افراسيانت - حلمي موسى - تراقب إسرائيل بغير قليل من القلق التطورات الإقليمية، وخصوصاً ما يجري في سوريا.
ولا يمكن قراءة أحداث اليومين الأخيرين، وخصوصا إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية والخطوات التي اتخذتها موسكو بعدها لتعزيز وجودها في المنطقة، إلا عبر رؤية سبق أن أعلنها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. ومفاد هذه الرؤية أن لإسرائيل مصالح في سوريا تتلخص في ما يعرف بالخطوط الحمراء، لكنها تتخطى ذلك عند التسوية في جوانب إقليمية ربما تتخطى هضبة الجولان السورية المحتلة.
وسبق لمسؤولين أمنيين إسرائيليين أن رأوا في الوجود العسكري الروسي في سوريا، رغم التنسيق، مستجداً إقليمياً خطيراً، لأنه يعزز من جهة قدرات النظام السوري ويكسب من جهة أخرى التحالف الذي تقوده إيران.
ورغم ذلك فإن إسرائيل تراقب عن كثب الخطوات الروسية بعد إسقاط الطائرة، وهي ترى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يحب ترك الحسابات مفتوحة. ويرى المعلق العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي ألون بن دافيد أن هجوم سايبر مجهول قد يسقط البورصة التركية، أو أن سفينة تركية ستغرق في ظروف مجهولة، ما سيدفع الأتراك لاحقاً لفهم حقيقة أنهم اقترفوا خطأً بإسقاط الطائرة.
وواضح أن في إسرائيل من يتفقون مع الرئيس الروسي في تحليله بأن تركيا لم تتحرك بسبب انتهاك سيادتها، بل خشية من انهيار تنظيم «داعش»، الذي يعتبر في نظرهم ثقالة مهمة في مواجهة الأكراد. ويقولون في إسرائيل أن الأتراك أغاروا عدة مرات على مواقع لـ «داعش»، لكن غاراتهم على الأكراد تعد بالآلاف. وتقريباً يكاد الأتراك لم يفعلوا شيئاً على الحدود لمنع تدفق المقاتلين إلى صفوف التنظيم، كما أن تركيا تواصل المتاجرة بالنفط مع «داعش» بملايين الدولارات.
ويشدد محرر الشؤون الأمنية في «معاريف» يوسي ميلمان على أن المسألة الكردية كانت المشكلة الحقيقية التي قادت إلى تصعيد التوتر بين روسيا وتركيا. ويشير إلى أن تركيا بإسقاطها الطائرة الروسية تورط شركاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنها تبين للعالم أن استمرار الحرب في سوريا يشكل خطراً ليس فقط على الشرق الأوسط بل على العالم بأسره.
ولاحظ ميلمان أن الحادث يشكل في نظر إسرائيل إشارة إلى مقدار تفجر وضع تقع فيه غارات وقصف على مقربة من حدود دول مجاورة. وقال إن إسرائيل من الآن فصاعداً ستتعامل بحذر مع احتمالات إسقاط طائرة روسية، حتى إذا عبرت عدة كيلومترات في مجالها الجوي، خلافاً لما فعلت قبل أكثر من عام عندما أسقطت طائرة «سوخوي» سورية اقتربت من الجولان.
ورغم أن ميلمان، مثل كثير من المعلقين الإسرائيليين، لا يتوقع حرباً بين تركيا وروسيا، إلا أنه يرى أن بوتين لن يكتفي فقط بالعقوبات الاقتصادية. وكتب «عندما يهدد بوتين، فإنه ينفذ، لذلك ينبغي لغضبه أن يثير القلق ليس فقط في تركيا، بل كذلك في حلف الناتو، الذي تركيا أحد أعضائه».
وتقريبا يواصل ميلمان الحديث عن أن أحد الأسباب المحتملة للقرار التركي باستفزاز روسيا، والتورط معها أو حتى توريط «الناتو»، يكمن في أن الغارات الروسية جرت ضد ميليشيا تركمانية وليس فقط ضد إسلاميين من أصول روسية. فتركيا قلقة من أن الغارات الروسية ستقود إلى إضعاف الأقلية التركمانية، ما سيسمح للميليشيات الكردية بتوسيع رقعة سيطرتها من الشرق إلى الغرب على طول الحدود التركية. وأشار إلى أن السبب الرئيس وراء تدخل تركيا الفعلي في الحرب السورية مؤخراً هو الرغبة في إنشاء حزام أمني بعرض 45 كيلومتراً على حدودها، وبهدف منع إنشاء كيان كردي.
ويخلص إلى أن التدخل الروسي في الحرب يشوّش الإستراتيجية التركية، حيث لا تعجز أنقرة فقط عن إنشاء الحزام الأمني بل إنه يعزز من قوة نظام الرئيس بشار الأسد ويجعل نشوء الكيان الكردي على حدودها خطراً ملموساً يمكن أن يحرّض الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا ويقود إلى خطوات مشابهة. ولهذا فإن أنقرة ترى في كبح الأكراد مصلحة قومية عليا، ولذلك فإنها مستعدة للسير على حافة الهاوية في مواجهة روسيا ولمنع تحقيق تسوية في سوريا لا تلبي مصالحها.
وقد حاولت نيتع بار، في موقع «والا» الإخباري، تحليل ظروف إسقاط الطائرة الروسية، عبر التساؤل: «هل يمكن أن يكون (رجب طيب) أردوغان قد جُن؟» وأشارت إلى أن من لا يعرف واقع الحرب الطويلة حول مصير سوريا يمكن حقاً أن يظن أن الرئيس التركي جُن. فظاهرياً يبدو أن أردوغان، في نوبة جنون عظمة عثماني، قرر إسقاط الطائرة الروسية بزعم أنها انتهكت الأجواء التركية. إذ ليس هناك زعيم قوة عظمى يوحي بشعور «لا تستفزوني» أكثر من فلاديمير بوتين. وأظهر في الشيشان، جورجيا، أوكرانيا قدرات تظهر أن ثمن معارضة زعامته، باهظ جداً.
وتساءلت: لماذا سمح أردوغان لنفسه بإغضاب روسيا لدرجة أن بوتين وصف إسقاط الطائرة بأنه «طعنة في الظهر»، وهدد برد قاس؟ وأجابت أن الرد باختصار هو أنه في هذه الحالة تحديداً تركيا هي القوة العظمى الإقليمية وروسيا هي المستفز الوقح. ففي نظر أردوغان روسيا بغطرسة الدولة العظمى تسمح لنفسها بالتدخل في ما يجري في فنائها الخلفي، وتحبط محاولات تركية متواصلة من أربع سنوات لترجيح الحرب ضد نظام الأسد. وأشارت إلى أن لتركيا قوة عسكرية جبارة تشكل ثلث القوة العسكرية لحلف «الناتو»، كما لديها ضواغط أخرى. ولهذا السبب آثرت روسيا أن ترد فعلياً رداً ديبلوماسياً ومدروساً نسبياً رغم الحدة الكلامية.
واعترضت بار على رد الفعل الغريزي في إسرائيل الذي أبدى شماتة بأردوغان الكريه عندنا، والذي فتح حساباً من بوتين الكلّي القدرة. وقالت إنه ينبغي التذكير بواقع أن الروس يخوضون حرباً لمصلحة إيران وأنصارها في «حزب الله» والنظام السوري، وهو محور الخطر الأهم على إسرائيل. كذلك إذا كان أحد يتوقع أن يمسح الجيش الروسي الأرض بالجيش التركي فبانتظاره خيبة شديدة، لأن الخاسر من هذه المواجهة هو الشعب السوري الذي صارت حربه الأهلية ليست مواجهة محلية بل لعبة قوى بين الدول العظمى.
وفي كل حال، فإن غالبية المعلقين الإسرائيليين يرون أن تركيا أفلحت في إيلام روسيا وإغضاب بوتين. ولكن بعض المعلقين هؤلاء يعالج الأمر من زاوية الغضب الإسرائيلي أيضا على أنقرة وأردوغان، وقلة تحاول قراءة الوضع قراءةً مختلفة. ويذهب بعض الإسرائيليين إلى القول إن العقوبات الاقتصادية الروسية ستكون ضارة جداً بتركيا، لكن آخرين يقولون إن لدى تركيا بدائل وإن الخاسر في هذه الحالة سيكون روسيا. ولهذا كتبت صحيفة «ذي ماركر» الاقتصادية الإسرائيلية أن هناك 10 مليارات سبب يمنع روسيا من قطع الغاز عن تركيا. وتقصد أن مبيعات الغاز الروسي لتركيا تبلغ 10 مليارات دولار، ما يجعل علاقات الطاقة بين الدولتين منطقة غير جذابة للانتقام.