افراسيانت - حلمي موسى - استقبلت إسرائيل وصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الأراضي المحتلة اليوم بمطالبات بشن حملة «سور واقي 2» واحتلال المدن الفلسطينية، رغم أن أحد الأهداف المعلنة للزيارة هو السعي للحفاظ على السلطة الفلسطينية.
وأعلن وزير التعليم رئيس حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينت، أمس، أن لا مفر لإسرائيل سوى تنفيذ عملية «السور الواقي 2» على شاكلة ما فعل الجيش الإسرائيلي في العام 2002 إثر نشوب انتفاضة الأقصى. ويتخبط الجيش الإسرائيلي في تعاطيه مع الهبّة الشعبية، بين إجراءات وقائية تضيق على الفلسطينيين في الضفة الغربية وبين إيمانه بأن هذه «جائزة لحماس» لأنها ستوسع دائرة المنخرطين في المقاومة.
وأعلن بينت، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، أنه «ينبغي الدخول بقوات كبيرة جداً إلى داخل الخليل وإلى المدن الأخرى المحيطة. لا مفرّ من فعل شيء كالسور الواقي في هذه المنطقة، وأنا شاركت في السور الواقي الأصلية في العام 2002 ولم تكن لطيفة. ولكننا فعلا دخلنا إلى المدن وإلى داخل القرى وطهرناها، وهبط الإرهاب بنسبة 80 في المئة خلال شهر. ونحن سنواصل في المجلس الوزاري المصغّر الحث من أجل هذا».
ودعا بينت إلى فرض السيادة الإسرائيلية في تجمّع مستوطنات «غوش عتصيون» ومنح العرب في تلك المنطقة حقوق الإقامة أو المواطنة، قائلا «إذا كان غوش عتصيون ليس لنا فماذا نفعل نحن فيه. وإذا كان غوش عتصيون لنا ينبغي أولا ضمه إلى إسرائيل».
ويشكل كلام بينت استقبالا مباشراً لكيري الذي يصل إلى الأراضي الفلسطينية بهدف حث رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على تقديم تسهيلات للسلطة الفلسطينية كي تتمكن من البقاء. ومن المقرر أن يقضي كيري يوماً واحداً، يلتقي خلاله بنتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وتعتبر الزيارة استكمالاً لما تم بحثه بين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما وكيري في واشنطن مؤخراً، وتهدف إلى تهدئة الوضع في الأراضي المحتلة ومنع تصعيد محتمل. وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها كيري الأراضي الفلسطينية منذ أكثر من عام بعد فشل مساعيه المكثّفة لتحريك العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
ويرى معلّقون إسرائيليون أن كيري يأمل بأن يكرر الانجاز الذي كان حققه قبل عام بالضبط، عندما جمع في عمان كلا من نتنياهو والملك الأردني عبد الله الثاني في مسعى لتهدئة الوضع في القدس حينها. ولكن ما لا يعرفه كيري أن الوضع الحالي أصعب بكثير مما كان عليه الحال قبل عام، ولذلك فإن فرص نجاحه تعتبر ضئيلة جداً.
ودعا كيري، من أبو ظبي، إلى التهدئة، معتبراً انه لا داعي لكل هذا العنف. وأعلن أن واشنطن «مستعدة تماماً للعمل، ولديها أفكار حول كيفية» وقف العنف، لكنه حذّر من أن «المزاج العام لا يميل إلى صالح التنازلات».
وقد سبق كيري الى المنطقة المبعوث الأميركي فرانك ليفنستاين، الذي أجرى محادثات مكثفة بين تل أبيب ورام الله لتمهيد الطريق لزيارة كيري وإنجاحها. وينقل موقع «والا» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر أميركي مطلع قوله إن نتائج مساعي ليفنستاين تقترب من الصفر. وقال المصدر الأميركي «كنا سنفرح لتنظيم إعلان مشترك بشأن المسجد الأقصى، أو حتى لقاء تهدئة، لكننا حالياً بعيدين عن ذلك. وبالتأكيد كيري سيعرض هذه الأفكار في لقاءاته مع نتنياهو وأبو مازن».
وكما سلف، ومن مراقبة التطورات داخل الحكومة الإسرائيلية، فإن فرص نجاح كيري في جلب تنازلات من نتنياهو لصالح الفلسطينيين في القدس المحتلة أو في الضفة الغربية تكاد تكون معدومة. فنتنياهو يتعرض لحملة من اليمين المتطرف داخل ائتلافه الحكومي وخارجه، وهو أصلاً لا يرغب في تقديم تنازلات. ومع ذلك من المحتمل أن يحاول نتنياهو تقديم تنازلات شكلية يأمل عبرها بأن يظل الأميركيون واقفين بقوة إلى جانب إسرائيل، خصوصاً في الأمم المتحدة، التي تحتفل بعد أيام عدة بيوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني. ومعروف أن هناك ما لا يقل عن 20 قرار إدانة لإسرائيل ولصالح الفلسطينيين ستقر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذلك اليوم.
ويعتقد خبراء في إسرائيل أن زيارة كيري هذه إذا فشلت فربما ستكون المحاولة الأميركية الأخيرة لتحريك العملية السياسية في المنطقة خلال ما تبقى من ولاية أوباما، أي حتى مطلع العام 2017. وهذا يعني أن أميركا ستترك الإسرائيليين والفلسطينيين ينضجون على نار هادئة أو ساخنة، وفق ما يريدون، إلى أن يبادر آخرون من الأسرة الدولية لفعل شيء.
وفي هذه الأثناء يجد الجيش الإسرائيلي نفسه في مفارقة واضحة تجاه كل ما يتعلق بالهبّة الفلسطينية والتعاطي معها. فالأحداث تتزايد والجمهور الإسرائيلي يطالب الجيش بـ «تحقيق النصر» عبر الدخول بقوة ضد الفلسطينيين وفرض الأمن، ولكن الجيش يعرف أن هذا جرى سابقاً وأنه لم تكن لذلك إلا نتائج جزئية ومؤقتة، وأن الوضع يتطلب حلولاً غير أمنية.
واستشهد الفلسطيني أحمد جمال أحمد طه (16 عاماً) برصاص قوات الاحتلال، بعد قتله جندياً إسرائيلياً وإصابة آخر، في عملية طعن عند محطة وقود قرب بلدة نعلين على محور مهم يربط بين القدس وتل أبيب. كما استشهد الفتى علاء خليل خشاش (16 عاماً) برصاص الاحتلال بحجة محاولته طعن جندي بالسكين عند حاجز حوارة جنوب مدينة نابلس بالضفة الغربية.
واستشهدت فتاة فلسطينية في الـ16 من العمر وأصيبت أخرى في الـ14 بجروح بالغة. وأظهرت لقطات، نشرها موقع «واي نت» لعملية الطعن في القدس فتاتين فلسطينيتين، وهما تتقدمان باتجاه رجل بدا أنه يسحب مسدسا. وركض رجل، عرفته الشرطة بأنه ضابط في فرق تفكيك المفرقعات، باتجاه المكان شاهراً سلاحه وأطلق النار على الفتاة الصغرى (14 سنة) فسقطت أرضا قبل أن يضربها رجل آخر بمقعد. وبعدها أطلق الضابط رصاصات عدة من مسدسه على الفتاة الكبرى (16 سنة) التي سقطت بجوار حائط. وركض الضابط عائدا للفتاة الأولى التي كانت راقدة على الأرض بلا حراك وأطلق النار عليها مرة أخرى.
وكان استشهد، امس الاول، عصام احمد ثوابته (34 عاما) والفتاة أشرقت قطناني (16 سنة)، والشاب شادي خصيب بنيران قوات الاحتلال أمس الأول، كما قتلت مستوطنة، في الضفة الغربية.
ويواجه الجيش الإسرائيلي مطالب من نوع فرض الحصار على مدن وقرى الضفة الغربية، ولكن ذلك في نظره لا يقود إلا إلى تحفيز المزيد من الفلسطينيين على المشاركة في الهبّة. وعدا ذلك فإن قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ اعتقالات واسعة صارت أكثر محدودية من أي وقت مضى، فإضافة لحوالي 700 معتقل من القدس في إطار الهبة اعتقل الجيش الإسرائيلي أكثر من 500 فلسطيني في الضفة الغربية، وخصوصا في الخليل.
وتتزايد الدعوات من ساسة ومعلقين في إسرائيل لنشر الجيش على كل المفترقات وإنشاء حواجز على الطرقات. ويقول الجيش إن مثل هذه الخطوة تتطلب منه استدعاء المزيد من قوات الاحتياط، الأمر الذي يثقل جداً على ميزانية الجيش والميزانية العامة. وتتجه الأنظار نحو محاولة تنفيذ خطوات من قبيل إنشاء مراكز مراقبة دائمة على الطرقات وسد الثغرات التي لا تزال قائمة في الجدار الفاصل.
وازداد الارتباك في إسرائيل عندما أظهر بحث أجراه «المعهد الإسرائيلي للديموقراطية» أنه خلافاً لقرارات الحكومة والمحكمة العليا فإن هدم بيوت منفذي العمليات ضد إسرائيليين لا يردع آخرين، بل إنه يشجع الآخرين على الانضمام لعمليات المقاومة. وتقول نتائج هذا البحث أنه يتعذر العثور على ما يؤكد صحة الموقف القائل بأن هدم البيوت يحقق الردع، في حين هناك ما يؤكد الأطروحة النقيض، بأنها تشجع على الانضمام لمنظمات «عدائية».