افراسيانت - ما أن وطئت قدما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أرض مطار اللد عائداً من واشنطن، حتى أعلن أن «العالم سمع رأي إسرائيل في الاتفاق السيئ الذي يتبلور مع إيران».
لكن من ردود أفعال كبار المسؤولين الأميركيين، والتي أكدت أن خطابه أمام الكونغرس لم يحمل أي جديد، يتبين أن مراهنة نتنياهو الكبرى هي على أثر هذا الخطاب على الناخب الإسرائيلي. وقد استقبلت معظم الصحف الإسرائيلية نتنياهو بمقالات انتقادية ركزت على أن البلاغة اللغوية ليست بديلاً للسياسة الحكيمة التي افتقر إليها رئيس الحكومة بإصراره على إهانة الرئيس باراك أوباما في أميركا.
وقال نتنياهو، فور هبوط طائرته في مطار اللد في نوع من الرد على أوباما الذي أعلن أن الخطاب أمام الكونغرس لم يعرض أي بديل، انه «بعد زيارة الولايات المتحدة، أعود إلى إسرائيل بمعرفة أن الكثيرين في أرجاء العالم سمعوا ما لدى إسرائيل لتقوله عن الاتفاق السيئ الذي يتبلور مع إيران. في خطابي في الكونغرس اقترحت بدائل عملية، كتلك التي من ناحية تطيل لسنوات المدى الزمني الذي تحتاجه إيران لامتلاك سلاح نووي إذا قررت انتهاك الاتفاق، عبر قيود أشد».
وأضاف ان «البديل العملي ذاته الذي عرضته على الكونغرس يقترح أيضا عدم الإزالة التلقائية للعقوبات عن إيران، إلى أن تكف عن نشر الإرهاب في أرجاء العالم، وعن الأعمال العدوانية ضد جاراتها وعن تهديداتها بإبادة إسرائيل. والرد الذي تلقيته، سواء من الديموقراطيين أو الجمهوريين، كان مشجعاً جداً، وانطباعي أنهم يفهمون أفضل لماذا هذا الاتفاق سيئ، وما هو البديل الصائب لهذه الصفقة».
وفي كل حال، ركز كثير من الساسة والمعلقين على واقع أن خطاب نتنياهو كان في الغالب «كلاماً في كلام». وحاول بعض الخبراء تحليل الخطاب لجهة العبارات التي استخدمت فيه، فوجدوا مثلا أن إيران ذكرت 107 مرات، وأن كلمة نووي 46 مرة، والاتفاق 40 مرة، في حين أن كلمة السلام مرت فقط خمس مرات. وفي نظر خبراء فإن كلمات مثل «إيران» و «نووي» صارت مضجرة جداً للإسرائيليين، بحيث يصعب أن تؤثر فيهم، خصوصا أنها على لسان نتنياهو منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي.
ومن الواضح أن التفاعل الإسرائيلي مع خطاب نتنياهو في الكونغرس لم يغير من واقع الاستقطاب القائم، فاليمين الإسرائيلي رأى في الخطاب انتصاراً كبيراً وفتحاً عظيماً وضع نتنياهو في أرفع مصاف القادة، لكن الناخب الاعتيادي حاول أن يرى أثر هذا الخطاب على حياته اليومية، وعلى أمنه الشخصي، وتقريباً لم يجد أي تغيير. وفي المقابل، فإن خصوم اليمين، سواء في الوسط أو المعسكر الصهيوني أو اليسار، أصروا على أن الخطاب كان ضاراً وعديم الأثر الإيجابي، بل ان زعيم «إسرائيل بيتنا» أفيغدور ليبرمان قال، لصحيفة «معاريف»، إن الأقوال جيدة، لكن المطلوب هو الأفعال.
وشكل الخطاب وسيلة للسجال بين اليمين واليسار في إسرائيل. وفيما أيد معظم قادة اليمين الخطاب بكل جوارحهم، عارضه كل قادة الوسط واليسار. ورغم التنافس بين أحزاب اليمين، أيد الخطاب بشدة زعماء «البيت اليهودي» و»شاس»، وشاركوا في الرد على انتقادات قادة «حزب العمل» له.
وقد انتقد رئيس «المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ بشدة خطاب نتنياهو، ووصفه بأنه لم يسهم قيد أنملة في إيقاف المشروع النووي الإيراني. وقال إن «الحقيقة المؤلمة هي أنه بعد التصفيق، بقي نتنياهو وحيدا، وإسرائيل بقيت وحيدة، والمفاوضات مع إيران ستستمر من دون مشاركة إسرائيلية. هذا الخطاب يمثل التخريب الأشد للعلاقات الأميركية- الإسرائيلية. إنه لن يغير موقف الإدارة، وفقط سيوسع الهوة مع صديقتنا الكبرى وحليفتنا الإستراتيجية».
وحسب هرتسوغ فإنه «لا ريب في أن رئيس الحكومة خطيب مفوه، لكن علينا الإقرار بالحقيقة. الخطاب الذي سمعناه، وبقدر ما يكون مذهلاً، لم يوقف المشروع النووي الإيراني، وهو أيضا لن يؤثر على الاتفاق المتبلور، لا جوهرياً ولا على جداوله الزمنية».
ووصفت زعيمة «ميرتس» زهافا غالئون الخطاب بأنه «خطاب تخويف كاذب، يتظاهر بأننا ضحية، وفي الأساس صادم لكمية اليأس وانعدام الأمل الذي يعرضه على إسرائيل والعالم». وأضافت «كالعادة نتنياهو غير مؤهل لأن يقترح علينا أي شيء إيجابي، أي خطة عمل، أي مبادرة. في السنوات الست الأخيرة حول نفسه إلى العجوز الغاضب في الديبلوماسية الدولية. بعد هذا الخطاب صار ببساطة عديم الصلة. فهو لن يهاجم إيران، وهو جبان ويعرف أنه ليس في إسرائيل أحد جاهز لتأييده في أي خيار حرب، بل أنه شخصيا لم يتجرأ حتى بالتهديد بذلك هذه المرة».
وحمل زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت على منتقدي نتنياهو. وقال أن «سلوك كل من هرتسوغ وتسيبي ليفني ويائير لبيد مخجل».
كما حمل قادة «الليكود» بشدة على هرتسوغ، وقالوا، في بيان، إن «هرتسوغ واليسار أثبتوا أن أمن إسرائيل مهم لهم أقل من الاعتبارات السياسية الشخصية». وأشار رئيس الكنيست يولي أدلشتاين إلى أنه «خلافا لكل التوقعات السوداوية، استقبل الكونغرس رئيس الحكومة بقاعة مليئة، في جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب، ونال تصفيقاً عاصفاً. آمل أن يشكل الخطاب نقطة تحول في كل الموقف من الاتفاق مع إيران».
وكتب حيمي شاليف، من واشنطن في «هآرتس»، أن خطاب نتنياهو أمام الكونغرس كان دعاية انتخابية بقيمة مليارات الدولارات، لكن ليس بالضرورة أثر على المفاوضات الجارية مع إيران. وأشار إلى أن أعضاء الكونغرس استقبلوا نتنياهو وكأنهم أعضاء في «مركز الليكود»، ولم يكن ينقص «سوى أن يحمله الأعضاء الجمهوريون على الأكف ويهتفوا: نتنياهو ملك إسرائيل.. فليس بالأمر الهين أن برلمان القوى الأعظم في العالم يستقبل زعيما إسرائيليا كمعبود جماهير وكبطل قومي».
واعتبر شاليف أن نتنياهو حظي بدعاية انتخابية ذات قيمة عالية جداً، لكن «ليس واضحاً إن كانت تؤثر على الناخبين، خصوصاً ناخبي اليمين الذين يدور عليهم الصراع هذه الأيام. وفي تاريخ المناورات الانتخابية، يصعب جداً العثور على نظير للعمل الإخراجي الهائل، بمشاركة آلاف الممثلين الرفيعي القيمة وفي الاستديو الأغلى في العالم، المتمثل بخطاب نتنياهو عن إيران».