افراسيانت - عبر حزب العدالة والحرية . يظل أردوغان خاضعاً لأوهامه في اصطناع مغامراته خارج الأراضي التركية وكلما سنحت له الفرصة يقوم بمغامرة جديدة وسرعان ما تنكشف تلك الأوهام التي تؤدي بمجملها إلى إخفاقات سياسية وارتكاسات عسكرية.
الانتخابات التركية على الابواب ورغم كارثة الزلزال التي حدثت في 6 فبراير الا ان نفس الاوهام تدفع باردوغان الى استحدامها كورقة ايضا في هذه الانتخابات .
فمن ليبيا إلى المتوسط إلى ناغورني قرة باغ، ثمّة أدوار واهية تجعله في نهاية المطاف يدفع أثماناً باهظةً جرّاء تلك الانهيارات الداخلية والخارجية، وما الصراعات والمعارك التي يشعلها في مواقع شتى من العالم إلا للخروج من وطأة مشاكله الداخلية ومن الأوضاع المزرية التي تمر بها تركيا.
وفي خطوة جديدة لتوسيع النفوذ التركي في آسيا الوسطى على غرار تدخلها العسكري في سوريا والعراق وليبيا، كثّفت تركيا من تحركاتها لتنفيذ سيناريو جديد تمهيداً لتوقيع اتفاق أمني مع أذربيجان يخوّل لها تدخلاً عسكرياً في النزاع الأذري الأرميني باعتبار لها طموحات توسعية لا تتوقف في جمهورية أذربيجان الثرية بالمحروقات.
وتخوض باكو ويريفان منذ عقود نزاعاً حول إقليم ناغورني قره باغ ذي الغالبية الأرمينية الذي أعلن انفصاله عن أذربيجان في حرب التسعينيات الماضية، وغدت المواجهات الجديدة التي اشتعلت مؤخراً هي الأكثر عنفاً، وتنضوي يريفان في تحالف عسكري لجمهوريات سوفياتية سابقة بقيادة موسكو في حين تركيا تتدخل عسكرياً في المعارك عبر نقل آلاف المرتزقة من المناطق التي يحتلها الأتراك في ليبيا وشمال سوريا ونشرت آلاف المسلحين خلال الأشهر الماضية الذين توزعوا في منطقة الصراع.
هؤلاء المرتزقة ينتمون إلى مجموعات متطرفة، وينضوون في صفوف الفصائل التي شاركت إلى جانب تركيا في هجمات عدة شنتها في شمال وشمال شرق سوريا، ومن مقاتلي المعارضة القدامى أو المجندين الجدد من الشباب يعملون بـإمرة تركيا، وينضوي غالبية المقاتلين في ثلاث فصائل رئيسة هي السلطان مراد وسليمان شاه ولواء المنتصر بالله، إضافة إلى مقاتلين من فصائل أخرى تطوعوا بصفة فردية.
وإجمالاً تضغط تركيا لاستمرار هذه الأزمة تحت دوافع قومية وأهداف استراتيجية سياسية واقتصادية، والجديد هو دخول تركيا على الخطّ بسبب اندفاعات وأحلام رجل تركيا المريض أردوغان وذلك يرجع لعدة أسباب أولها العداء بين تركيا وأرمينيا، والتصعيد بأمر مذبحة الأرمن ومطالبة أرمينيا بالتعويضات حيث كانت تطمح تركيا لفتح الحدود مع أرمينيا من أجل سهولة عبور تجارتها نحو آسيا الوسطى.
طموحات تركيا الجيوستراتيجية واسعة في القوقاز وآسيا الوسطى، وأذربيجان التي يتحدث شعبها لغة متفرعة من التركية، حليفها الأساسي في المنطقة ويعززها العداء المشترك لأرمينيا، وتدعم أنقرة باكو لرغبتها في استعادة إقليم ناغورني قره باغ، وتحمل أرمينيا ضغينة تجاه تركيا بسبب اتهام الإمبراطورية العثمانية بإبادة نحو مليون ونصف مليون أرميني، وباعتراف الهيئات الدولية خلال الحرب العالمية الأولى، وترفض تركيا الاعتراف بهذا الوصف لما حدث.
ترغب أنقرة بتفجير العمليات الحربية بين أذربيجان وأرمينيا باعتبارها فرصة ثمينة لتركيا لنقل توترها من منطقة الشرق الأوسط إلى القوقاز، إذ ورغم ما يُظهرانه من اتفاقيات هشة في سوريا ، ولكن سيكون على أنقرة حتماً أن تأخذ في حساباتها دور موسكو في الشؤون السياسية والاقتصادية بين البحر الأسود وبحر قزوين على مدى قرنين من الزمن.
هناك طموحات أردوغانية في إعادة تركيا لأمجاد الماضي العثماني وتلك كانت نقطة مشتركة في خطاب إردوغان طوال فترة حكمة في تركيا كرئيس وزراء أولاً ثم كرئيس حالياً ومع اهتزاز الأساس العلماني على نطاق واسع في تركيا، بدأ أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في التشكيك العلني من الحكم العلماني وتصويره كفترة انحراف في تاريخ البلاد وهنا تأتي فكرة زعم إعادة تركيا لمركز العالم الإسلامي مناسبة تماماً لهذا السياق الجديد.
وتُعتبر موسكو الحَكم الإقليمي الأبرز، والأقرب إلى أرمينيا، وأن البلدين ينتميان إلى نفس التحالف العسكري ، في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وإذا ما شعرت روسيا بالتهديد إلى حد يستحق تفكيك العلاقة التي كانت تطورها مع تركيا، فيمكنها التعامل تركيا في ليبيا وعلى الأرجح في سوريا، وعلاقة موسكو مع أنقرة أظهرت علامات عدم ثقة متبادلة.
في الخفاء كان ممثل الأطماع التركية الرئيس أردوغان، عبر حزبه العدالة والحرية، الذي تمكن من قلب الديموقراطية في تركيا، لتصبح دولة إخوانية بامتياز، واستقطاب قوى المرتزقة من كل صوب، يدربهم ويسلحهم، ومن ثم يطلقهم عبر حدوده للعبث في رقعة العالم العربي..
فوضى ما سمي بالربيع العربي، جعل أحلام السيطرة والهيمنة على الدول العربية متاحاً لكل طامع، مهما كان ناقصاً.. الدول العظمى حددت مناطق النفط والغاز المتاحة، ومناطق تدفق المهاجرين، وناورت، وتحركت عسكرياً، وحاربت بأيدي الإرهابيين.
وطوال الوقت كان يستغل الأموال والخيانات القطرية، والإعلام السياسي، الموجه ضد معطم الدول العربية، ويتغلغل بوجود المتعاطفين مع الإخوان، من بعض الشعوب العربية المغيبة.
واليوم تمثل تركيا معبراً للمرتزقة إلى سورية، وليبيا، وغيرهما، ما يفضح للعالم سر تدخلاتها السافرة في طرابلس، ومحاولاتها المستميتة لتسهيل وصول الإموال، والأسلحة، والوجود الفعلي على أرض الواقع، وإفساد أي احتمالية صلح بين الليبيين.
في السودان كان لأردوغان أطماع ببقاء حكم البشير الإخواني، قبل تفجر ثورة الشباب السوداني ، وتنبههم لما يحيق ببلدهم من أخطار، فأسقطوا البشير، وتوصلوا لحل توافقي يرضي الشعب السوداني العربي
وتبعاً لذلك تأثر الشأن الداخلي التركي، فاهتز الاقتصاد، وتهاوت الليرة التركية، وتقلصت أعداد السياح، ونهضت القوى المضادة لحزب العدالة والحرية، وحدث التحول السياسي الداخلي، وخسر أردوغان الانتخابات في أنقرة وإسطنبول، وأعاد الانتخابات غير مصدق، بخسارته المريرة.
يبدو أن ارتدادات السياسة التركية في الملف السوري بدأت تظهر سريعًا، بل وبشكل دراماتيكي لتجد حكومة أردوغان نفسها في مأزق سياسي خطير؛ دوليًا وإقليميًا ومحليًا الخروج منه سيكلفها خسارات كبيرة قد تطيح بأردوغان وحزبه، وربما بشكل دموي قد يُخرج تركيا من الساحة السياسية لسنوات عديدة. ربما أكثر ما ينطبق على أردوغان وحكومته في تعامله مع المتغيرات والأزمات التي عصفت بالإقليم، وتحديدًا الأزمة السورية والحرب الكونية التي شنت على سوريا المأثور الشعبي (طماع وقليل حساب)؛
فأردوغان العائد إلى المنطقة بعد غياب، حاول ونجح بالدخول إليها عبر بوابة فلسطين والأقصى، لما لهذه القضية من أهمية كبيرة في وجدان الجماهير العربية، والظهور كمخلّص لأزمات قطاع غزة وكمناهض للاحتلال والدخول إلى المنطقة العربية،
كذراع سني آتٍ لوقف المد الشيعي ومنع تشكل هلال شيعي؛ إيران/سوريا/المقاومة اللبنانية، ولكن في حقيقة الأمر أتى دخوله إلى قطاع غزة؛ تنفيذًا لمخطط يقضي بوقف الهجمات بالصواريخ على الكيان الصهيوني وكسر جذوة العمل المسلح في قطاع غزة، وهذا كان أحد أركان الاتفاقية التركية/الصهيونية هذا من جهة، وما كان دخوله إلى المنطقة العربية سوى لمحاصرة وكسر محور المقاومة ،
وهذا أيضًا كان الدور الرئيس لأردوغان في الحلف الأطلسي في السيطرة على المنطقة العربية والشرق الأوسط بالعموم، وهي مصالح مشتركة لجميع الأطراف التي ذكرت من جهة أخرى.
لعب أردوغان ذو التوجه الإسلامي دورًا كبيرًا في تعميق الأزمة السورية، بل تهديد الوجود السوري؛ دولة ونظام، وهذه حقيقية لا يستطع أحدًا تجاوزها، فقد فتح أردوغان وبالتنسيق مع قوى الشر المتحالف معها، أمام مئات الآلاف من المرتزقة الذين تم استجلابهم من شتى بقاع الأرض وتدريبهم وتجهيزهم في معسكرات تركية؛ بدعم من شيوخ البترودولار وبإشراف ضباط مخابرات أمريكا/فرنسا/بريطانيا/السعودية/تركيا، ودفعهم مجهزين بالمال والعتاد نحو الشمال السوري واحتلالهم مناطق استراتيجية ومدن هامة كإدلب وحلب والتمركز وتجهيزها لتصبح شبه دولة الكترونية ومركز عمليات لكل المنظمات والأجنحة العسكرية الإرهابية العاملة في الوطن السوري، وهذا يؤكد أن اردوغان الذي ذرف الدموع على غزة وأطفالها، وتباكى على حلب وأهلها؛ ما هو سوى طامع تركي وحليف وشريك أساسي في الحرب على أمتنا العربية؛ خدمة لمصالحه ومصالح شركائه.
بعد أن اتضح الدور العدواني الخطير الذي لعبه أردوغان وشركاه في المنطقة العربية وسوريا بشكل خاص، يبقى السؤال الهام: أين المصلحة التركية في تدمير الوطن السوري؟ وأين تكمن أطماع أردوغان؟ وهل حقق أردوغان أطماعه؟
لم تقف أطماع أردوغان عند حدود ضرب البنية الاقتصادية للدولة السورية؛ من خلال نهب المصانع السورية في حلب ونهب النفط السوري وسرقة الآثار التاريخية للحضارات القديمة في تدمر وفتح الحدود أمام جيش من المهربين الذين عاثوا فسادًا بالاقتصاد السوري، وتوجيه العصابات المسلحة لضرب البنية التحتية في كافة أرجاء الوطن، بل تعداه إلى محاولة فصل حلب وإدلب والشمال السوري عن الوطن الأم لتكون دولة سنية، وتكون حلب مركزًا لها، وتوسعت أطماعه لتمتد شرقًا لتوسيع رقعة السيطرة للدولة التركية،
لتحقيق حلم عثماني قديم، ولم يوقف هذا الامتداد الجيوسياسي، سوى تدخل روسيا التي لم تتدخل في الصراع الدائر في المنطقة نصرة للدولة السورية كحليف استراتيجي لها فقط، بل لأن مصالح روسيا وحليفاتها الصين وإيران؛ تم تهديدها، وأهمها: أنبوب الغاز الواصل عبر إيران – تركيا، والذي تستهدف الولايات المتحدة ضربه واستبداله بأنبوب الغاز القطري، وهذه مصلحة هامة لأمريكا/الكيان الصهيوني/قطر، أي أن روسيا لم تدخل الحرب إلا لأنها تعلم أن أمريكا هي المخطط لها، وهدفها ضرب مصالح روسيا/الصين/إيران،
وهنا بالضبط بدأت مجريات الحرب تتغير لصالح محور سوريا وحلفائها؛ فروسيا تدخلت مباشرة وعلانية في الحرب، وأرسلت معدات وجنود وخبراء وأرست غواصة نووية في ميناء طرطوس لحماية خط الغاز، مما غير معادلة المعركة لصالح الحلف المقاوم، وأعطى دفعة قوية للدولة السورية التي أنهكتها سنوات الحرب الخمسة السابقة،
ولولا تدخل روسيا عسكريًا ومباشرة في الحرب الدائرة لما اختلفت المعادلة؛ أمام إصرار روسيا أن سوريا لن تقسم والنظام لن يتغير ولم يتبقَ في ساحة المعركة مباشرة وبشكل عملي سوى تركيا، مع بقاء حلفائها بالخفاء . وأصبحت تركيا هي رأس حربة هذا الحلف والمفاوض باسمه،
خلاصة القول: أن مشروع اردوغان التوسعي؛ بدأ بالانهيار، وتم محاصرته بفضل التدخل الروسي من جهة، وقوة وعزيمة الجيش العربي السوري ليسقط بذلك الهدف الأساس لهذه الحرب، وهو تقسيم سوريا سياسيًا وتدمير اقتصادها، وهذا لم يتم رغم الضرر الفادح الذي خلفته الحرب، حيث بات من الواضح أن أطماع أردوغان ومخططات أمريكا وحلفائها في المنطقة في تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد وتقسيم وإعادة تقسيم الوطن العربي، قد تم سحقها ، وتم لجم أطماع السلطان التركي في التوسع وتحقيق أطماعه.
لم تقف خسائر أردوغان المتتالية، نتيجة الأزمة السورية على الصعيد العالمي والإقليمي كما أسلفنا، بل ارتدت على الصعيد الداخلي التركي وأضحى اردوغان وحكومة حزبه في مواجهة العديد من المخاطر التي قد تودي إلى مواجهات عنيفة وتنتهي بكوارث دموية.
إن حالة التجييش التي اعتمدها أردوغان وقيادة حزبه داخل المجتمع التركي تحت غطاء إسلامي/إنساني بضرورة التدخل لإنقاذ مسلمي سوريا السنة من بطش النظام العلوي ووقف تغول المذهب الشيعي على المنطقة،
مع ما رافق هذا التزييف للحقائق من صور وأفلام مفبركة عن حالات القتل والحرق والإبادة في سوريا على يد النظام؛ خلق حالة من الغليان الشعبي والاحتقان؛ جعل من مسألة التراجع إلى الخلف سياسيًا أمرًا غير مقبول، بل زاد الضغط الشعبي،
ومن قواعد حزبه للاندفاع إلى الأمام في حربه على سوريا، وأنتج هذا التشنج الشعبي؛ حالات من الأعمال الدموية من تفجيرات ومظاهرات لزيادة الضغط على أردوغان، إضافة إلى انعكاسات الوضع على الاقتصاد التركي في القطاعات المصرفية والتجارية واستثمار المعارضة التركية لهزيمة أردوغان
وكشف زيف ادعاءاته ، إضافة إلى الضغط الذي يمارسه حزب العمال الكردستاني على الحكومة والقيام بتفجيرات في مواقع حساسة في البلاد، ورافق هذه الأوضاع سلسلة من الفضائح لأردوغان وعائلته، حول عمليات تهريب وسرقة النفط السوري وعمليات تعاون مع داعش، وكان آخر عمليات الضغط على أردوغان الخسائر الجسيمة في صفوف الجيش في مدينة الباب، حيث انقلب عليه ربائب الأمس من الدواعش.
والوقائع التي تكشفت حول الاطماع التركية يجب ان تكون جرس انذار وتنبيه لما يحاك ضد الوطن العربي خاصة وان هتالك امتدادات عربية مع منطقة القوقازوخاصة ارمينيا التي تعاني هي ايضا من وطأة الاطماع الاردوغانية في المنطقة .