عرض روسي مزدوج لدفع الحوار السوري - السوري نحو مسار تفاوضي.
«افراسيانت - محمد بلوط - ورقة مبادئ موسكو» التي أخرجها فيتالي ناومكين، مدير اللقاء التشاوري، ليطرحها على الحكوميين والمعارضين، وخريطة الطريق نحو الحل السياسي، التي استهل بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اجتماعه بالمتحاورين السوريين.
كلا «المبادئ» والخريطة ستشكلان الأرضية التي سيقيم الروس والسوريون عليهما إعلاناً من المبادئ المشتركة، كبيان ختامي اليوم، وتسمح بتحديد الموعد المقبل للحوار السوري، ومنح الحاضرين مهلة شهر للعودة إلى موسكو، وربما إلى الأستانة في كازاخستان على ما تقوله تسريبات روسية، وهي مهلة ضرورية للروس لتوسيع قاعدة المشاركين، ممن تخلفوا هذه المرة، وقد تستكمل خلاله المعارضة إعادة الهيكلة والفرز، خصوصا في «الائتلاف الوطني السوري»، وتنضم بعض وجوهه إلى العملية السياسية.
أما «ورقة مبادئ موسكو»، فقد حوَت مقدمة سياسية عامة، تعيد أسباب الأزمة إلى انتشار العنف، وتوسّع الإرهاب، وهو ما يقول عنه أمين سر «هيئة التنسيق» في المهجر ماجد حبو بأنه يتجاهل حقيقة الأزمة الوطنية الداخلية السورية.
وأثار نص الورقة، على اعتبار ما جاء فيها من بنود «أسسا للحوار السوري - السوري»، تحفّظاً وقلقاً معارضاً من أن تتحول إلى مرجعية جديدة، تضعف جنيف. وتضم الورقة ثمانية بنود، تدعو إلى الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها، ومكافحة الإرهاب، وتسوية الأزمة على أساس توافقي وفق بيان جنيف، وتقرير مستقبل سوريا على قاعدة التعبير الديموقراطي الحرّ، ورفض أي تدخل خارجي، والحفاظ على الجيش السوري، كرمز للوحدة الوطنية، وسيادة مبدأ دولة القانون والمواطنة، وعدم قبول أي تواجد مسلّح على الأراضي السورية، من دون موافقة حكومتها.
وقال معارض سوري، شارك في الحوار، إن المعارضة قرأت ورقة «مبادئ موسكو»، وكأنها ورقة أعدّها الوفد الحكومي، وقام الروس بتقديمها بدلاً منهم. لكن رئيس الوفد السوري بشار الجعفري قال، خلال الحوار، إن دمشق لم تتدخل في إعداد الورقة، لكنها تتبناها كلياً.
أما ما يمكن اعتباره خريطة طريق، فهو انحياز لافروف، في مداخلته أمام المتحاورين، إلى تقديم حلّ الأزمة الإنسانية على ما عداها، وتأجيل القضايا الخلافية السياسية. لكن الديبلوماسي الروسي استخدم لغة تقترب من اللغة الحكومية السورية أكثر مما تقترب من مقاربة المعارضة، على ما قاله معارض سوري بارز، لكنها تستحق البناء عليها.
وقال لافروف إنه ينبغي الانتقال إلى مناقشة أرضية التوافق الوطني حول علمانية الدولة ووحدة أراضي سوريا وسيادتها، موضحاً أن «ذلك سيتطلب مفاوضات غير بسيطة تهدف إلى الاتفاق على إجراءات محدّدة لتعزيز الثقة بين الحكومة السورية وقوى المعارضة السياسية والمجتمع المدني، والمضي قدماً في تجميد القتال في مناطق معيّنة، ورفع العوائق أمام توريدات المساعدات الإنسانية، وتسوية أوضاع المقاتلين الذين ألقوا السلاح والإفراج عن المعتقلين غير المتورطين في جرائم الإرهاب».
وهي كلها نقاط تتقاطع مع مسودة النقاط العشر التي توصلت إليها المعارضة في موسكو، وتدعو فيها أيضا إلى ولوج الحل من بوابة بناء إجراءات الثقة. وليس جليا ما إذا كانت الإشارة في تصريحه إلى اتصالات مع المصريين تهدف إلى احتواء ما يقوله الروس إنه محاولات مصرية للدخول إلى العملية السياسية في سوريا، أو انه كما يقول معارض سوري شارك في انجاز اتفاق القاهرة، بين بعض أجنحة المعارضة، إشارة مهمة إلى تنسيق روسي - مصري سيتطور خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القاهرة بعد عشرة أيام.
ويقول معارضون، في موسكو، إن الكرة في ملعب الروس إذا ما أرادوا استكمال العملية التي بدأت. إذ يتطلب إنجاح كلا الخريطة وورقة المبادئ، بعد انتهاء النقاش حولها اليوم، إقناع موسكو حليفها السوري بتقديم تنازلات «إنسانية» لا بد منها، حتى ولو كانت في الإطار الذي تحدث عنه لافروف. وستقدم المعارضة مقابل تلك التنازلات استعدادها لمواصلة المفاوضات في موسكو، والانخراط في حملة وطنية لرفع العقوبات الدولية عن سوريا، وتوسيع ورفع مستوى التمثيل في الجولات المقبلة.
ويأتي اللقاء الحواري الأول بين المعارضة والحكومة السورية من دون أي قيود بروتوكولية. الطاولة مستطيلة، المقاعد متقاربة، ولا حاجة لأي وسيط بين رئيس الوفد الحكومي السوري بشار الجعفري، وبين نده زعيم «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي صالح مسلم محمد. بل إن الحضور الحكومي والمعارض، اختلطت صفوفه ووجوهه، من دون تحفّظ أحياناً. لكن الودّ المهذّب الذي يمليه ازدحام السوريين في قاعة واحدة، لن يفضي، كما أوضحت مداخلات المتحاورين، إلى تقديم أي تنازلات جوهرية من الطرفين، سواء في ترتيب الأولويات، إنسانية أو سياسية أو عسكرية، أو في التوافق الفوري، لكن تسريبات رافقت الجلسة، بوجود توجيهات رئاسية سورية بإنجاح لقاء موسكو، خففت من بعض التشاؤم الذي أصاب المعارضين بعد سماع مداخلة الجعفري.
وقرأ المعارضون في مداخلة الجعفري تراجعاً رسمياً عن خطاب أكثر انفتاحا في جنيف، بل إن الجعفري لم يأت في مداخلته على ذكر جنيف مرة واحدة. وقدم الجعفري قراءة لموسكو، تجعلها مكاناً لتبادل الأفكار والآراء، أما الحوار الحقيقي والمفاوضات فتجري في دمشق. ولكن مندوب سوريا في الأمم المتحدة لم يستبعد في المناقشات التي تلت المداخلة، العودة مرة أو مرتين إلى موسكو للقاء المعارضة.