المقاومة تتابع وداع الشهداء وتجميع معطيات الردّ .. إسرائيل تخادع إيران: أخطأنا بتقدير "مكانة القتلى"!
افراسيانت - السفير - تابعت قيادة المقاومة وجمهورها، أمس، تشييع الشهداء الذين سقطوا في الغارة الإسرائيلية على موكبهم في القنيطرة السورية، فيما شكّلت مراسم العزاء والتبريك التي أقامها «حزب الله» أمس، وتُستكمل اليوم، مناسبة لتظهير التفاف وطني حول المقاومة.
وبينما بقي كيان الاحتلال، على كل مستوياته، منشغلاً بتقدير طبيعة الردّ، وواصلت قيادة «حزب الله» الالتزام بالصمت المفتوح على كل الاحتمالات في تمديد لـ «حرب الأعصاب» المتقنة.. كسرت إسرائيل التكتم الذي أعقب الاعتداء، وأبلغ مصدر مسؤول فيها وكالة «رويترز» أن الجيش هو من نفّذ فعلا الغارة قرب القنيطرة، وأن إسرائيل لم تكن تعلم بوجود الجنرال الإيراني محمد علي الله دادي في المنطقة!
ونقلت الوكالة عن المسؤول الإسرائيلي قوله: لم نتوقع نتيجة كهذه لناحية مكانة القتلى، وبالتأكيد ليس الجنرال الإيراني. وأضاف: ظننا أننا نضرب وحدة ميدانية للعدو كانت في طريقها لتنفيذ عملية على السياج الحدودي. لدينا إنذار، وقد تلقيناه، ولاحظنا سيارة، وشخّصنا أنها سيارة معادية فأطلقنا النار. كان هذا عملاً تكتيكيا محدوداً بالإجمال. وشدّد المصدر على أن إسرائيل غير معنية بالتصعيد في المنطقة.
يحتمل هذا الاستدراك الإسرائيلي قراءتين:
الاولى، لا تأخذه على محمل الجدّ، وتجد فيه عذراً أقبح من ذنب، ومسعى للتمويه على الجريمة الموصوفة بكذبة، ذلك أنه من الصعب الاقتناع بأن العدو المعروف بقدراته الاستخبارية والعسكرية المتقدمة لم يكن يعرف هوية الأشخاص الموجودين في الموكب الذي جرى استهدافه في القنيطرة بعد رصد، وبالتالي فإن كل محاولة لاحقة للتخفيف من وطأة ما حصل هي خدعة لا يمكن أن تمرّ، مهما «تمَسكن» المصدر الإسرائيلي.
ويقود هذا الاستنتاج الى الافتراض بأن العدو الذي وجّه عبر ضربة واحدة رسائل الى «حزب الله» وإيران وسوريا في وقت واحد، يسعى الآن الى حماية ما يعتقد أنه «انجاز»، من خلال الدفع في اتجاه «لملمة» الموقف والحدّ من تداعياته، لاسيما أنه استشعر بخطر حقيقي، في ظل البلبلة التي تسود أوساطه تحت وطأة انتظار «الرد الحتمي» من قبل المقاومة.
أما القراءة الثانية لتصريح المصدر الإسرائيلي، فتميل الى تصديقه، آخذة بعين الاعتبار احتمال ان العدو لم يكن يعلم فعلا هوية أعضاء الموكب المستهدَف، وأنه على الأرجح تعاطى معه باعتباره تابعاً لـ «حزب الله» حصراً، وبالتالي فإن اسرائيل قررت تقديم إيضاحاتها في شأن ما جرى، ربما لتخفيف حدة ردّ المقاومة، ولتحييد إيران التي هددت أمس، بأن تكون العواقب وخيمة.
أياً يكن الأمر، فإن الأكيد هو أنه لن يكون بمقدور اسرائيل أن تعيد عقارب الساعة الى الوراء، وأن أي استدراك من قِبَلها لا قيمة له بعد سقوط الشهداء بكل ما يحملونه من رمزية معنوية وقيمة ميدانية.
وعليه، فإن الرد على اعتداء القنيطرة آت عاجلا أم آجلا، بعدما تكون المقاومة قد أنجزت تشييع الشهداء واستكملت تجميع المعطيات الميدانية، سواء بالنسبة الى كيفية حصول العدوان، أو بالنسبة الى طبيعة الرسالة الجوابية. وحتى لو كان المصدر الإسرائيلي يعني ما يقول عندما أشار الى أن اسرائيل لم تكن تعرف «مكانة القتلى»، فإن «حزب الله» ينطلق في ردّه المرتقب من مبدأ ضرورة عدم السماح بتعديل قواعد الاشتباك بمعزل عن هوية الشهداء.
الهاجس الإسرائيلي
وفي تحليل إخباري نشره المعلّق العسكري لـ «هآرتس» عاموس هارئيل كتب أنه على خلفية تجارب الماضي فإن القرارات الإسرائيلية بشأن الاغتيالات تتخذ على مرحلتين: التشاور بين وزير الدفاع وقادة الجيش الإسرائيلي، وعند الضرورة قادة أجهزة الاستخبارات، وبعد ذلك اتفاق بين وزير الدفاع ورئيس الحكومة. وإذا تعلّق الأمر بمعلومات استخبارية قريبة من موعد العملية، فيمكن للمشاورات أن تكون قصيرة جداً عبر خطوط هاتف مشفّرة. وكثيراً ما حذّر ضباط في الماضي من تنفيذ عمليات كهذه، إذا برزت خشية من التورط أو من عواقب محتملة تتعلق بالتوقيت.
وفي نظر هارئيل يمكن أن تتعارض الآراء في هيئة الأركان، لذلك فإن العامل الحاسم هو وزير الدفاع. وقد اتخذ موشي يعلون دوماً خطاً علنياً هجومياً برّر فيه كل الهجمات الإسرائيلية، وكقائد لـ «سييرت متكال» قاد عمليات اغتيال. ولذلك فإن القرار النهائي بهذا الشأن هو لرئيس الحكومة ووزير الدفاع اللذين بوسعهما تجاهل تحذيرات بعض الضباط وقبول توصيات آخرين.
ويعتقد هارئيل أن التقديرات بشأن عدم رغبة إسرائيل أو «حزب الله» في التصعيد لا تغيّر شيئاً، فقد سبق أن نشبت حرب 2006 في ظل تقدير كهذا. ومع ذلك يبيّن أن الظروف الإقليمية تغيرت بشكل متطرف، و «حزب الله» صار يواجه وضعاً أكثر تعقيداً وهو يحاول أن يرسخ سياسة ردعية في مواجهة إسرائيل، خصوصا بعد عمليات إسرائيلية ضده على الحدود داخل سوريا واغتيالات في لبنان. ويلمّح إلى أن من كانوا في سيارتي «الجيب» من لبنانيين وإيرانيين كانوا في مهمة ميدانية استعداداً لأعمال مستقبلية ضد إسرائيل.
على كل حال، وبرغم التقديرات السابقة بأن «حزب الله» غير معني بالتصعيد وأنه منشغل بمعاركه داخل سوريا ولبنان، فإن التقديرات الجديدة تتحدث عن عدم استبعاد ردّ قوي من الحزب. تشهد على ذلك كثرة اجتماعات أجهزة التقدير والمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للبحث في ردود الأفعال المحتملة للرد على التطورات، في ظل خشية من تصعيد يخرج الحدث عن السيطرة ويؤدي الى مواجهة واسعة مع «حزب الله» وربما مع محور المقاومة.
وأبدى معلّق الشؤون العربية في «هآرتس»، تسفي بارئيل خشيته من أن الغارة في القنيطرة يمكن أن تزعزع «التفاهم الضمني بعدم قيام إيران بالهجوم».
وربما أن إقرار الإسرائيليين بأن العملية كانت تكتيكية وأنهم لم يكونوا يعرفون «مكانة» من فيها، هو مخرج لإقناع دول بالتدخل من أجل منع تصعيد محتمل. ومع ذلك فإن الجيش الإسرائيلي نشر بطاريات «القبة الحديدية» في الشمال، وأعلن عن حالة التأهب وزج المزيد من القوات هناك.
وكان رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال بني غانتس قد أعلن عن «تحديات نواجهها في كل نقطة زمنية، في كل واحدة من ساحات عملنا، في الجنوب، في الوسط وفي الشمال. نحن جاهزون، نتابع كل التطورات ومستعدون للمبادرة او العمل بقدر ما يحتاجه الامر». «صواعق مدمرة»
في المقابل، نقلت وكالة «فارس» الإيرانية للانباء أمس، عن القائد العام للحرس الثوري الايراني الجنرال محمد علي جعفري قوله إن سقوط هؤلاء الشهداء برهن على الحاجة إلى التمسك بالجهاد، «ويجب ان ينتظر الصهاينة صواعق مدمّرة».
وأضاف: الحرس الثوري سيقاتل حتى نهاية النظام الصهيوني.. ولن ننعم بالراحة الى ان يتم القضاء على هذا المثال للرذيلة من الجغرافيا السياسية للمنطقة.