افراسيانت - احتفى العالم الاثنين بيوم اللغة العربية، وسط مخاوف حقيقية من تفتتها في ظل حالة الضعف اللغوي الذي تعيشه الاجيال الناطقة بالعربية، وجراء متغيرات مجتمعية وتكنولوجية أدت إلى تهشم باللغة في ظل البحث عن البساطة والسلاسة في التعبير.
ويحتفل في الـ 18 من كانون الأول/ ديسمبر، باليوم العالمي للغة العربية. وتقرر الاحتفال في هذا اليوم باللغة العربية، نظرا لكونه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 3190 في عام 1973 الذي تم بموجبه اعتماد اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية للأمم المتحدة.
وتتعرض اللغة العربية للتهشيم في فضاءات التواصل والإعلام الرقمية والمرئية والمسموعة، ما يستوجب التدخل لضبط التعديات عليها من قبل الكتاب والخطباء "قبل أن يقطع أبناؤها أشواطا إضافيه في سلخ لحمها عن عظمها"، كما يقول عشاق اللغة.
وقال استاذ اللغة العربية والاعلام، الدكتور سعيد عياد ، ان اللغة العربية تواجه تحديات كبيرة في ظل هذا الاحتكاك الخطير مع وسائل الاعلام الترويجية الثنائية والثلاثية -المزج بين اللغة العامية واللغة الانجليزية والفرنسية- حيث اصبحت اللغة المتداولة بين الناس هي اللغة الثنائية والثلاثية بدلا من اللغة العربية الوسطى.
واضاف ان "هناك تقصير رسمي بعدم تفضيل اللغة العربية في التواصل اليومي مع المواطنين، اضافة الى ان اللغة تواجه عجزا مشهديا، واضحت جل اليافطات في الشوارع مكتوبة باللغة الانجليزية، ما أدى الى تراجع حضور المشهد البصري للغة العربية في الحياة اليومية للمواطن العربي، وهذا يدل على قلة ثقة باللغة الوطنية وتقصير في محاربة هذه الظاهرة".
وقال "باتت اللغة الدارجة واللهجات المحلية هي السائدة في وسائل الاعلام الفلسطينية، خاصة في الاذاعات المحلية، وهذا تعدٍ على اللغة. الامر الذي يتطلب من وزارة الاعلام بان تقوم بمراجعة ما يقدم عبر وسائل الاعلام لتقويمه".
واوضح عياد ان "المطلوب تمكين وتعزيز اللغة الوسطى في اللغة العربية، مثل اللغة المتداولة بالصحف، للحفاظ على لغتنا من الاندثار- حيث ان الادعاء انها لغة مقدسة غير فانية هو ادعاء غير صحيح وخطير، باعتبار أن القران الكريم يشكل 30% من اللغة العربية، الامر الذي يتطلب مواجهة التعديات على اللغة وتمكينها في حياتنا ومعاملاتنا اليومية".
وبحسب عياد فان " ما يقلق ان بعض المثقفين، ومن يدرس اللغة العربية يستخدمون اللغة الشعبية والدارجة في تدريسهم ومنشوراتهم على صفحات المواقع التواصل الاجتماعي، الامر الذي يروج للغة عاجزة غير صحيحة لانتاج لسان فلسطيني بلسان غير عربي" داعيا الى وقفة جدية من قبل الاكاديميين والمثقفين للحفاظ على اللغة العربية كجزء من الحفاظ على الهوية العربية والوطنية.
ويرى ان "هناك مجموعة من الشخوص والوسائل المتهمة في ضعف اللغة العربية وتهشيمها، من وسائل الاعلام التي باتت تستخدم اللغة الدارجة، والمناهج الضعيفة التي باتت تدرس داخل القاعات والصفوف باللغة الشعبية، حيث بتنا نتتج اجيالا يتحدثون بلغة غير سليمة، اضافة الى التقصير الرسمي في تمكين اللغة، والتقصير في محاربة التشوهات التي اصابتها" محذرا من خطورة احتمالية "اندثار اللغة وما يترتب عليها من انفصام بالهوية الثقافية للشعوب العربية إذا لم تكن هناك وقفات جدية لتمكين اللغة العربية السليمة في حياة ناطيقها".
وقال استاذ اللغة العربية في جامعة بيرزيت محمود العطشان ، "في يوم اللغة العربية، نود ان نتجاوز الاحتفالات الشكلية ونعزز حضور اللغة العربية الفاعلة، وهو أمر مرتبط بنهوض الامة وقوتها، حيث ان قوة اللغة من قوة الامة والشعوب التي تتحدثها. حالة الضعف العربي أدت الى ضعف اللغة والثقافة العربية وتهميشها، وهو ما يستدعي تطوير المناهج العربية وتعزيز الابداع فيها وابعادها عن التلقين والجمود لاعادة اللغة الى مكانتها".
واعرب العطشان عن مخاوفه حيال مصير اللغة العربية في مواقع التواصل الاجتماعي التي "جعلت الناس تأنس وتتكئ على اللغة العامية، وتُغيب اللغة الفصحى، مقابل حضور كتابة دخيلة مثل /العربنجليزيه/، محدثة خللا باللغة العربية".
وفيما يخص لغة معظم الإعلاميين الفلسطينيين، اعتبر العطشان ان من بينهم أشخاصا "ليس لهم علاقة باللغة، حتى أن بعض هؤلاء يجرون المرفوع، فضلا عن الرتابة باللغة المستخدمة، ما يستوجب استخدام صياغة ومفرادات ولغة اكثر جاذبية للفت انتباه المستمعين والمشاهدين، اضافة الى ان المسؤولين يفضلون الحديث باللغة الانجليزية في كثير من المناسبات، وهو أمر معيب ومن شأنه أن يضعف حضور وقوة اللغة العربية" مشيرا الى أن هناك فضائيات تريد تكريس اللغة العامية، الأمر الذي يعمق فجوة اللغة في المنطقة العربية.
ويرى العطشان ان "المطلوب لغة سلسة بعيدا عن التقعر باللغة، حيث أن اللغة العربية لغة مرنة وبسيطة، فهناك مصطلحات وتراكيب بسيطة تؤدي وظيفتها دون أن تخدش اللغة".
وقال الناطق باسم وزارة التربية والتعليم، صادق خضور، ان الوزارة تعطي النصيب الاكبر من الحصص المدرسية لمادة اللغة العربية، وتساندها بالانشطة اللا منهجية لتعزيز حضور اللغة العربية لدى الطلبة، وخاصة في المراحل الاساسية (من الصف الاول الى الرابع) حيث يركز المنهاج الجديد على تقوية الطلبة على أسس الكتابة والقراءة باللغة العربية، لوجود قناعة ان التأسيس الجيد في الكتابة والقراءة هو الخطوة الاهم في معالجة الضعف الذي يواجه بعض الطلبة في الصفوف العليا والتي يصعب فيها المعالجة.
واشار الخضور الى ان الوزارة تركز على مواضيع التعبير التي تمكن الطلبة املائيا ونحويا، اضافة الى حث الطلبة والمعلمين على استخدام اللغة الفصحى في حديثهم، وفي الاذاعة المدرسية.
وقال "الوزارة تبذل جهودا مضنية لتعزيز اللغة السليمة في المدارس من خلال حث المعلمين على التدريس باللغة الفصحى، وادخال الطلبة في تحديات للقراءة، واصدار المجلات والنشرات" لكنه لم يخف وجود ضعف في اللغة العربية عند كثير من الطلبة، وهو ما تحاول الوزارة معالجته في المنهاج الجديد وبالتركيز على مراحل التنشئة كما قال.