افراسيانت - بدأ العراق خلال الأشهر الأخيرة مرحلة جديدة، بعد سلسلة المتغيرات الأمنية والسياسية التي عصفت بالبلاد عقب دخول تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» - «داعش» على خط الأزمات المتكررة، والتي نشبت في بلاد الرافدين نتيجة للاحتلال الأميركي في العام 2003، وما تلاه من تكريس لمعادلات تتناسب مع ما يكفل المصالح الاميركية.
وطبعت الأحداث الأمنية وحركة القوى السياسية مؤخراً شكل هذه المرحلة، خصوصاً بعد التغيير الحكومي الصيف الماضي، وما تبعه من خطوات كان رئيس الوزراء الجديد حيدر العبادي قد تعهد بالقيام بها عقب تسلمه منصبه، لا سيما مسألة استحداث آليات جديدة من أجل «مواجهة» تنظيم «داعش» في المناطق التي نجح في السيطرة عليها بسهولة، مثل إعادة إحياء «الصحوات»، والعمل على تشكيل منظومة «الحرس الوطني»، في موازاة «تعزيز الأقاليم»، وإعادة بعض القوى السياسية إلى واجهة العمل السياسي، خصوصاً تلك التي عارضت رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
ولم تعد طبيعة التقسيمات الطاغية في هذا الإطار خافية على أحد، حيث كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الربط بين دور العشائر «السنّية» في قتال «داعش»، وإعادة عدد من الشخصيات أو الأحزاب (السنّية) إلى الحياة السياسية، وهو ما أبدى العبادي انفتاحاً تجاهه في أكثر من مناسبة، خصوصاً أنه يأتي بطلب أميركي مكرّر وملحّ.
وبالرغم من توالي المؤتمرات التي حاولت جمع مختلف القوى العشائرية والأحزاب السياسية التي تقدم نفسها كممثل للطائفة السنية في العراق، وخصوصاً مؤتمر العشائر الأخير في أربيل، إلا أنّ توجّهات عدّة، وخلافات جدّية بين هذه القوى لا تزال تطغى على إمكانية الخروج بموقف موحد.
ويَسعى نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وشقيقه محافظ نينوى أثيل النجيفي وعدد من الشخصيات التي شاركت في العملية السياسية عقب الاحتلال مثل نائب الرئيس العراقي الأسبق طارق الهاشمي ووزير المالية الأسبق رافع العيساوي، وأحد أبرز وجهاء العشائر الشيخ علي حاتم سليمان، إلى البقاء في واجهة هذه القوى.
وضمن إطار التباينات الظاهرة، اتهم «رئيس هيئة إفتاء أهل السنة والجماعة في العراق» الشيخ مهدي الصميدعي، في برنامج تلفزيوني، نائب رئيس الجمهورية أسامة النجيفي بتأسيس ما أسماه «داعش البرلمان»، واصفاً إيّاه بأنه «مخرّب العراق».
كما كشف الصميدعي عن قيام «الحزب الإسلامي» ورئاسة ديوان الوقف السني بـ «إنفاق 350 مليار دينار على ساحات الاعتصام»، معتبراً أن «الحزب هو السبب الرئيس في الكارثة التي يمر بها سنة العراق».
وفي هذا السياق، تحدّث أحد وجهاء عشائر الأنبار الشيخ رعد سليمان محمّلاً الكتل السياسية «السنّية» مسؤولية الخلافات الحاصلة، موجّهاً اتهامه لكتلة «متحدون»، وهي كتلة نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي، بالسعي «إلى خلق الفتنة من أجل مكاسب انتخابية».
وقال سليمان، وهو إحدى شخصيات «مؤتمر عمان الأول» المعارض، إن «الخلاف السني - السني زرعته الكتل السياسية السنية نفسها، وتحديداً كتلة «متحدون» كونهم يسيطرون على الشارع السني انتخابيا، وهم وظّفوا هذا الخلاف وعملوا على شق الصفوف من أجل الكسب الانتخابي على حساب دماء الآخرين، وزرعوا الفتنة ما بين السنة أنفسهم، وقاموا بالترويج للفتنة ولجو العداء تجاه التحالف الوطني، وحزب الدعوة والتيار الصدري والمجلس الأعلى»، كما اتهم «الحزب الاسلامي» و «المتطرفين من أبناء السنة» بتأجيج هذه الخلافات.
ونفى سليمان وجود موالين من «أهل السنة» لتنظيم «داعش» بالفكر، معتبراً أن هناك أناسا حملوا السلاح للمطالبة بحقوقهم بسبب انتهاك كرامتهم، وزج أبنائهم في السجون، ولكنهم حُسبوا على التنظيم المتشدد.
ويتواصل الجدل بين العشائر العراقية بشأن مصادر التمويل والتسليح الذي تتلقاه من أجل مواجهة «داعش» في المحافظات التي تحتفظ فيها بأرضية واسعة، وأوضح سليمان أن هناك «تفككا في التوجهات السنية في الحصول على أساليب الدعم، فتوجهات الحزب الاسلامي تتجه نحو قطر، وبعض العروبيين يطمحون للدعم من السعودية»، لافتا إلى أن «السعودية تعمل لتطبيق أجندات خارجية أميركية في العراق».
وتحدث سليمان عن الموقف التركي معرباً عن اعتقاده أن «أنقرة تدعم السنّة لأن لديها أجندة شبيهة بأجندة الحزب الاسلامي»، مشيرا إلى أن تركيا «سبق وأن قامت بغزو العراق، وتطمح للدخول إليه من جديد، لذلك هي تروج لفكرة أن داعش لا تخرج إلا بمساعدة من تركيا».
وعبّر سليمان عن توجهاته السياسية، داعيا «أهل السنة» إلى اعتماد عمان كمرجع سياسي لهم بسبب التأثيرات الكبيرة من الحكومة الأردنية على رجال الدين وشيوخ العشائر، وقال إن «السنة لا ينصاعون إلى أمر فردي، ولكن إذا التزمتنا دولة كالأردن فمن الممكن أن نجتمع تحت سقف واحد إلى جانب الحكومة».
وكان رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي قد التقى عددا من الفعاليات العشائرية خلال زيارته الأخيرة إلى الأردن، وبيّن سليمان أن اللقاء «لم يشمل فصائل المعارضة، بل شيوخ عشائر ليس لهم تأثير على الأرض»، معرباً عن اعتقاده أن «السنة لا يمتلكون قرارا سياسيا موحدا، لأن القرار السياسي بيد الأحزاب المتطرفة، لهذا يبرز الخلاف بين رجال الدين وشيوخ العشائر مع السياسيين».
وانتقد سليمان مؤتمر العشائر الأخير في أربيل معتبراً أنه «مؤتمر سياسي صوري لا يمثل أهل السنة ولا يمثل العشائر السنية، وهو عبارة عن استعراض، ورسالة إلى الحكومة الجديدة وإلى الأميركيين لإثبات الوجود فقط، ولكنه لم يحقق شيئا للسنة على أرض الواقع».
وبرز خلال زيارة السيناتور الأميركي الجمهوري جون مكاين موقف لافت من بعض الفعاليات العشائرية التي التقاها في بغداد، حيث أكد عدد من الحاضرين أن العشائر العراقية فتحت «قنوات» مع طهران التي أبدت استعدادها لتسليحهم.
ويقول رئيس مجلس إنقاذ الأنبار الشيخ حميد الهايس أن الصراع «السني - السني» هو صراع بين أبناء العراق وتنظيم «داعش»، وهو «يتضمن الصراع مع الذين تبنوا داعش من بعض المعممين في الأنبار والبعثيين ومن ساندوهم وقاتلوا معهم»، وأضاف أن «مصير هؤلاء سيكون القتل والقوات الأمنية سوف لا تنفك عن ملاحقتهم».
وأكد الهايس أن عمليات القتل التي نفذها تنظيم «داعش» بحق أبناء العشائر تركت أثرا انتقاميا كبيراً، معتبراً أن «هذا دم والدم لا يغسله إلا الدم»، وهو أمر «جرى الاتفاق عليه بين العشائر، وهو أن الداعشي من أي عشيرة كانت أو من أي قبيلة فهو ومن دعمه لا بد أن ينال جزاءه، كون الصراع وصل إلى داخل العشيرة الواحدة».
وأعاد الهايس التذكير بموجة الاعتصامات التي شهدتها المحافظات العراقية في العام 2012، مؤكداً أن هذه «الاعتصامات كانت تدعمها مؤسسات حكومية، وموظفون رسميون، إضافة إلى الوقف السني والحزب الاسلامي وحزب البعث»، وأضاف أن «دولا إقليمية دعمت هذه الاعتصامات بوضوح، حيث كان يُصرف مبلغ قدره مليارا دينار عراقي كل أسبوع».
ويتوجه الهايس قريبا إلى إيران للحصول على دعم طهران في مواجهة «داعش»، وأكد أن الدعوة وجهت إلى «الكثير من السياسيين للذهاب إلى إيران بينهم نائب رئيس الحكومة صالح المطلك، ووزير الدفاع خالد العبيدي لكون إيران أقرب دولة إلى الواقع العراقي، وهي الدولة الوحيدة التي وقفت مع العراق، وواجهت الإرهاب أما الباقون فلم تتعدّ مواقفهم الكلام».
وشدد الهايس على أن إيران دعمت العراق بشكل «فعلي وفاعل»، وقال إن «الايرانيين هم الأكثر واقعية ومصداقية في دعمهم وتسليحهم للعراقيين، ولديهم نية صادقة في المساعدة»، واستطرد قائلا: «إن الذين كان يطلقون الصيحات ضد ايران، تراجعوا اليوم عن ذلك، وأصبحوا يناشدون القوات الإيرانية بالدعم، أما الدعم الدولي الأميركي فلا يتعدى حدود الإعلام»، مشدداً على أن «الولايات المتحدة خذلت الجميع بمن فيهم الحكومة العراقية».