افراسيانت - نور بولاد - لم أشاهد مقطع الفيديو الرهيب، الذي دُق فيه عنق طفل، يقال إنه فلسطيني لاجئ في مخيم حندرات بريف حلب على أيدي ذبَّاح من فصيل نور الدين الزنكي.
أما امتناعي عن إلقاء نظرة الوداع الأخيرة على الطفل، فهي لأن لكل طينة بشرية حدودا عنفية قصوى يمكن أن تصل إليها في ظرف ما، وهو ما عجزت عنه.
قيل لاحقا إن ما أقدم عليه قاتل الطفل كان تصرفا فرديا، وإنه مستنكر من قيادة الحركة، وهي المسؤولة المباشرة عن القاتل.
وبغض النظر عن بيانات الإدانة وتفحيش الجريمة من القائمين على الحركة، فإن الفعلة وقعت. وأي كلام أو غضب من تصرف طائش سيكون مستفزا إن لم يكن أشد وبالا من إراقة دم الطفل الذبيح.
قد يذهب بعضٌ إلى ضرورة الوقوف عند الظروف التي ألقت بالطفل إلى هذه التهلكة المرعبة، أو أن يقال: ما الذي دفع القاتل إلى أن يجاهر بجريمته علنا مفاخرا كالأبطال؟
في حقيقة الأمر إن الحد الأدنى من الأخلاق الإنسانية وقيم السلوك البشري للفرد يحرم مثل هذه الأفعال المنفلتة من أي عقال.
ولا حاجة للمرء هنا إلى أن يحاجج ببنود اتفاقية جنيف عن الحروب، أو عما أُنزل من السماء من أديان أرادت أن ترفع من قيمة الإنسان وأن تنزهه عن باقي الكائنات، أو الدخول في جدل تخفيف القصاص ليتماشى مع التهمة.
لسبب واحد هو أن المغدور طفل لا يزال بريئا من أي حساب.
حتى إن شاء بعضٌ أن يقارن بين جريمة حندرات وقانون الغاب، فستكون الوحوش أرفق كثيرا بفرائسها مما عاشه الطفل قبيل وفي برهة إعدامه.
قبل ستة عشرة عاما، بكى العالم العربي ورثى الطفل الفلسطيني محمد الدرة بينما كان يحتمي بوالده؛ عندما كانت القوات الإسرائيلية تفتح نيرانها في بداية انطلاق انتفاضة الأقصى.
وقتذاك، استنفر العالم وتبرأت إسرائيل من دم الدرة وانفجرت عواصم عربية ببيانات الشجب والإدانة. ولم ينفع ذلك في إعادة الدرة إلى الحياة؛ لكن المشهد كان كالعلاج بالصدمات للعالم الذي كان قد أدمن فيه على قصص وأخبار قتل الفلسطينيين المتواترة.
وقبل نحو عام أو ما يزيد، صُدم العالم مجددا من صورة الطفل السوري آلان كردي ممددا على الشواطىء التركية على مبعدة أمتار قليلة من جثة شقيقه وأمه الغريقين.
لكن المفاجئ أن ما وقع من هول ضخم على طفل مخيم حندرات لم يلق الرد الإقليمي نفسه أو الدولي. ذلك، على الرغم من أن المشتغلين بالملف السوري باتوا أكثر من السوريين، وهم يتسابقون في إغداق الوعود الطيبة عن المستقبل المشرق الذي يستحقه أطفال سوريا بعد كل ما كابدوه من رجس للحروب و قذارات أمرائها.
وقائع الحال تشي بعكس ذلك:
فالجريمة تؤكد أنها متعمدة وعن سابق وتصميم، والقاتل كان برفقة عناصر من الحركة ممن انقضوا على الضحية كما سرية الإعدام. أما الحيثيات، فالذبح تم على الملأ ووُثق وبُث على مواقع التواصل الاجتماعي في سابقة بربرية يفر منها أعتى المجرمين.
لكن يا ترى ما هي الرسالة التي أراد القتلة توجيهها؟ هل يريدون التأكيد أنه ليس لديهم أي خطوط حمراء يمكن أن توقفهم؟ أو أنهم منحطون لدرجة تجعلهم خارجين عن سياق إطار أي خطوط؟
في مطلق الأحوال: أيا تكن أهداف جريمتهم، فإن صورتهم في أعين البشرية ستبقيهم كغيلان دموية كاسرة ترتزق من الدماء المسالة على أطراف الحروب والنوائب، رغم أنهم تكنوا باسم نور الدين الزنكي صاحب لقب الملك العادل.
المجتمع الدولي يحار اليوم في مجابهة "داعش" و"النصرة"، وهو مدجج بالدبابة والمدفعية والراجمة وحاملات الطائرات، وإن شئت الصواريخ الذكية والغبية سواء بسواء.
أما طفل حندرات، فقد جابه بمفرده آلة الرعب الحقيقية التي لم تفلح ماكينات هوليوود السينمائية باستنساخ إحداها.
رقبة الطفل حُزت بمدية تتبع مخلوقات ظلامية.. وشاهدها العالم، بينما كان صخبه عن مكافحة الإرهاب يصم الآذان.