طفل فلسطيني ينظر عبر فجوة في منزله في غزة أمس (رويترز)
السلطة الفلسطينية تلوّح جدّياً بـ "تسليم المفاتيح" .. مأزق "الجنائية" يربك إسرائيل .. ويلجمها
افراسيانت - حلمي موسى - أربك القرار الفلسطيني بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية القيادة الإسرائيلية، ودفعها إلى تكثيف المداولات بشأن الرد عليها.
ومن الجلي أن الرد الإسرائيلي، سوف يأخذ في الحسبان جملة معطيات إقليمية ودولية، بعدما بدا أن ليس لدى السلطة الفلسطينية ما تخسره وأنها تضع، بقرارها هذا، كلاً من إسرائيل والإدارة الأميركية، بل ودولاً عربية في مأزق.
وزاد الطين بلة، من وجهة نظر إسرائيل، اندفاع قيادة السلطة نحو الاستعداد إلى «تسليم المفاتيح» لإسرائيل وإعادة الوضع إلى طبيعته: شعب يواجه الاحتلال من دون وسطاء.
وحتى يوم أمس، عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ما لا يقل عن ثلاثة اجتماعات مهمة مع أجهزة الحكم الإسرائيلي ذات الشأن للبحث في الخطوات الواجب انتهاجها للتعامل مع الوضع الجديد.
وفي كل هذه الاجتماعات، يعمد نتنياهو للإشارة صراحة إلى أن الرد لا ينبغي أن ينطوي على إجراءات لتوسيع الاستيطان خشية تعميق المأزق الإسرائيلي في الحلبة الدولية.
وخلافاً لمرات سابقة، لا تنوي إسرائيل الرد بتوسيع الاستيطان كما فعلت إثر نيل فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة في العام 2012، فقد تلقت إسرائيل حينها انتقادات واسعة، لكن ما يخيفها الآن أكثر من أي شيء آخر أن يكون الاستيطان القضية الأولى التي تعرض أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وقال مسؤول حكومي إن إسرائيل تعلمت الدرس ولا تريد تكرار إجراءات تجتذب انتقادات دولية وتخفي الخطوة الفلسطينية. كما أن الوجهة تتمثل بتصعيد اللهجة التهديدية ولكن من دون السماح بتحطيم الأواني.
وهكذا، تقرر تجميد تحويل حوالي 500 مليون شيكل (حوالي 127 مليون دولار) من أموال الضرائب التي تجبيها إسرائيل لحساب السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقية باريس الاقتصادية.
واعتبر مسؤول إسرائيلي أن هذه الخطوة احترازية وأولوية إلى حين اتخاذ «خطوات أهم لاحقاً».
واستهل نتنياهو جلسة الحكومة الأسبوعية أمس، ليعلن أن «السلطة الفلسطينية اختارت المواجهة مع إسرائيل. ونحن لن نجلس مكتوفي الأيدي، ولن نسمح بجر جنود وضباط الجيش الإسرائيلي إلى لاهاي. إن من ينبغي لهم أن يقفوا للمحاكمة هم رؤساء السلطة الفلسطينية الذين عقدوا تحالفاً مع مجرمي الحرب في حماس. وسوف يواصل جنود الجيش الإسرائيلي الدفاع عن دولة إسرائيل بعزم وقوة، ومثلما يدافعون عنا، سوف ندافع عنهم بالعزم والقوة نفسها».
وتشير التصريحات الإسرائيلية إلى أن خطوة تجميد الأموال وربما سحب أذونات الحركة من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية ليست سوى خطوات أولية سوف تتبعها خطوات أشد لاحقاً.
ويتحدث مسؤولون إسرائيليون عن أن إسرائيل «سوف تنتقل من الدفاع إلى الهجوم».
ولكن، عدا تصريحات متهورة من مسؤولين مثل وزير الشؤون الإستراتيجية، يوفال شتاينتس، تجنب الإسرائيليون تهديد مصير السلطة الفلسطينية، بل جرت الإشارة إلى الرغبة في عدم المساس بالتنسيق الأمني واستمرار التعاون مع السلطة لمنع انهيارها.
وتجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان اعتبر أن السلطة بقرارها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، عبّرت عن أن «اتفاقيات أوسلو انهارت».
وانتقد ليبرمان سياسة «تجنب المبادرة» و «الجلوس دون فعل شيء» والحفاظ على الوضع القائم، وقال إنها أيضاً سياسة انهارت، موضحاً أن «التحدي الأكبر هو مبادرة إسرائيلية تحافظ على مصالحنا».
من جانبه، رد رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات على الخطوات الإسرائيلية، خصوصاً تجميد أموال السلطة، معتبراً أن هذه «عقوبة جماعية»، ومشدداً على أن «هذه جريمة حرب، واستقلالنا وحريتنا فوق كل اعتبار، خلافاً لما يظن نتنياهو».
وأشار عريقات في حديث مع صحف إسرائيلية إلى أن الفلسطينيين سيجتمعون ويتخذون «قراراً بدعوة نتنياهو إلى تسلم المسؤولية الكاملة عن كل الأراضي المحتلة».
وأضاف أن نتنياهو يدمر السلطة وأن الحكومة الإسرائيلية «ألغت لنا صلاحياتنا الاقتصادية والقانونية».
وأكد أن الخطوات الفلسطينية تتم بمنطق «لا مفرّ»، وأن إسرائيل سوف تجد نفسها قريباً مسؤولة بشكل كامل عن الأراضي المحتلة كما كان قبل العام 1992. وقال عريقات موجهاً كلامه للإسرائيليين: سنطور العلاقات مع المحكمة الجنائية «فأنتم تمسكون بخناق الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين».
وتهدد جهات إسرائيلية بتقديم المسؤولين الفلسطينيين للمحاكمة ليس فقط أمام المحكمة الجنائية الدولية، وإنما أيضاً في المحاكم الأميركية والأوروبية.
وقال مسؤول إسرائيلي إن على الفلسطينيين، وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس، أن يخشوا الخطوات القضائية ضدهم. وأشار إلى أن من سيلاحق الفلسطينيين منظمات غير حكومية ومنظمات قانونية موالية لإسرائيل تعمل في الخارج.
وفي تحليل نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أمس، جاء أن أهمية قرار الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية يتمثل في كون الفلسطينيين يرون في المحكمة «أداة بالغة القوة لممارسة الضغط الدولي على إسرائيل، بعد عشرات السنوات من المفاوضات الفاشلة والتقدم البطيء في الأمم المتحدة، التي نالوا في العام 2012 صفة دولة غير عضو فيها».
ولاحظت الصحيفة أن الفلسطينيين يرون في الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم بعد العام 1967 وبناء المستوطنات والعمليات العسكرية، أعمالاً عدائية وجرائم حرب، خصوصاً الحرب الأخيرة على غزة.