افراسيانت - نجاة شرف الدين - غادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واشنطن، بعد خطاب ناري ضد إيران، من منبر قاعة مجلس النواب الأميركي، تاركاً الانقسام قائماً حول ظروف الزيارة بكاملها، بما في ذلك الخطاب الذي قاطعه نحو 60 عضواً من مجلسي النواب والشيوخ الديموقراطيين.
وجاءت تلك الخطوة، برغم إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن رفضه استقبال نتنياهو، في موقف اعتراضي على استخدام الكونغرس منصّة لحملته الانتخابية بعد أسبوعين في إسرائيل.
لكن موقف اوباما الاعتراضي لم يترك تأثيرات بارزة على حماسة الحضور، وتصفيقات الحاضرين، التي تجاوزت الأربعين مرة وقوفاً خلال الخطاب الذي قاربت مدّته الساعة، بسبب وقت التصفيق الإضافي.
وتزامنت زيارة نتنياهو رسالة اعتراض اوبامية اخرى، تمثلت في اجتماع عقده وزير خارجيته جون كيري في جنيف للمرة الثالثة مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في محادثات ماراثونية مع اقتراب الموعد المحدد في نهاية شهر آذار الحالي لتوقيع الاتفاق المبدئي مع إيران بشأن برنامجها النووي.
أوباما الذي حرص من خلال البيت الأبيض على تمرير رسالة قبيل الخطاب بأنه لن يستمع إليه لانشغاله باجتماع حول أوكرانيا، سارع في نهاية الخطاب إلى تسريب خبر، نُقل عبر مصدر رسمي في الإدارة الأميركية، وعبّر فيه عن استيائه البالغ مما حصل.
وأشار أكثر من معلق قريب من الديموقراطيين إلى أن الكلام الذي صدر عن نتنياهو، ولو شكّل في بدايته محاولة لخطب ودّ أوباما من خلال شكره على كل ما فعله من أجل إسرائيل، إلا أنه بدا، من خلال الحديث عن الاتفاق السيء مع إيران، محاولة للضغط على أوباما لتأجيل هذه العملية لا بل استبعادها لوقت طويل.
السيناتورة الديموقراطية اليهودية دايان فينشتاين، التي فشلت وزميلها السيناتور ريتشارد دربن في اقناع نتنياهو بإلغاء كلمته والاكتفاء بعقد اجتماع مع الديموقراطيين في الكونغرس، وصفت خطاب رئيس الحكومة الاسرائيلية بـ «الجيد»، وإن كانت «لم تَر فيه جديداً يتعلق بالبدائل، وهو السؤال الدائم، خاصة أن لا شيء نهائياً حتى اليوم، ومن المبكر الحكم على الاتفاق (النووي) إذا كنا لسنا متأكدين أنه لم يتجاوز الخطوط الحمر»، مقترحة أن يكون «اتفاقًا طويلاً لمدة ما بين 15 و20 عاماً».
اما النائب الديموقراطي لويس غويتاريس، الذي حرص على مشاهدة الخطاب من مكتبه من دون النزول إلى القاعة، فقال إنه كان يفضّل أن يكتفي نتنياهو بخطاب «إيباك»، وأن يقول ما لديه من هناك.
وفي ما يتعلق بإيران، اعتبر غويتاريس أن «خيار الحرب يبقى موجوداً إذا كنا نريد الذهاب إليه، ونحن لن نسمح باتفاق غير جيد مع إيران».
في المقابل، عبّر الرئيس السابق لمجلس النواب الجمهوري نوت غينغرتش، الذي حضر الخطاب في القاعة، عن دعمه لما قاله نتنياهو، ملقياً باللوم على أوباما لتصرفه بحدة في الأسبوعين الماضيين في موضوع الزيارة، ومشيراً إلى أن الأكثرية في الكونغرس ضد هذا الاتفاق، وأن هذا موقف يتشارك فيه اعضاء من الحزبين.
وقال غينغريتش: «أنا مع تشديد العقوبات، ونحن في الكونغرس نستطيع ذلك، ومع سعر النفط المنخفض ستُجبر إيران على القبول بأشياء لم تكن لتقبل بها سابقاً وتتخلى عن نياتها النووية»، وهو ما يلتقي مع ما طلبه نتنياهو برفض الاتفاق والإبقاء على العقوبات، معتبراً أن إيران في حاجة إلى الاتفاق أكثر من الولايات المتحدة.
الترحيب الجمهوري بنتنياهو عبر عنه أيضاً النائب عن كارولينا الشمالية روبرت بيتنغر، الذي أعرب عن سعادته بحضور نتنياهو، ووصفه بأنه «تشرشل أيامنا»، قائلاً إن «أوباما يرفض رؤية حقيقة إيران كما هي».
الخطاب الأكثر جدلاً، والذي أجمعت الآراء على عدم تقديمه بدائل جدية للتفاوض، وهو ما عبّر عنه أوباما في كلامه من البيت الأبيض بعد الخطاب، جعل معظم المراقبين يتوقفون عند تأثيرات ذلك على العلاقة الأميركية الإسرائيلية.
وبرأي السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن إنديك، فإن تلك العلاقة في وضع سيّء، وهو ما يدعو إلى الحزن، معتبراً أن إسرائيل دخلت في السياسة الداخلية الأميركية الحزبية وهذا امر مؤسف.
ويلتقي كلام إنديك مع تحذيرات أطلقها الديموقراطيون حول الاستخدام السياسي لخطاب نتنياهو في المعركة الداخلية الأميركية، وهو ما بدا واضحاً في حالة الانقسام مع الجمهوريين، ولو أن نتنياهو شكر الحزبين على دعم إسرائيل.
نتنياهو، وبرغم جهده الخطابي الواسع، لم يقنع الكثيرين.
وبرغم ادعائه بأنه ونستون تشرشل العصر، وهو ما قاله بعدما شاهد فيلم «Imitation Game « على متن طائرته المتجهة إلى واشنطن، وإطلاقه توصيف تشامبرلين على أوباما في إشارة إلى تردده في التحرك حتى تجاه «الأعداء»، إلا أن كل الضجيج الذي أحدثه نتنياهو في خطابه يمكن اختصاره، برد أوباما عليه: «لا جديد».