افراسيانت - أثار منشور لوزير الثقافة السابق عطا الله أبو السبح جدلاً واسعاً عبر موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، حيث شن أبو السبح هجوماً لاذعاً على "الدحية" واصفاً إياها بأنها "من أشد الملوثات السمعية"، ومن أتلف صور الفن الغنائي، مضيفاً: "فقط هي جعير، وكلام أعجمي غير مفهوم لدي البتة".
وأفرز منشور (أبو السبح) ردود أفعال قوية، خاصة أنه أخرج الدحيّة الفلسطينية من إطار التراث الوطني. وطالت الانتقادات (أبو السبح) من شرائح مجتمعية واسعة، وبعض الردود تحفظت بشدة على وصف "جعير" حيث أكد أصحابها أن الوصف لا يليق بتاتاً بفن تراثي موروثٌ منذ عقود طويلة.
تاريخ عريق
في السياق ذاته، لجأ مناصرو الدحية إلى الحديث عن تاريخها خاصة في ظل ظروف انتشارها في البيئة البدوية، التي تشكّل جزء هاماً من التاريخ الوطني والجغرافيا الفلسطينية، واتسعت دائرة الشرح التاريخي حتى وصلت إلى التطرق لأصل قبائل البدو والدور المجتمعي والنضالي لها في فلسطين.
من خلال المتابعة لمختلف ردود الأفعال على كلام (أبو السبح)، إتضح أن فئة قليلة أيدت كلامه، وفي الفئة نفسها عبّر البعض عن تأييدهم لعدم اعجابهم بالدحية لكنهم أبدوا تحفظهم على الوصف القاسي باعتبارها "جعير" و"كلام أعجمي ومن أتلف صور الفن الغنائي".
وإنتقلت ردود الفعل من مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشارع وعلى الأرض، حيث نظمت جماعات بدوية في قطاع غزة فعاليةً للدحية ضمن إحدى المناسبات، وطافت الفعالية شوارع مدينة غزة، ورفع بعض المشاركون خلالها لافتات تحمل هاشتاغ "الدحية ليست جعير"، و"الدحية تراث".
بيانات ووعيد
لم تقتصر ردود الأفعال على كلمات (أبو السبح) عند المطالبة بالاعتذار، بل إن عدة عشائر بدوية في غزة أصدرت بيانات تشجب ما ورد من انتقاص للدحية، وطالبت البيانات المسؤولين بالتدخل "منعاً للفتنة" كما أشارت البيانات، فيما هدّد تجمع شباب قبيلة الترابين بتقديم شكوى رسمية للنائب العام إذا لم يعتذر (أبو السبح) مباشرة للقبيلة.
الحناجرة والسواركة، قبيلتان لوّحتا بالاجراءات القانونية والعشائرية وتدفيع الثمن لمن تطاول على الدحية. وأكدت القبيلتان في بيان مشترك على "ضرورة الاستعجال بالاعتذار بشكل رسمي وعبر وسائل الإعلام، وببيان رسمي وليس أمامه الكثير من الوقت".
فن يتطور
من الجدير ذكره أن الدحية عبارة عن فن تراثي، تعود جذوره إلى قبائل البدو، حيث ترافق الوصلة الغنائية رقصة بدوية تؤدى في عدة مناطق، أبرزها النقب الفلسطينية، ومناطق الخليج والمملكة الأردنية، ويتم تأديتها في الأصل في صفّين متقابلين، ويردد فيها شخصٌ الشطرة ثم يرد من خلفه "الردادة" بعبارة مُتفق عليها، وللدحية أوزانٌ وألحان خاصة فهي لا تؤدى عشوائيا، وتعتمد على الارتجال، حيث يتطرق المؤدّي للمواضيع المختلفة من دينية ووطنية وأبرز القضايا المستجدة.
وكان القدماء يؤدون الدحية قبل بداية المعارك لتأجيج حماس أفراد القبيلة، وكذلك عقب نهاية المعارك لوصف ما دار في القتال من بطولة وقوة. وللدحيّة القديمة معانٍ تبعث على الاعتداد بالنفس والنخوة والرجولة والقيم الأصيلة. وانتقلت الدحية في السنوات القليلة الماضية من المناطق البدوية إلى معظم المناطق الفلسطينية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، وغدت فنّاً رائجاً في حفلات الأعراس سواء الزجلية أو الموسيقية، إضافة للمناسبات المختلفة..