مشروع فريق استشاري يضم عرباً لمكافحة التطرف .. أوروبا تستنجد بالأزهر.. وتخشى سباقاً "جهادياً" على ضربها!
افراسيانت - وسيم ابراهيم - تبدو دول الاتحاد الأوروبي كمن يمشي في ظلمة حالكة، ربما يكشف قليلاً ما حوله، لكن لا يمكنه الجزم أين ستكون الضربة التالية. كل ما يمكنه فعله هو «اليقظة التامة». هذا الكلام لكبار مسؤولي مكافحة الإرهاب في أوروبا، وهم لا يجدون كلمات للطمأنة. قاموس حديثهم يعجّ بمفردات الريبة وانتقاد التقصير، مع تركيز على ما يمكن فعله بسرعة وكفاءة أكبر. التهديد الإرهابي الآن هو في مستوى «خطير جداً»، كما قال أحدهم. الخوف الآن على أشده بعدما تحول إدماء أوروبا إلى مضمار تنافس بين «القاعدة» و «داعش».
أحد جوانب التحرك هو العمل على إنشاء فريق استشاري، يشمل خبراء من الدول العربية والأوروبية. الفكرة الأساسية كانت إنشاء فريق أوروبي، قبل أن يستقر الرأي أخيراً على ضرورة توسيعه.
مسؤول أوروبي رفيع المستوى في مجال مكافحة الإرهاب قال في حديث إلى «السفير»: «نحن نعمل على ذلك، ومن حيث المبدأ نريد له أن يتم. نبحث عن الطريقة الأمثل للقيام به»، مضيفاً أن «هذه عملية على مراحل. ربما يكون فريق الخبراء في أوروبا، أو في الأردن أو لبنان. علينا أن نرى أولاً مَن من أوروبا يريد أن يكون ضمن المشروع، فالإرداة السياسية لها الأولوية، ثم سنمولهم ونبحث عن أفضل الممارسات».
الهدف الأساسي للفريق هو العمل على مكافحة الدعاية للتطرف، التي يبثها تنظيم «داعش» وأمثاله. كما نشرت «السفير» سابقاً، يراد للخبراء أن يكونوا بمثابة «فريق أركان» الحرب الدعائية. الانطلاق للعمل مع الدول العربية يأتي، كما يقول المصدر، نتيجة «وجود وعي كامل الآن بين دول الاتحاد بأهمية الدعاية والحاجة لمواجهتها».
وفي سياق البحث عن قاعدة صلبة للتحرك، تتجه أنظار الأوروبيين إلى الاستنجاد بمؤسسة الأزهر لترويج الإسلام الوسطي في وجه التطرف. يقول المسؤول الأوروبي معقباً هنا أنه «يجب أن يكون لدينا صوت معتدل ومسموع، لذا نحتاج مثلاً إمام الأزهر الذي يعد صوتاً معتدلاً، وعلينا أن نبحث كيف نعزز صوته، ونجد أشخاصاً آخرين لمواجهة سردية داعش».
مقر عمل «الفريق الاستشاري» لم يُحدد بعد، لكن مصادر أوروبية أكدت لـ «السفير» أن المنسق الأوروبي لمكافحة الإرهاب جيل دو كيرشوف، سيقوم بزيارة إلى لبنان خلال الأسابيع المقبلة مع مسؤولين من الخارجية الأوروبية والمفوضية الأوروبية. سيأتي ذلك تحت عنوان البحث في دعم مشاريع مشتركة لمكافحة الإرهاب، كما يؤكد المسؤول الأوروبي موضحاً أن «هناك الكثير يمكننا فعله لتحسين إدارة الحدود وبالنسبة لأدوات الحرب على الإرهاب».
الضجة الكبيرة التي أحدثها هجوم باريس، وضعت ضغوطاً كبيرة على مؤسسات الاتحاد الأوروبي، برغم أن مسؤولي مكافحة الارهاب يعملون منذ وقت طويل على إستراتيجية المكافحة. هكذا اندفعت بروكسل لتكون في الجبهة الأمامية، وقالت المفوضية أمس، إنها ستقدم «إستراتيجية جديدة» بحلول أيار المقبل.
لعرض مجمل الصورة، وما يمكن تقديمه من أفكار جديدة، اجتمع مسؤول كبير في مكافحة الإرهاب بالصحافيين في بروكسل. في الحديث عن نوع التهديد الآن، قال إنه «خطير جداً، وأكثر تعقيداً مما كان عليه بعد هجمات 11 أيلول». في تفسيره لذلك، أشار إلى أن «تنظيم القاعدة كان له هيكلية نوعاً ما، وإلى حد ما نعرف عدونا. الآن التهديد قادم من مصادر متعددة». ما يعقد الأمر كما يقول، هو وجود «العديد من الذين يتطرفون في أوروبا، دونما حاجة لأن يكون لهم صلات بمنظمات إرهابية».
بالإضافة إلى هذا التهديد، يشير المسؤول الأوروبي إلى القلق تحديداً من فرع «القاعدة» في اليمن، لكونه «يحاول تجنيد ناس من الغرب للقيام بهجمات، كما توجد إمكانية إرسالهم مقاتلين بهدف تنفيذ الهجمات».
ومن أكثر ما يقلق الدوائر الأمنية الغربية الآن هو تقييمها بأن هناك «تنافساً كبيراً»، بين تنظيمي «القاعدة» و «داعش».
يقول المسؤول الأوروبي إن هذا التقييم «تتشاركه أجهزة الاستخبارات الغربية». وفي شرح لواقع التنافس، يلفت إلى المصادر المالية الكبيرة التي يحوزها «داعش»، وإلى سيطرته على ثلث سوريا وثلث العراق، بالإضافة إلى قيام بعض المجموعات المرتبطة بـ «القاعدة» بالابتعاد عنها لصالح التنظيم الفتي. بناء على كل ذلك، تخلص قراءة دائرة مكافحة الارهاب في بروكسل إلى أنه «ربما القاعدة يريد القيام بهجوم كبير ليظهر أنه المنظمة الأجدر، لذا يجب أن نكون يقظين جداً».
حينما تستعرض الدوائر الأمنية الأوروبية ما حصل في باريس، لا يمكنها سوى الاعتراف بوجود تقصير. قال المسؤول الأوروبي إن ذلك جاء «نتيجة نقص في تبادل المعلومات» بين الأجهزة المعنية. لتحسين هذا التشبيك، يقترح مسؤولو مكافحة الارهاب الاستفادة من «يوروبول» (الشرطة الأوروبية)، عبر جعلها مركزاً لتبادل المعلومات. كما يرغبون في إعطائها دوراً أكثر لجهة التعامل مع الانترنت، عبر خلق وحدة خاصة مهمتها التواصل مع شركات الانترنت الكبرى من أجل تحديد وحذف المواد المتطرفة.
التقصير الأوروبي يشمل أيضا التباطؤ في تنفيذ الخطط التي أقرت، خصوصا عدم استخدام نقطة اتصال تم إيجادها داخل الشرطة الأوروبية لتكون خزان معلومات حول «المقاتلين الأجانب». هؤلاء أعدادهم لا يمكن الجزم بها، وهي تتراوح الآن بين أكثر من ثلاثة آلاف، كما قدرت دائرة مكافحة الارهاب الأوروبية، وحوالي خمسة آلاف بحسب «يوروبول».
المسؤول الأوروبي الذي تحدث في بروكسل أمس، حضر اجتماع باريس الطارئ، بعد الهجوم على جريدة «شارلي إيبدو». قال إنه أكد لوزراء الداخلية الحاضرين أن رسالته بعد الهجوم واضحة «بدلاً من الحديث عما كان يمكن فعله لتغيير ما حصل، نحتاج إلى القيام بما تقرر سابقاً بسرعة وكفاءة».
في سياق الإستراتيجية الجديدة، أقر المسؤول الأوروبي بأن المجتمع المسلم في أوروبا «يتعرض لتمييز وعلينا التحرك وفقا لذلك». يقترح أن يتم التركيز على تماسك المجتمع الأوروبي، وخصوصاً محاولة خلق «إسلام أوروبي».
يقول في هذا السياق «لقد زرت بلداناً أوروبية فيها الكثير من الأئمة لا يتحدثون لغة البلد، لذا فهم يجلبون لنا إسلاماً آخر، في النهاية الدولة هي من تدفع رواتبهم وليس مقبولاً أن يكون لديهم شهادة جامعية ومؤهلات».
مواجهة الدعاية المتطرفة على الانترت تبدو أشبه بمعضلة. هنا يذكر مسؤول مكافحة الإرهاب لقاءه قبل أيام بمسؤولي موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي. ينقل عنهم عجزهم عن «تنظيف» شبكتهم من المواد المتطرفة، وسط الأعداد الهائلة من المواد التي تحمل يومياً: «قالوا إن ما يصلهم يومياً يقارب 500 ألف مليون رسالة، هذا رقم هائل جداً ويصعب التعامل معه».
ارتفاع مستوى التهديد قدمه المسؤول الاوروبي أيضا عبر زيادة عدد الدول المعرضة له. سابقاً كان هناك مجموعة تضم تسع دول أوروبية، تجتمع وتنسق لكونها الأكثر تعرضاً للظاهرة. لكن دولا أخرى تنضم إليها. مثلاً، أعلنت بلغاريا رغبتها في الانخرط في المجموعة. مخاوفها كما يقول المسؤول الأوروبي «لديهم سبعة آلاف لاجئ سوري، وحدود مع تركيا يمكن عبورها بالسيارة. كما أن لديهم عشرة في المئة من المواطنين المسلمين المندمجين، لكنهم قلقون من الأموال التي تأتي من الخليج».