افراسيانت - احمد علام - جاءت «ثورة 30 يونيو» العام 2013، والتي اسقطت حكم «الإخوان المسلمين»، لتمنح مصر فرصة اتباع سياسات جديدة في علاقاتها الخارجية، بما يراعي التوازنات الدولية، والتوترات الاقليمية، والتحديات الداخلية، والمساعي المبذولة لاستعادة الدور العربي والافريقي.
وفي هذا الإطار، سعى العهد الجديد في مصر، ومنذ سقوط نظام «الاخوان المسلمين»، الى الانفتاح على روسيا، في الوقت الذي كانت فيه العلاقات المصرية - الاميركية تشهد تدهوراً ملحوظاً، وجاءت الزيارتان اللتان قام بهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لروسيا ـ الاولى حين كان وزيراً للدفاع، والثانية بعد انتخابه رئيساً للجمهورية ـ والحفاوة البالغة التي استقبل بها من قبل الرئيس فلاديمير بوتين، لتؤكد حرص القيادتين الروسية والمصرية على تعزيز العلاقات التاريخية.
وفي هذا الإطار، يحل «قيصر» الكرملين اليوم وغداً ضيفاً على مصر، في زيارة رسمية، بعد مرور ما يقرب من عشر سنوات على زيارته الأولى لبلاد النيل (2005).
وتأتي زيارة الكرملين، وما رافقها من استعدادات في مصر، لتكرّس عمق العلاقات المصرية - الروسية منذ ايام الاتحاد السوفياتي، وتشكل مصدر دعم للقيادة المصرية، سواء على المستوى السياسي، في الوقت الذي تعاد فيه تشكيل التحالفات على المستوى العالمي، أو على المستوى الاقتصادي حيث تسعى مصر لجذب مزيد من الاستثمارات من خلال المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده في آذار المقبل.
وعلى هذا الأساس، يتوقع أن تتركز المحادثات بين بوتين والسيسي على سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين روسيا ومصر، بخاصة في ما يتعلق بالملف الأمني ومحاربة الإرهاب، سيما وان روسيا تمتلك خبرة وإمكانات عسكرية وتقنية في هذا المجال، ما سيساعد مصر في مواجهة المخاطر الامنية العابرة للحدود، فضلاً عن الأحداث الاقليمية، وفي طليعتها الملف السوري وخطر «داعش».
ومن المتوقع كذلك، أن تشهد الزيارة مباحثات لتوقيع اتفاقيات اقتصادية وإستراتيجية مهمة.
وفي هذا الإطار، قال سفير مصر السابق لدى موسكو رؤوف سعد، في حديث الى «السفير»، إن «زيارة الرئيس بوتين تأتي استكمالاً لبدء مرحلة جديدة من التعاون بين مصر وروسيا على كافة المستويات»، لافتاً إلى أن «بوتين زار مصر في العام 2005، بصفته أول رئيس لروسيا الجديدة، بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، واليوم يعود إلى مصر مرة أخرى بعدما أصبح عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر الجديدة، بعد ثورة 30 يونيو».
وأضاف سعد أن «المحرك لهذا التطور فى العلاقات بين البلدين كان موقف الرئيس الروسي من ثورة 30 يونيو، في وقت خذلت فيه بعض دول العالم الشعب المصري».
ويشير سعد الى انه «بالرغم من أن المواقف السياسية الروسية يتم اتخاذها عادة بشكل مركب، وبالتالي تبدو بطيئة، إلا أن الوضع كان مختلفاً ازاء الحالة المصرية، اذ جاء موقف بوتين المؤيد سريعاً، على عكس موقفه من ثورة 25 يناير العام 2011 «.
واعرب سعد عن اعتقاده بأن «السبب قد يكون تخوف روسيا الشديد من الإسلام السياسي»، موضحا أن موسكو «صنفت الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية منذ العام 2004، والإسلام السياسي كان أهم مصادر القلق الشديد بالنسبة الى روسيا»، التي يعيش فيها أكثر من 25 مليون مسلم.
واشار سعد الى ان «من بين أهم الملفات التي سيتم طرحها خلال الزيارة ملف استكمال انشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة، والاستفادة من خبرات الجانب الروسي في مجال توليد الطاقة المتجددة، بالاضافة الى بحث توفير شحنات الغاز والبترول واستيرادها من روسيا».
واضاف أن «التعاون الروسي المصري سيشمل ايضاً طرح رؤية روسيا في تطوير المصانع التي تم تشييدها في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خلال حقبة الخمسينيات، واعادتها للعمل بعد توقفها طيلة السنوات الماضية»، لافتا الى ان «الحكومة الروسية اعلنت في وقت سابق عن عزمها انشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين في مدن القناة، والمشاركة بفاعلية في مشروع تنمية محور قناة السويس».
من جهتها، قالت استاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة نورهان الشيخ، في حديث الى «السفير»، أن «الزيارة تأتي فى وقت مهم للغاية، حيث يعاد تشكيل التحالفات في النظام الدولي»، مشيرة إلى أن زيارة شخصية بثقل بوتين تعد «أهم زيارة دولية لمصر حتى اللحظة الراهنة».
وحول أبرز الملفات المتوقع مناقشتها خلال الزيارة، قالت الشيخ، الخبيرة في الشؤون الروسية، إن «الملف الأمني هو الأهم حالياً، فروسيا تمتلك خبرات فى مجال مكافحة الإرهاب من معدات وأجهزة، فضلا عن الخبرة في التدريب، الى جانب قدرات معلوماتية عالية جداً».
وتشير الشيخ الى ان «الملف الاقتصادي والتقني سيشغل حيزاً كبيراً من الزيارة، وهو يشمل قطاعات الطاقة والنفط والتعدين والسياحة والتبادل التجاري».
وتلفت الشيخ الانتباه الى ان «روسيا فرضت حظراً على المنتجات الأوروبية، مثل الألبان والفواكه والموالح، ما يمثل فرصة لمصر لكي تسد احتياجات السوق الروسية من هذه المنتجات».
وعلاوة على ذلك، تشير الشيخ الى انه «من المتوقع إثارة مشروع إنشاء مدينة صناعية روسية فى برج العرب في محافظة الإسكندرية، ومحطة نووية في الضبعة».
من جهته، اكد رئيس مجلس الأعمال الروسي المصري شامل ميخائيل أورلوف، في تصريحات صحافية، على أهمية الزيارة، لافتاً الى ان المحادثات ستتطرق إلى تحالفات دولية جديدة في ظل التطورات في المنطقة العربية.
واضاف ان أهمية الزيارة تكمن في كونها تعطي دفعة قوية لدعم التعاون بين مصر وروسيا، لافتاً الى ان القمة المرتقبة بين القيادتين المصرية والروسية ستسهم في حل العقبات الإدارية بما يدعم التعاون الاقتصادي بين البلدين، ومعرباً عن اعتقاده بأن بوتين سيجري مباحثات مهمة مع الرئيس السيسي في قضايا مهمة أخرى، وخصوصاً في ظل الأجواء التي يعيشها العالم اليوم، والمخاطر الأمنية التي تتطلب إقامة تحالفات جديدة.
من جهته، اشار رئيس الجمعية المصرية الروسية للعلوم ومستشار وكالة الفضاء الروسية في مصر الدكتور حسين الشافعي، في حوار مع وكالة «سبوتنيك» الروسية، الى احتمال أن تتصدر مكافحة الإرهاب وحل الأزمة السورية جدول اعمال اللقاء بين بوتين والسيسي.