طرابلس - افراسيانت - باتت القوات الموالية للحكومة اللبيبة قاب قوسين او أدنى من طرد تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" من سرت لكن خسارة الجهاديين معقلهم الأساسي هذا لا تعني إطلاقا خسارتهم ليبيا او حتى ارساء الاستقرار فيها لا بل انها تهدد بمزيد من الفوضى والعنف، بحسب محللين.
واطلقت القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في 12 ايار/مايو عملية برية وبحرية وجوية لطرد تنظيم "داعش" من شريط ساحلي يمتد بطول حوالى 200 كلم في شمال وسط البلاد ويشمل سرت، معقل التنظيم الجهادي في ليبيا، وهو هدف يبدو ان تحقيقه بات وشيكا بعد ان اضحى الجهاديون محاصرين في اثنين فقط من الاحياء السكنية في المدينة الساحلية.
ولكن حتى وان كانت خسارة سرت ستمثل هزيمة نكراء لتنظيم "داعش" فهي لن تعني باي شكل من الاشكال القضاء بالكامل على التنظيم الجهادي لان مقاتليه من ليبيين و"مهاجرين" (غالبيتهم من العرب) يمكنهم بسهولة ان يتفرقوا ويتخفوا وسط السكان مستغلين الفوضى السياسية والامنية السائدة في البلد منذ انهيار نظام العقيد معمر القذافي في 2011.
يقول ايثان كورين الرئيس والعضو المؤسس لمركز ابحاث "بيريم اسوشييتس" الذي يعنى بالشرق الاوسط وافريقيا، ان "مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية (...) برهنوا عن قدرة على الذوبان في محيطهم".
واكد انه اذا تم القضاء بالكامل على التنظيم الجهادي في سرت "عندها علينا ان نتوقع من تنظيم الدولة الاسلامية ان يغير استراتيجيته بحيث ينتقل الى شن حملة اوسع نطاقا واسهل انتشارا لإشاعة الرعب وبث الذعر"، متوقعا خصوصا ان يضرب الجهاديون "اهدافا متصلة بمصراتة وطرابلس".
واوجد تنظيم ابو بكر البغدادي موطئ قدم له في ليبيا في 2014 قبل ان يتمكن في حزيران/يونيو 2015 من ان يبسط سيطرته بالكامل على سرت لتصبح معقله الرئيسي ومركزا لتجنيد الجهاديين وتدريبهم وإعدادهم لشن هجمات داخل ليبيا وخارجها ايضا، كما لبث الذعر في قلوب الاوروبيين الذين وجدوا بين ليلة وضحاها قاعدة جهادية على بعد حوالى 300 كلم من سواحلهم الجنوبية.
والجمعة قال المسؤول في البنتاغون غوردون تروبريدج لوكالة فرانس برس ان التقديرات الاميركية تشير الى وجود "بضع مئات من الجهاديين في سرت" و"بضعة الاف منهم في كل انحاء ليبيا".
ولفت الى ان " التحالف (الدولي) وعلى غرار ما يفعل في العراق وسوريا، فانه يستند من اجل الحاق هزيمة نهائية ودائمة بتنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا (...) الى دعم قوات محلية مؤهلة ومندفعة لا تكون قادرة فحسب على دحر تنظيم الدولة الاسلامية اليوم بل ايضا على الحؤول دون ان يعاود رأسه القبيح الظهور مجددا".
من جهته يقول الصحافي والمحلل السياسي عبد الباري عطوان لفرانس برس ان "داعش خسر سرت ولكنه لم يخسر ليبيا، ولا سيما الجنوب حيث لديه حاضنة وحيث المنطقة رخوة اذ لا وجود هناك لدولة مركزية او لميليشيا واحدة مسيطرة".
ويضيف الخبير في شؤون الجماعات الجهادية ان "الجهاديين خسروا سرت" مسقط رأس القذافي "ولكنهم لم يخسروا قبائل سرت، لأن المصالحة الوطنية لم تتحقق حيث ان قبائل كبرى كانت تاريخيا موالية لمعمر القذافي وجدت نفسها اليوم خارج السلطة ومهمشة".
ويلفت الى ان هذا التهميش "حدا ببعض ابناء هذه القبائل للالتجاء الى الدولة الاسلامية تماما كما فعل انصار صدام حسين في العراق (...) لانهم وجدوا في الدولة الاسلامية الملاذ او الخيمة".
وعن وجهة الجهاديين بعد سرت يقول المحلل السياسي انه "في العادة، الدولة الاسلامية تخسر مناطق فتنتقل الى اخرى مثل البدو الرحل، وتقديري انهم بعد سرت سيتجهون جنوبا".
ويضيف عطوان ان الجهاديين "لديهم في العادة خطتان: الخطة ألف تقوم على الاستيلاء على مناطق والتمكن فيها، والخطة باء تقوم على العمل تحت الارض، واليوم بات تطبيق الخطة الف صعبا على تنظيم الدولة الاسلامية لان القوى الكبرى اجتمعت ضده في سوريا والعراق والآن سرت، وبالتالي فهو سيطبق الآن الخطة باء، اي اسلوب القاعدة الذي لطالما كان ضده، اي ان ينكمش الجهاديون ارضا ويتوسعوا ارهابا".
وبحسب جيسون باك مؤسس موقع "آيز اون ليبيا" فان الانتصار على الجهاديين في سرت لا يعني ان حكومة الوفاق انتصرت في معركة تثبيت شرعيتها او ان البلد سيسير نحو الاستقرار، لا سيما بالنظر الى ما يجري في بنغازي، مؤكدا ان "اي مقاربة مستديمة لحل النزع في ليبيا تستدعي اعادة تقييم جذرية في قدرات حكومة الوفاق وشرعيتها في آن معا".
ويضيف ان الحل يستدعي ايضا "تدخلا دوليا (...) يسهم في توفير حد ادنى من الامن في المناطق السكنية ومستوى من التنمية كاف لوضع حد لاعتناق الفكر المتطرف".
ويحذر من انه "اذا كان من شأن تحرير سرت ان يعطي دفعا لحكومة الوفاق الوطني فهناك احتمال كبير بأن تواجه هذه الحكومة تحديا من قبل الميليشيات التي دحرت تنظيم الدولة الاسلامية في سرت" وابرزها تلك التي اتت من مصراتة، المدينة الواقعة في منتصف الطريق بين سرت والعاصمة طرابلس.
ويخشى باك من ان "هذه الميليشيات قد تقول ان من يقود المقاتلين هو من يجب ان يتولى السلطة السياسية في ليبيا وليس اصحاب الالقاب الذين يرتدون بزات جميلة".
ويؤيد الاميركي كورين هذا التحليل قائلا ان النصر في سرت لن يرسي استقرارا سياسيا او امنيا "لا بل انه يهدد بمرحلة من النزاع اكثر عنفا" لا سيما اذا وقعت مواجهة بين القوات الموالية لحكومة الوفاق في الغرب والقوات الموالية للبرلمان في الشرق.