افراسيانت - حلمي موسى - لم تكن إسرائيل بحاجة لعملية أمس في مزارع شبعا لتعي أن «حزب الله» ليس في وارد التسليم بالمعادلة التي تنوي فرضها عليه، فقد أدركت ذلك من خلال القذائف التي يعتقد ان الحزب اطلقها من الأراضي السورية نحو الجيش الإسرائيلي في الهضبة السورية المحتلة.
لكن الرد الإسرائيلي على رد «حزب الله» المفترض من سوريا كان مستخفاً بعض الشيء، عندما تعامل مع الأمر على أنه نوع من إثبات القدرة ليس إلا. وربما أن هذا ما قاده إلى الرد باتجاه مواقع للجيش السوري، على أمل أن تحمل رسائل متشددة، وتصرَّف مطمئناً بأن استمر في فتح موقع جبل الشيخ السياحي أمام الزوار. لكن أحداث مزارع شبعا أعادت رسم القلق على وجه الإسرائيلي، وأبقته في حرج إزاء التطورات اللاحقة: هل نحو تهدئة أم تصعيد؟ هل نحو حرب شاملة أم حرب استنزاف؟
ويشير المعلقون في غالبية وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن الأحداث التصعيدية في الجولان قادت الجيش الإسرائيلي للاعتقاد بأن هذا ليس مجرد انزلاق للأحداث، وإنما فعل مبادر من جانب «حزب الله» وببصماته المباشرة. ولاحظ عدد منهم أن هذا ليس الرد الذي ينتويه «حزب الله» على استهداف الجيش الإسرائيلي لعدد من كوادره ولجنرال إيراني. بل لاحظ معلق في «يديعوت أحرونوت» أنه «ينبغي الافتراض أنه لو كان حزب الله يرغب في إلحاق إصابات في الجولان لكان بوسعه عمل ذلك بسهولة».
وربما لهذا السبب يضيف معلق «يديعوت» أنه لذلك «يبدو أن الحادثة أمس (الأول) هي محاولة من حزب الله وإيران لإعادة وضع قواعد اللعب أمام الجيش الإسرائيلي: ليست عمليات بوتيرة متدنية على الجدار الفاصل، بل الانتقال إلى إطلاق صواريخ استنزافية من جهة سوريا في كل توقيت يرونه مناسباً. وهكذا، من جهة ينجح حزب الله في أن يشوش بشكل لا يطاق حياة سكان الشمال ونشاطات الجيش الإسرائيلي الذي لا يزال ينتظر عملية كبيرة. ومن جهة أخرى لا يعرِّض نفسه لضغط نفسي، أساسه الخوف من رد إسرائيلي في لبنان».
وبحسب هذا المعلق فإنه «إذا كان الجيش الإسرائيلي يريد صد الجبهة الجديدة في الجولان، فليس بوسعه الاكتفاء بإطلاق 20 قذيفة نحو مصادر النيران. عليه أن يقرر قواعد جديدة ومتشددة رداً على كل نار نحو الأراضي الإسرائيلية، وإلا في أفضل الأحوال سيغلق موقع جبل الشيخ كل اثنين وخميس، وفي أسوأ الأحوال سيعودون إلى إنشاد: يا ابنتي، أتبكين أم تضحكين».
ويؤكد هذه النظرة أيضاً المعلق العسكري في صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من حكومة بنيامين نتنياهو، يوآف ليمور الذي كتب مقالة بعنوان «الجولان ساحة للنشاطات الإرهابية». وقد استبق عملية مزارع شبعا ليرى استحالة أن تكون القذائف من الجولان هي «رد حزب الله على تصفية رجاله في الأسبوع الماضي. إنها ليست أكثر من تسخين الجبهة، والاستعداد لما سيأتي، والرسالة واضحة: جبهة الجولان هي جبهة فاعلة وستُستخدم للعمليات».
وفي كل حال أشار ليمور إلى أنه يفترض أن إطلاق القذائف من الجولان يهدف «للتوضيح لإسرائيل أنه على الرغم من تصفية (جهاد) مغنية إلا أن الجولان سيبقى ساحة للنشاطات الإرهابية ـــ مع التشديد على الرد الذي تنفذه إسرائيل ضد إرساليات السلاح. ومن الأسهل لحزب الله الرد من الحدود السورية لكي يُبعد عن نفسه الشبهات، ولكنه يعلم ما هو المأزق الإسرائيلي: الحاجة إلى الرد على كل عملية من الجانب الآخر، والخوف من الرد الشديد الذي سيعتبر تدخلا في الحرب الأهلية السورية من ناحية أخرى». وقال إن إسرائيل ترد بشكل محدود حتى الآن، لكن عليها الاستعداد للأسوأ إذا ما نشطت الجبهة السورية وغدت بوابة لعمليات ضد إسرائيل.
وثمة أهمية لما ختم به ليمور مقالته: «في اللحظات الأخيرة، وبعد أن توقف إطلاق النار أمس بدا أن هذه العملية قد انتهت. وعندما اتضحت الصورة تنفسوا في إسرائيل الصعداء، ولكن للحظات فقط. فمجرد الشعور بأن حزب الله لم ينتقم بعد كما أقسم أن يفعل، يلزم الجيش الإسرائيلي أن يستمر في الحفاظ على حالة الاستعداد القصوى غير المسبوقة التي تجري الآن على جانبي الحدود السورية واللبنانية. وهو يعرف أن الحديث يدور عن أيام صعبة، ستشكل الواقع الحقيقي المستقبلي في الشمال». وبرغم ذلك و «حالة الاستعداد القصوى» وقعت عملية مزارع شبعا التي سيتردد صداها طويلاً.
ولكن المعلق العسكري للقناة العاشرة ألون بن دافيد، الذي ينشر تعليقاته أيضاً في «معاريف الأسبوع»، كان أكثر حسماً في ترجيحاته، فالجولان لا يمكن أن يغدو ساحة مواجهة بل «أصبح حقيقة مؤكدة. لقد صار الجولان ساحة مواجهة». وأشار إلى وجوب إدراك أن الحزب «مصمم على تحقيق حلم جهاد مغنية بفتح خط مواجهة جديد مع إسرائيل في هضبة الجولان». ولاحظ أن قذائف الجولان ليست سوى «الطلقة الأولى في معركة جيدة لم ترسم حدودها بعد».
ومضى بن ألون ليقول إن «حزب الله»، الذي يبحث منذ الغارة على كوادره في مزارع الأمل في القنيطرة، عن «عملية توجع إسرائيل ولا تجر لبنان إلى حرب» أسهل له أن يعمل من الجولان. فهناك لا توجد مصلحة في أن تقود أحداث هناك إلى حرب في لبنان، كما أن بالوسع التحكم بارتفاع اللهيب.
ويرى أن الرد الواسع من جانب إسرائيل يمنح شرعية لـ «حزب الله» لمواصلة القتال من الجولان، لذلك «فإن قصف أمس كان إشارة وإظهار نيات من قبل حزب الله. وقد ردت إسرائيل على الإشارة بالمثل، ولم تُقل بعد الكلمة الأخيرة». وفي نظره «سيستمر الطرفان في محاولة رسم خطوط المعركة المقبلة، بينما يحاول كل طرف معرفة ما هي حدود الطرف الأخر. حزب الله سيحاول تظهير صورته كتنظيم مقاومة، ولكن من دون المجازفة بمواجهة واسعة. الطرفان يدركان جيداً القوة التدميرية لكل منهما. معنى ذلك انه ستُسمع في الجولان صفارات إنذار أخرى، وسنرى أيضاً محاولات للنيل منا، ليس بصورة يومية وليس على طول الخط، ولكن في شمال الهضبة، حيث ما زال هناك موقع تحت سيطرة (الرئيس بشار) الأسد. وستحاول إسرائيل ردع حزب الله عن التحدي، وسيحاول كلاهما الامتناع عن إشعال حرب».