افراسيانت - سامر إلياس - حقق الإصلاحيون والمعتدلون مكاسب كبيرة في انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني ومجلس الخبراء. وتفتح النتائج على تغيرات جدية في السياستين الداخلية والخارجية.
وتفيد المعلومات الأولية بأن ائتلاف الإصلاحيين يتجه نحو فوز كبير على حساب المحافظين، الذين سيفقدون الغالبية في البرلمان الجديد.
وتخالف النتائج الحالية أمنيات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، الذي أعلن في أكثر من مناسبة عن تمنياته بأن يحافظ البرلمان على تركيبته الحالية، حيث يسيطر المحافظون على نحو 65 في المئة من البرلمان المؤلف من 290 نائبا.
وتعزز النتائج مواقع الرئيس الحالي حسن روحاني، وتساعده على فتح صفحة جديدة من العلاقات الدولية والإقليمية في مرحلة ما بعد الاتفاق النووي، ورفع العقوبات الاقتصادية عن الجمهورية الإسلامية.
ويظهر فوز الإصلاحيين جليا في العاصمة طهران بتصدر الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني في انتخابات مجلس خبراء القيادة، وحلول روحاني ثالثا؛ مقابل خروج المتشددين من ممثلي التيار الأصولي من السباق، واحتلال أحمد جنتي المركز قبل الأخير ضمن قائمة الفائزين.
ويكشف الإقبال الكبير على الانتخابات عن رغبة الطبقة الوسطى في إحداث التغيير، والبناء على المناخات الإيجابية بعد الاتفاق النووي، من أجل تجاوز الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وفك العزلة عن إيران.
وتوجه نتائج الانتخابات رسالة دعم واضحة لسياسة الرئيس الحالي روحاني في فتح البلاد أمام التجارة الخارجية والاستثمارات الغربية، عبر التخفيف من تمثيل المحافظين المناهضين للتقارب مع البلدان الغربية.
وتكمن أهمية فوز الإصلاحيين والمعتدلين، وإبعاد المحافظين في انتخابات مجلس قيادة الخبراء في طهران، باستثناء جنتي، في أنها تمهد لاختيار شخصية معتدلة في منصب المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية، في ظل أنباء تحدثت عن مرض خامنئي، البالغ من العمر 76 عاما، وخضوعه لعمليات جراحية في الآونة الأخيرة.
وفيما حملت النتائج مفاجأة كبيرة بخسارة الرئيس الحالي للمجلس محمد يزدي، ومحمد تقي مصباح اليزدي، المعروف بمعارضته الشديدة للإصلاحيين، ودعوته إلى العنف ضد أنصارهم بعد انتخابات الرئاسة عام 2009، فإن تصدر هاشمي رفسنجاني قائمة المرشحين في مجلس القيادة يعيد الاعتبار إلى رفسنجاني بعد الخلافات الكبيرة معه والضغوط الكبيرة عليه إثر إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد للرئاسة في 2009، وما رافقها من تظاهرات عرفت حينها بـ "الموجة الخضراء". ويعد رفسنجاني من مؤسسي الجمهورية الإسلامية، وقد تولى الرئاسة في الفترة من 1989 إلى 1997. وظل دائما تقريبا في قلب منظومة السلطة الإيرانية، ويشتهر ببراغماتيته وفطنته السياسية.
ومع فوز الإصلاحيين بجميع مقاعد طهران الثلاثين، ونتائج رسمية تشير إلى حصولهم على 23 في المئة من الأصوات، والمستقلين على 18 في المئة، والمحافظين على 36 في المئة في عموم الجمهورية، فإنه بات من الواضح أن سياسات الرئيس روحاني سوف تحظى بتأييد واسع في البرلمان، وخاصة في حال حصوله على تأييد بعض المحافظين المعتدلين، ما يطلق يديه في مخططاته لتحسين الأوضاع الاقتصادية حتى نهاية فترة حكمه في 2017.
ومن المعلوم أن دور البرلمان الإيراني يكاد ينحصر في القضايا الداخلية والاقتصادية، فيما يضطلع المرشد الأعلى بشؤون السياسة الخارجية. ومع عودة رفسنجاني إلى الواجهة بقوة وتعزيز روحاني لمواقعه، فإن حظوظ الإصلاحيين باتت أقوى في حال شغور منصب المرشد الأعلى على المدى المنظور، ما قد ينعكس إيجابا على علاقات إيران الإقليمية والدولية، وربما فتح على تفاهمات مع بلدان الجوار، وإنهاء حالة العداء مع عدد من البلدان العربية.
وعلى الرغم من عدم تعويل خبراء على تغيرات جدية في إيران، نظرا للنفوذ المهيمن للمؤسسة الدينية المحافظة، ومنها مجلس صيانة الدستور، الذي يراجع جميع القوانين التي يقرها البرلمان، فإن النتائج تعد استفتاء واضحا يدعم سياسة الانفتاح، وتمهيدا لتغيرات جدية في النخب الحاكمة في الجمهورية الإسلامية بعد نحو أربعة عقود على الثورة.
وأيا كانت الانتقادات الموجهة إلى نظام الحكم المعقد في إيران، فإن الهامش المفتوح يمنح الشعب إمكانية للتعبير عن رأيه، والتأثير في السياسات الداخلية، وقد يلعب دورا في اختيار المرشد الأعلى المقبل للسياسة الخارجية.
ولعل الأهم هو أن التجربة الديمقراطية الإيرانية، على عيوبها، هي أفضل بكثير من الحكم الفردي أو العائلي وغياب الديمقراطية، وهي العوامل التي تسببت في تأخر بلدان كثيرة في الشرق الأوسط، وفي الاحتكام إلى الانقلابات والثورات من أجل التغيير، الذي لا توجد ضمانة في أنه سوف يكون نحو الأفضل.