المخاوف من الإرهاب الالكتروني تدفع واشنطن ولندن إلى إطلاق 'برامج حرب إلكترونية' لتعزيز قدراتهما على مواجهة أي هجمات محتملة من هذا القبيل.
واشنطن - افراسيانت - أعلنت الحكومة البريطانية الخميس أنها ستطلق مع الولايات المتحدة "برامج حرب إلكترونية" بدءا من العام الحالي بهدف تعزيز قدرات البلدين على مقاومة الهجمات الإلكترونية التي باتت الخطر الأول الذي يهدد أمن العالم. وتشمل "الحرب" ضغوطا على شركات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، للتعاون مع الاستخبارات البريطانية والأميركية.
وفي مقال مشترك للرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون نشرته الخميس صحيفة تايمز البريطانية، كتب الزعيمان “سوف نواصل العمل معا ضد الذين يهددون قيمنا وطريقة حياتنا”.
وأضافا “عندما تعرضت الحريات التي نتقاسمها لاعتداء شنيع في باريس، رد العالم بصوت واحد”.وأوضحا “سوف ندحر هؤلاء القتلة المتوحشين وفكرهم الذي يحاول تبرير قتل أبرياء”.
لم يعلم أحد طريقة دحر الإرهاب، وتوقع بعضهم ساخرا “حربا ضروسا تشارك فيها الجيوش البرية والبحرية والجوية”، غير أن الحرب التي أعلن عنها الزعيمان فيما بعد أثناء اجتماعاتهما هي حرب إلكترونية لا غـير.
حرب إلكترونية
"كاميرون يعد بإطلاق "ميثاق المتلصصين" لمساعدة الاستخبارات البريطانية في مراقبة شبكات الإنترنت"
أعلنت الحكومة البريطانية الخميس أنها ستطلق مع الولايات المتحدة “برامج حرب إلكترونية” بدءا من العام الحالي بهدف تعزيز قدرات البلدين على مقاومة الهجمات الإلكترونية.
ووافقت القوتان الغربيتان كذلك على إطلاق “خلية إلكترونية” مشتركة لتبادل المعلومات بشأن التهديدات الإلكترونية، في مسعى منهما لتقوية دفاعاتهما الإلكترونية في أعقاب الهجمات التي تتعرضان لها.
وسيشارك في وضع تلك البرامج مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي من الجانب الأميركي وهيئة الاتصالات الحكومية وجهاز المخابرات الداخلية من الجانب البريطاني.
وأعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إطلاق هذه البرامج خلال اجتماعهما بالبيت الأبيض في وقت لاحق الجمعة. وكان الزعيمان قد بدآ الخميس مباحثات استغرقت يومين، حيث وعد كاميرون بتحقيق تقدم إزاء ما سماه “التهديد الجديد” للأمن الإلكتروني.
وستحاكي السلسلة الأولى من تلك البرامج هجوما على البنوك والقطاعات المالية في لندن ونيويورك، وستشارك في هذه الخطوة بنوك تجارية وبنك إنكلترا المركزي، إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقال مسؤولون إن الدولتين تنويان توحيد جهودهما في وضع برنامج جديد لتدريب جيل جديد من “العملاء في مجال الإنترنت”.
ويهدف هذا البرنامج المسمى “جائزة فولبرايت للأمن الإلكتروني”، إلى تمويل الطلاب من البلدين لإجراء بحوث في مجال الأمن الإلكتروني لمدة تصل إلى ستة أشهر، حيث من المتوقع أن يبدأ تدريب الدفعة الأولى في العام الدراسي الذي يبدأ في 2016.
كاميرون ممتعض
ونقلت مصادر بريطانية مطلعة عن مقربين من كاميرون أن “من ضمن المقترحات التي قدمها كاميرون لحليفه أوباما في هذا الشأن إجبار مواقع التواصل الاجتماعي المنطلقة من أميركا، وفي مقدمتها فيسبوك وتويتر على التعامل مع المشتبه بدعمهم للإرهاب بنفس أسلوب التعامل مع المروجين للأنشطة الجنسية التي لا تسمح بها تلك المواقع”.
ومن المتوقع أن يقدم كاميرون لأوباما قوائم لحسابات تابعة لجهاديين أوروبيين في مواقع التواصل الاجتماعي، للمساعدة على إيقاف تلك الحسابات وإيجاد آلية دائمة لتعطيل حسابات كل من يروج للإرهاب ومتابعته قانونيا.
وأكدت المصادر الإخبارية البريطانية أن كاميرون “غاضب جدا” من تقاعس الحكومات الغربية ولا سيما الحكومة الأميركية عن إيجاد حلول عملية رادعة، لمنع استغلال المتآمرين لوسائل التواصل الاجتماعي في الترويج لأفكارهم وأعمالهم القائمة على أيديولوجية العنف.
وحث رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الرئيس الأميركي باراك أوباما، أول أمس، على الضغط على شركات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، لبذل التعاون مع وكالات الاستخبارات البريطانية لأنها تسعى لمتابعة الأنشطة الإلكترونية للمتطرفين في بريطانيا لمكافحة الإرهاب عقب هجمات باريس الأخيرة.
وصرح كاميرون، الذي يستعد لخوض حملة انتخابية في الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو المقبل، بأنه بات من الضروري وضع حدود لتناول المواضيع التي تشجع على العنف، مستغلا أحداث مجلة “شارلي إيبدو” الفرنسية التي وقعت أخيرا في فرنسا.
وأعلن عن نيته طرح مشروع قوانين جديدة، من بينها “ميثاق المتلصصين” الذي يساعد قوات الأمن والاستخبارات البريطانية في مراقبة شبكات الإنترنت، في حال فوزه في الانتخابات المقبلة، من أجل منع الاتصال بين الإرهابيين.
وشرح خبير في دراسات الأمن من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، قائلا: “قدم كاميرون وجهة نظره لانتقاد شركات الإنترنت بسبب عدم التعاون معه في هذا الشأن، ولكن كشف الاتصالات المشفرة بين الإرهابيين المشتبه بهم أمر صعب جدا”.
وسيطلب كاميرون من شبكات الإنترنت الأميركية أن تكون على استعداد لتسليم البيانات والمحتويات المطلوبة من وكالات الاستخبارات البريطانية للحفاظ على سلامة المواطنين البريطانيين.
وقالت خبيرة في العلوم والتكنولوجيا والأمن الإلكتروني: “من غير الواقعي تطبيق هذا الأمر، كل شخص يحتاج التشفير والخصوصية بغض النظر عما إذا كان شخصا جيدا أم سيئا”.
واقترح كاميرون هذا الأسبوع، أن يكون لوكالات الاستخبارات البريطانية النفوذ لفك شفرات الاتصالات بين الإرهابيين المشتبه بهم، حيث أكد ضرورة تعاون الشركات الإلكترونية بشكل أكبر مع مركز التنصت البريطاني، في وقت حذر فيه المكتب الاتحادي لأمان تكنولوجيا المعلومات في ألمانيا من تزايد المخاطر التي يمكن أن يتم التعرض لها على شبكة الإنترنت. وقال رئيس المكتب ميشائيل هانغه إن القدرات التقنية للهجوم على الإنترنت تزداد بشكل كبير.
وأضاف أن الهجمات الإلكترونية أصبحت أكثر احترافا، محذرا في الوقت نفسه من أن الكثير من مستخدمي الإنترنت والشركات لا يدركون هذه المخاطر على نحو كاف.
أوباما محرج
وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما دعا الكونغرس إلى تمرير مشروع قانون لتشديد التدابير الأمنية على الإنترنت بما يؤدي إلى تعزيز تبادل المعلومات حول الانتهاكات بين الحكومة والشركات.
وقد حظي هذا الموضوع باهتمام جديد في أعقاب هجمات القرصنة الإلكترونية ضد شركة سوني بيكتشرز إنترتينمنت التي ألقى مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) باللوم فيها على كوريا الشمالية.
وقال أوباما في اجتماع مع زعماء الكونغرس: “في ظل الهجمات التي شنت ضد شركة سوني وفي ظل حساب موقع التواصل الاجتماعي تويتر الذي اخترقه المتعاطفون مع الجهاديين الإسلاميين، يتضح لنا كم العمل الذي يتعين علينا القيام به على صعيد القطاعين العام والخاص لتعزيز التدابير الأمنية على شبكة الإنترنت الخاصة بنا، للتأكد من أن حسابات البنوك الخاصة آمنة، وللتأكد من أن البنية التحتية العامة لدينا آمنة”.
واخترقت مجموعة قرصنة إلكترونية موالية لتنظيم الدولة الإسلامية المعروف اختصارا بـ “داعش”، الاثنين الماضي، حسابات على الإنترنت تعود إلى القيادة الوسطى في الجيش الإميركي وهو ما أجبرها على تعليق حسابها على تويتر.
وفي ضربة محرجة للجيش الأميركي، حلت راية بالأسود والأبيض تحمل شعاري “سايبر خلافة” و”أنا أحب الدولة الإسلامية” محل شعار القيادة الوسطى المعتاد على حسابيها على موقعي تويتر ويوتيوب، قبل تعليق الصفحتين. لكن الأكثر إحراجا هو أن الاختراق حصل فيما كان الرئيس الأميركي باراك أوباما يلقي كلمة حول أمن الإنترنت.
وأفادت صحيفة واشنطن بوست عن حدوث إرباك مشابه لحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تخص وسائل إعلام أميركية. وصرح قادة ومسؤولون أميركيون بارزون في السابق بأن تنظيم الدولة الإسلامية أظهر مهارة عالية في الدعاية الإعلامية والترويج لنفسه لجذب مرشحين محتملين للانضمام إلى صفوفه.
وفي كلمة أخرى له في مكتب الأمن الإلكتروني بوزارة الأمن الداخلي، وصف أوباما تهديدات شبكة الإنترنت بأنها أحد أخطر التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها الولايات المتحدة. وأعلن رئيس الوزراء البريطاني، أيضا عن عزمه حظر جميع تطبيقات المحادثات الفورية التي تقدم خدمة التراسل المشفر بين المستخدمين ببلاده، إذا فاز حزبه بالانتخابات العامة القادمة بالمملكة المتحدة، والتي ستجرى في مايو 2015.
وشدد كاميرون على ضرورة التوقف عن استخدام أساليب التواصل التي لا يمكن للسلطات الأمنية أن تقرأ الرسائل الواردة فيها حتى إذا كانت تملك مذكرة قضائية يمنحها الحق في ذلك، ومنها تطبيقات المحادثات التي تشفر رسائل مستخدميها.
وقال رئيس الوزراء البريطاني في كلمة على هامش مسيرة التنديد بالإرهاب في باريس: “هل يجب أن نسمح بوسائل التواصل التي لا يمكن لنا قراءة رسائلها؟ إجابتي لهذا السؤال ستكون لا، يجب ألا نسمح بها”.
ومن المنتظر أن يؤثر قرار الحظر، حال تنفيذه، على استخدام مجموعة كبيرة من تطبيقات المحادثات الفورية الشهيرة، ومنها واتس آب المملوك لفيسبوك، وiMessage المملوك لآبل، إضافة إلى سناب شات وتيليغرام.
ويجب على تلك التطبيقات، لتجنب الحظر، القيام بتغييرات في تقنياتها لفتح باب خلفي للسلطات الأمنية يسمح بفك تشفير رسائل مستخدميها وإعادة قراءتها، وهو الأمر الذي تم رفضه سابقا من القائمين على بعض تلك التطبيقات، مثل مسؤولي واتس آب وآبل.
ولا ينوي كاميرون حظر تطبيقات المحادثات الفورية المشفرة فقط، بل فرض تشريعات جديدة تساعد السلطات الأمنية في المملكة المتحدة على التجسس على مستخدمي الإنترنت، وذلك بهدف حماية الأمن القومي.
وحثت وزيرة الداخلية البريطانية، تريزا ماي، مجلس العموم البريطاني على تمرير مسودة قرار تمنح أجهزة الأمن صلاحيات إضافية لمراقبة الاتصالات، مشددة على أن الأمن البريطاني مهدد دون تلك الصلاحيات.
وقالت ماي: “الحاجة ماسة إلى إصدار قانون بيانات الاتصالات الذي يتيح لأجهزة الاستخبارات البريطانية إمكانية تتبع الرسائل الشخصية لمن تشتبه بأنهم يخططون لهجمات داخل البلاد”. كما يقترح القانون السماح للسلطات بقطع الاتصالات بين الأشخاص المشتبه بهم على شبكة الإنترنت إذا ما كان هناك تحذير من هجوم إرهابي في البلاد.
وحذرت الوزيرة من أن “فشل تمرير هذا القانون يضع المزيد من البريطانيين في خطر عقب هجمات باريس”.
يذكر أن الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة الفرنسية باريس خلال الأيام القليلة الماضية دفعت عددا من قادة ورؤساء الدول إلى المطالبة بإجراءات دولية واسعة لفرض رقابة على الإنترنت لمواجهة مواقع التواصل الاجتماعي وحساباتها التي تدعم الأفكار الإرهابية والمتطرفة وغلقها.
الشبكات الاجتماعية قد تغلق
"إجبار فيسبوك وتويتر على التعامل مع المشتبه بدعمهم للإرهاب بنفس أسلوب التعامل مع المروجين للأنشطة الجنسية"
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وجه دعوة إلى منظمة الأمم المتحدة طالبها فيها باتخاذ قرار عالمي بغلق المواقع الإلكترونية وحسابات الشبكات الاجتماعية التي تدعو إلى أي أفكار متطرفة أو إرهابية.
وجاءت دعوة السيسي على هامش المسيرة التي انطلقت، الأحد، بالعاصمة الفرنسية باريس للتنديد بالإرهاب، وهي المسيرة الرسمية التي شارك فيها نحو خمسين رئيس دولة وحكومة.
وأكد خبراء في تكنولوجيا المعلومات أن غلق المواقع المروجة للأفكار الإرهابية والمتطرفة عملية ليست مستحيلة، إلا أنها صعبة ومعقدة بسبب عدة عوامل، منها استخدام بعض التقنيات المتطورة.
وعن صعوبة تنفيذ عمليات غلق تجاه بعض المواقع، قال هشام المهدي، رئيس قسم تكنولوجيا المعلومات بكلية الحاسبات والمعلومات جامعة القاهرة، إن درجة الصعوبة تصل إلى أن تكون مستحيلة في أوقات كثيرة بسبب بعض الطرق الملتوية التي تستعملها تلك المواقع.
من جانبه أوضح ناصر فؤاد، رئيس المنظمة العربية لحرية الإنترنت، أن تتبع الحسابات الإرهابية على الشبكات الاجتماعية عملية ممكنة إلى حد كبير، إلا أنه من غير الممكن غلقها بنسبة 100 بالمئة، وذلك بسبب تنوع الأساليب التي يمكن استخدامها للتحايل على قرارات الغلق.
وأضاف فؤاد، أن من السهل للجهات الداعمة لتلك المواقع الإرهابية إنشاء مواقع إلكترونية جديدة واستخدامها في نشر أفكارها، مما يخلق موقفا أشبه بمطاردة غير نهائية لتلك الجهات، ويصل بصعوبة عملية الغلق إلى الذروة.
وعما يجب اتخاذه فعليا لغلق المواقع الداعمة للأفكار الإرهابية والمتطرفة على الإنترنت، طالب ناصر فؤاد بضرورة أخذ موقف دولي من الشعوب والدول مما يسهل على السلطات المضي قدما في تنفيذ عمليات غلق تلك المواقع.
يذكر أن قراصنة إنترنت، من مجموعة أنونيموس، كانوا قد أعلنوا شن حرب ضد مواقع وحسابات بشبكات اجتماعية مملوكة لأشخاص وصفوهم بـ”الإرهابيين”، بهدف اختراقها وتعطيلها عن العمل.