عبدالله يوارى في الثرى .. ومحمد بن نايف يدخل الحكم .. ومتعب باقٍ في "الحرس" ..
السعودية في عهد سلمان: عودة السُديريين
افراسيانت - السفير - دخلت السعودية عهد الملك السابع سلمان بن عبد العزيز بسلسلة قرارات عززت قبضة «السديريين» على السلطة مع بقاء احتمالات تبدل مشهد الحكم السعودي قائما في المدى المنظور، وانفتاح الباب للمرة الاولى أمام «الجيل الثاني» للوصول الى السلطة مع تعيين وزير الداخلية الامير محمد بن نايف وليا لولي العهد، وسط عاصفة من التغييرات والتحديات الداخلية والإقليمية.
وعلى الرغم من مشهد التشييع الهادئ للملك الراحل عبدالله في الرياض، ومشاركة وفود وزعماء من حول العالم، الى جانب أمراء عائلة آل سعود، ما يعكس تشعب مصالح المملكة والرهان على استقرارها داخليا، إلا ان تساؤلات كثيرة أثيرت حول سرعة الملك الجديد في إجراء التعيينات التي أعلن عنها، خصوصا في ما يتعلق بابنه الامير محمد بن سلمان الذي تولى وزارة الدفاع الى جانب رئاسة الديوان الملكي، و «إعفاء» خالد التويجري الذي تردد انه غادر السعودية فورا، في وقت كان جثمان الملك الراحل عبدالله لم يوارَ في الثرى بعد.
ومهما يكن، فإن المملكة السعودية اقتربت للمرة الاولى من خلال تولي الملك سلمان الحكم، بذلك من نهاية مرحلة «السديريين الأوائل» ودخول الشخصية الاولى من «الجيل الثاني»، من خلال محمد بن نايف، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الاميركيين، الى أبواب الحكم، ما يثير حرارة التجاذبات حول مسار السلطة في ما بعد الملك سلمان المعروف باعتلاله صحيا، والدور المستقبلي لولي العهد الامير مقرن الذي لا ينتمي الى السلالة السديرية.
وسيكون على الملك السعودي الجديد العمل على مسارين متوازيين في المرحلة المقبلة: الاول الاستمرار في تعزيز مفاصل سلطته، وثانيا التعامل مع ملفات شائكة تشمل المشهد السعودي الداخلي أمنيا واقتصاديا واجتماعيا، الى جانب الوضع الاقليمي المضطرب في جنبات المملكة، من اليمن جنوبا والبحرين شرقا وصولا الى مصر غربا والعراق وسوريا شمالا، بالإضافة الى ضبط إيقاع التنافس مع ايران الداخلة في مرحلة جديدة من علاقاتها مع الولايات المتحدة، «الحليف الاول» للسعوديين.
وبينما تدفقت وفود وزعماء دول عربية وغربية للمشاركة في مراسم التعازي، وهو ما سيستمر اليوم، أعلنت دول عربية الحداد، فيما صدرت مواقف تعزية من مختلف دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة واسرائيل وفرنسا وروسيا وبريطانيا ومصر وتركيا، وايران التي ستوفد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف الى الرياض لتقديم العزاء. (تفاصيل صفحة 8).
مشهد انتقال الحكم
لا تزال قاعدة «يتولى المُلك الأصلح بين أولاد عبد العزيز»، القاعدة المعتمدة في نظام الحكم السعودي. ولا تزال البيعة للملك، ومن بعده لولي العهد. نظام الحكم شهد تعديلات، لكنّها لم تغيّر القاعدة، وتم تأسيس مجلس عائلي للبيعة ولإدارة العلاقات والخلافات بين أفراد العائلة الحاكمة التي تجاوز عديد أفرادها، مع الفروع، العشرين ألفا.
يسجّل للنظام الملكي السعودي أنه أتاح انتقالاً هادئاً وسلساً للسلطة، لا يحصل عادة في أنظمة حكم مماثلة. صحيح أن أروقة القصر الملكي وباقي القصور، شهدت حراكاً وتسويات بقيت طيّ الكتمان، إلا أنّ القرارات الملكية الصادرة بعد ساعات على رحيل الملك، وقبل دفنه، كشفت حجم المداولات بين الأمراء وخطورتها. وكشفت سرعة صدورها حساسية هذه العلاقات.
الجديد هو تعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد، وهو المنصب الذي استحدثه الملك الراحل، ليضمن وصول مقرن بن عبد العزيز إلى سدة الحكم بعد سلمان، كون بيعة الأخير لا تعدّل.
ومع تقدم سلمان وعبدالله في العمر، انتقل الصراع على الحكم في المملكة إلى الأقوى بين الأحفاد. إذ ان الصغير بين أبناء عبد العزيز تجاوز الثمانين من العمر باستثناء مقرن الذي كانت حظوظه بالحكم شبه معدومة نظراً لكون والدته يمنية الجنسية. أما أحمد بن عبد العزيز ومشعل وطلال، وهم من أبناء عبد العزيز، فمستثنون من الحكم، وإن كان لهم دور كبير داخل مجلس البيعة ومجلس العائلة.
انحصر السباق إلى كرسي الملك بين أبناء عبدالله من جهة، ومحمد بن نايف من جهة أخرى. ويعتبر محمد رأس حربة الأحفاد السديريين السبعة، أي أولاد حصة السديرية، وهم الملكان فهد وسلمان ووليا العهد الراحلان سلطان ونايف والأمراء أحمد وتركي وعبد الرحمن.
ولأبناء الملوك وولاة العهد المتعاقبين على الحكم نفوذ متفاوت، أبرزهم أولاد فيصل (اغتيل في العام 1975): سعود الفيصل وخالد الفيصل، الأول يدير بحكم منصبه، كوزير للخارجية، شبكة علاقات واسعة، لكنّها لن تسعف حالته الصحية. والثاني تولّى إمارات محدودة الحجم، وبرز في الشعر. وهناك أولاد فهد، أبرزهم: عبد العزيز القابض على ثروة تعدّ الأكبر من نوعها في المملكة وربما العالم، ويسيطر عبر آل الإبراهيم، أي أخواله، على محطة «أم بي سي» ومتفرعاتها. وهناك أبناء سطان ـــ ولي العهد الراحل الذي كان الأقوى ولكنه فارق الحياة باكراً ـــ وأبرز أبنائه: خالد، صاحب جريدة «الحياة» والذي فشل فشلاً ذريعاً في حرب اليمن عندما كان على رأس وزارة الدفاع، وبندر السفير ورجل الأمن.
ومع تولي سلمان منصب الملك، ومحمد بن نايف ولاية العهد الثانية، يعود نفوذ السديريين إلى الواجهة. لكن آليات الحكم والسلطة تبدّلت. وسلمان ملكاً، هو غيره ولي العهد ولو كانت صحته متدهورة، حاله حال سلفيه الراحلين، يبقى قادراً على فرض تسويات جديدة، علماً أن الصراع الحقيقي هو بين أحفاد حصة من جهة، وأبناء عبدالله من جهة ثانية.
متعب هو رئيس للحرس الوطني، وهو الجهاز العسكري الداخلي الأقوى الذي أسسه الملك الراحل قبل نحو أربعين عاماً، وظلّ على رأس قيادته إلى أن سلّم القيادة لمتعب. ويقال إنه كان يعرف أفراد الحرس فرداً فرداً، ويدينون له بولاء مطلق، وسهر على تجهيزهم بأحدث المعدات، ووفر لهم مدناً سكنية وطبية ورعاية هي الأفضل من نوعها. وتولى أبناء عبدالله الآخرون مناصب مهمة، أبرزهم، بالإضافة إلى متعب، تركي في حاكمية الرياض، وعبد العزيز نائب وزير الخارجية. وهناك خالد في مجلس الحكم ومشعل حاكم نجران.
وكان الاتفاق على تعيين مقرن ولياً للعهد بمثابة محاولة لشراء الوقت إلى حين تعديل نظام الحكم بما ينظم وصول الأصلح بين أحفاد عبد العزيز من أبنائه الملوك إلى سدة الحكم. لكن وجود نايف بن عبد العزيز في وزارة الداخلية لفترة طويلة، ومن بعده ابنه محمد الذي كان نائباً له (تولى الوزارة بعدما عُيّن والده ولياً للعهد)، جعل منه رقماً صعباً يستحيل تجاوزه، ويكسر قاعدة «الأصلح من بين أحفاد عبد العزيز لأبنائه الملوك». فوزارة الداخلية السعودية هي الجهاز الأمني الأكبر في المملكة، والاكثر نفوذا .
مركزا القوة في السعودية متعب بن عبدالله ومحمد بن نايف، الأول يستند الى الحرس الوطني وأشقائه، والثاني يستند الى وزارة الداخلية وأولاد عمومته السديريين، وهو بات أقرب الى الحكم من متعب بعد قرار سلمان الأخير، ما يجعل الصراع بينهما مفتوحا على احتمالات كثيرة.