أن عائدات المبيعات تصب في صالح هذه الحكومة وحدها.
وشنت ميليشيات إبراهيم الجضران القائد السابق لحرس المنشآت النفطية، مدعوما بميليشيات أخرى، صباح الأحد، هجوما على منطقتي “رأس لانوف” و”السدرة” من الهلال النفطي، في مسعى لاستعادة السيطرة على هذه المنطقة الحيوية بعد أن تم طرده منها في أعقاب عملية “البرق الخاطف” التي نفذها الأحد الماضي الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقالت مصادر ليبية محلية، إن مجموعات مسلحة موالية لإبراهيم الجضران، تمكنت من التسلل إلى المدينة السكنية برأس لانوف، ودخلت في اشتباكات عنيفة مع قوات الجيش الليبي، في محيط منطقة السدرة.
وأقرت رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي بهذا الهجوم، ولكنها وصفته على لسان الناطق الرسمي باسمها العقيد أحمد المسماري، بأنه “فاشل ومحاولة يائسة” لإعادة الأوضاع إلى المربع الأول في وقت تغيرت فيه موازين القوى العسكرية، وتبدلت المواقف السياسية المحلية والإقليمية والدولية”.
وأكد في اتصال هاتفي مع “العرب”، أن قوات الجيش الليبي نجحت في التصدي لهذا الهجوم الذي كان متوقعا، وقد ألحقت بالمهاجمين خسائر بشرية ومادية فادحة، وتم قتل العشرات منهم، وأسر آخرين، بالإضافة إلى تدمير وحجز العشرات من السيارات والآليات المدرعة، وغنم كميات من السلاح والذخيرة.
وأضاف المسماري أن مجموعات مسلحة مدعومة بإرهابيين ينتمون إلى ما يعرف بـ”سرايا ثوار بنغازي” بقيادة زياد بلعم عضو الجماعة الليبية المقاتلة الموالية لتنظيم القاعدة، والبعض من الخلايا النائمة في المنطقة، هاجمت منطقة النوفلية التي تبعد نحو 50 كيلومترا عن السدرة بمختلف أنواع الأسلحة، كما حاولت التوغل في منطقة رأس لانوف.
ويُشاطر الناشط السياسي الليبي كمال مرعاش ما ذهب إليه العقيد المسماري عندما أكد مشاركة عناصر تابعة لما يعرف بـ”سرايا ثوار بنغازي” الموالية لمفتي ليبيا المعزول المثير للجدل الصادق الغرياني، حيث قال لـ”العرب” إن هذا الهجوم “يكشف.
بوضوح مدى ارتباط الجضران بالميليشيات المتطرفة بعد أن تخلت عنه قبيلة المغاربة، ذلك أن الذين شاركوا فيه ينتمون إلى سرايا الدفاع التابعة لعضو الجماعة الليبية المقاتلة زياد بلعم الموالية لتنظيم القاعدة، وأخرى تابعة لمصطفى الشركسي من مجلس شورى مصراتة الذي يتلقى الدعم من صلاح بادي العضو السابق بالمؤتمر الوطني”.
العرب اون لاين