افراسيانت - عواد علي - تحت شعار “أعط للحياة فرصة” وبهدف إثراء المشهد الثقافي والسينمائي الأردني، انتظم على مدى ستة أيام بعمّان مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان في دورته الثامنة، والتي قدّم خلالها مجموعة متنوعة من الأفلام الروائية والوثائقية والتحريكية، وقد تناول أغلبها واقع الإنسان المشحون اليوم، وخاصة الإنسان العربي.
منحت إدارة مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان، في دورتها الثامنة التي اختتمت في عمّان مؤخرا، جائزة ريشة كرامة لأفضل فيلم وثائقي طويل مناصفة للفيلمين السوري “ذاكرة باللون الكاكي” إخراج الفوز طنجور، والعراقي “الفرقة” للمخرج الباقر جعفر.
شارك في المهرجان، الذي استمر 6 أيام ونظمته جمعية المعمل 612 للأفكار، بالشراكة مع المركز الثقافي الملكي، وبدعم من الاتحاد الأوروبي ومنظمات محلية ودوليه متعددة، 70 فيلما من 25 دولة، حيث قدّم المهرجان ما معدله 12 فيلما يوميا بين قصير وطويل، في قاعات المركز الثقافي الملكي، وقد رافقت كل العروض نقاشات مع مخرجيها ومنتجيها.
المهرجان، الذي يديره المخرجان سوسن دروزة وإيهاب الخطيب، منح الجائزة أيضا لأفضل فيلم أردني، وقد ذهبت إلى فيلمي “عيني الثانية” للمخرج أحمد سارة و”ماري نوسترم” للمخرجين رنا كزكز وأنس خلف. كما نوّهت لجنة التحكيم بفيلم “ناموس” للمخرج سامر بطيخي لتناوله قضايا حساسة ومهمة في المجتمع الأردني.
وتنافست على الجائزة 6 أفلام محلية، وهي تهدف إلى دعم السينمائيين الأردنيين الشبّان وإعطائهم فرصة للتعبير عن حقوق الإنسان من خلال السينما. أما جائزة ريشة كرامة لأفضل فيلم تحريكي فقد فاز بها “آسف أنني غرقت” من إخراج ديفيد حبشي وحسين نخال.
قُدمت جائزة “أنهار” لأفضل فيلم حقوقي في المنطقة العربية للفيلم الوثائقي الفلسطيني “اصطياد أشباح” إخراج رائد أنضوني، الذي اختتم به المهرجان. وسبق للفيلم أن فاز بهذه الجائزة في مهرجان نورنبيرغ الدولي (ألمانيا) لحقوق الإنسان في نوفمبر الماضي. كما فاز بجائزة الدب الفضي للفيلم الوثائقي في الدورة 67 لمهرجان برلين الدولي للأفلام في نوفمبر الماضي، وجائزة أحسن فيلم وثائقي طويل في مهرجان أيام قرطاج السينمائية الشهر الماضي.
اصطياد أشباح فيلم ضد التعذيب
أراد رائد أنضوني أن يهزم بفيلمه هذا أشباح تجربته الشخصية بصناعة فيلم يجسّد فيه شخصيته الحقيقية كمخرج وتجربته كمعتقل قضّى ثلاث سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيلي، لكنه فضّل تناول التجربة لأسرى آخرين كونها قضية عامة تهم كل الفلسطينيين بوجود سبعة آلاف أسير فلسطيني بسجون الاحتلال.
الفيلم عن حاضر أبطاله، يحاكي ذكريات اعتقالهم في “مركز المسكوبية” الإسرائيلي (شمال القدس) للتحقيق والاحتجاز سيء السمعة، من خلال إعادة بناء جدران زنازينهم لتمثيل ما تعرّضوا له داخلها. وهو يكشف عن آلامهم التي لا تزال حيّة بداخلهم، وتشوّهات نفسية يحاولون هزيمتها بإعادة معايشتها والحديث عنها.
الكثير من مشاهد الانهيار والدموع والآلام تظهر في رحلة بناء السجن. تتلاشى الحدود بين أدوار السجناء والسجّانين. جميع هؤلاء الرجال مكثوا فترة في السجن، وكلّ واحد منهم مصابٌ بصدمة، لكنه يتعامل بشكل مختلف مع صدمته. وجميعهم تحوَّلوا من دون إرادتهم إلى خبراء: خبراء في السجن، وخبراء في التعذيب، وخبراء في بتقنياتالتحقيق، وخبراء في الإذلال.
يقول أنضوني “تطلّب وجود طبيب نفسي مع الممثلين خلال التصوير” لأن الفيلم ممتلئ بالمشاعر والعنف والمودة والغضب والحب، وكأن الساحة التي بنوها أعطت مجالا للمعتقلين، بما فيهم هو كمعتقل سابق، كي يفرغوا كل المشاعر والذكريات باللاوعي”.
واقعية الأحداث التي قام عليها فيلم “اصطياد أشباح” وطريقة صناعته، التي مزجت بين المنحى التسجيلي والمنحى الروائي، جعلت منه فيلما ذا أسلوب جديد. الفيلم السوري المتوّج مناصفة بجائزة ريشة كرامة لأفضل فيلم وثائقي طويل “ذاكرة بلون الكاكي” يروي قصة سنوات عصيبة عاشها الشعب السوري مصبوغة باللون الكاكي الموحد، الذي مسح عن المجتمع ألوان الحياة.
مجموعة شخصيات عانت من بطش النظام الدكتاتوري الحاكم تغادر البلد، وتتحدث عن ذاكرتها وعلاقتها مع اللون الكاكي، الذي يرمز للعسكر والسلطة والقمع.
أما الفيلم العراقي “فرقة” فيتناول قصة فرقة موسيقية تُدعى “حلم”، مؤلفة من ستة أفراد يعزفون الموسيقى الصوفية في العراق، لكن مشكلتهم الأساسية عدم قدرتهم على إقامة حفل غنائي في مدينتهم (الصدر) ببغداد، لأن عزف الموسيقى محرّم وقد يؤدي إلى قتلهم. أعضاء الفرقة يتحدثون في الفيلم عن واقعهم وأحلامهم وأمنياتهم.
يُذكر أن دورة مهرجان كرامة لهذا العام تزامنت مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وفي هذا الصدد أكد سفير بعثة الاتحاد الأوروبي في الأردن أندريا ماتيو فونتانا، في كلمة له، أهمية وجود فعاليات مثل مهرجان كرامة تهدف إلى نشر مفاهيم حقوق الإنسان من خلال الفن والسينما، “فواجبنا حماية حياة الإنسان وكرامته من دون تمييز، وأن التبادل الثقافي والحوار من أهم المفاهيم لتعزيز حقوق الإنسان، والمهرجان هذا خير دليل على ذلك”.