افراسيانت - محمد الأحمد - اقتراب قوات هادي من صنعاء لا يعني انتصارها على الحوثيين وقوات صالح؛ إذ تشهد جبهات القتال عمليات كر وفر تنبئ بألا منتصر في القتال.
لم يخطئ وزير الخارجية اليمني عبد الملك المخلافي حين تحدث عن اقتراب القوات الحكومية من صنعاء، لأن الواقع يؤكد ذلك. إذ تدور المواجهات في منطقة نقيل بن غيلان في مديرية نهم شمال شرق العاصمة اليمنية؛ وإذا ما تمكنت القوات الموالية لهادي من تجاوز منطقة النقيل، فإنها ستكون على بعد ثلاث قرى من مدخل صنعاء؛ وهي أقرب نقطة تصل إليها القوات الحكومية منذ سقوط المدينة بيد الحوثيين في نهاية سبتمبر/أيلول من عام 2014.
والمسؤولون في اليمن يدركون جيدا أن الوصول إلى أحد مداخل العاصمة لا يعني الانتصار النهائي، ولا يعني بالتأكيد أن المدينة ستسقط بسهولة؛ بل إن ذلك يشكل عامل قوة حول طاولة المفاوضات لا أكثر؛ إذ لا تزال هناك ثلاثة مداخل إلى المدينة بعيدة عن مرمى القوات الحكومية؛ كما أن المسافة الفاصلة بين المعارك الدائرة اليوم والعاصمة، وبتضاريسها المعقدة، تشير بجلاء إلى أننا إمام أشهر من القتال العنيف قبل الوصول إلى مديرية بني حشيش على مشارف صنعاء.
وفي المقابل، فإن ما يصدر عن "أنصار الله" والرئيس السابق من تصريحات تهوِّن من شأن الانتصارات، التي حققتها القوات الحكومية، لا يعكس حقيقة المفاجأة، التي حدثت باختراق ذلك الطوق القبلي والتضاريس الصعبة، والوصول إلى شرق المدينة، التي حرص هؤلاء على إبقائها بعيداً عن المواجهات، واستماتوا في سبيل أن تكون المحافظات البعيدة مسرحاً للقتال مهما كلفهم ذلك من تضحيات.
ووفقاً لمتابعين للملف اليمني، لا يمكن للحوثيين وحليفهم إنكار حقيقة أنهم هُزموا في المحافظات الجنوبية وفي مأرب والجوف، وأنهم يُستنزَفون في تعز والبيضاء وإب؛ ولا يمكن إغفال حقيقة المخاوف، التي تنتاب هذا الفريق، نتيجة تغير ولاء عدد من قبائل طوق صنعاء الى جانب السعودية، والقوات الموالية للرئيس اليمني، التي تتقدم نحو المدينة، وفي الساحل الغربي نحو ميناء الحديدة المهم.
بيد أنه لا يمكن إغفال حقيقة أن الحوثيين وصالح استطاعوا الصمود، وأنهم لا يزالون قادرين على المواجهة، وعلى صد محاولات كثيرة لاستعادة السيطرة على مدينة تعز، أو التقدم في الشريط الساحلي الغربي، أو الوصول إلى صنعاء.
وفي ظل هذه الحقائق، فإن الطرفين لا ينكران حقيقة استحالة انتصار احدهما على الآخر، ويؤكدان في كل مناسبة ضرورة الحل السياسي. لكن كلا منهما يرى هذا الحل وفقا لرغباته أو أمانيه من دون اعتبار لمأساة ملايين اليمنيين، أو إدراك أن الحرب مهما طال أمدها، فإنها لن تمكِّن أي طرف من الاستفراد بقرار اليمن، وأن الحوار والتنازلات القاسية هي المخرج الوحيد لإنهاء عذابات الملايين، الذين دمرت الحرب آمالهم وتطلعاتهم.
اليوم، وقد عجز البنك المركزي اليمني عن توفير اعتمادات استيراد المواد الغذائية الرئيسة، وهو على مسافة دانية من العجز عن دفع مرتبات الموظفين الحكوميين، فإن ما يريده اليمنيون هو أن لا يعيد المتحاربون تكرار النموذج السوري في القتال، لكي يقتنعوا بعد خمسة أعوام أن الحوار هو الوسيلة الممكنة لوقف الحرب ومعالجة المشكلات.
فالحرب في اليمن، وخلال اثني عشر شهرا، دمرت أكثر مما دُمِّر في سوريا طوال خمسة أعوام؛ وإذا ما قدر لها أن تستمر، فإن الأطراف المتحاربة ستجد نفسها بعد أقل من عام في مواجهة شاملة مع الجماعات الإرهابية، وستجد نفسها عاجزة عن حماية أتباعها، أو توفير احتياجات الناس من الغذاء.
وما هو مؤكد، ولا يحتاج إلى مزيد من الإثباتات،هو أن اليمن يدفع ثمن صراع إقليمي لا ناقة لمواطنيه فيه ولا جمل، وأن قرار إنهاء القتال أو الاستمرار فيه أصبح رهينة التنافس الإقليمي بين الرياض وطهران. ولهذا، فإن التطورات الإيجابية، التي يشهدها الملف السوري قد تساعد على وقف القتال في اليمن والبحث في إمكان إعادة بناء ماهدمته الحرب.