تسويات سياسية تلفح الجميع لخلق نظام اقليمي جديد أساسه إيران .. وموسكو تصنع معادلة(سوساي)لخلق أنصاف استدارات
افراسيانت - كتب: المحامي محمد احمد الروسان* - المنطق السياسي المرتكز الى الحقائق يتموضع: في أنّ العالم قبل الأتفاق النووي مع ايران(لم يتم تسييله حتّى اللحظة لا في أروقة الكونغرس الأمريكي ولا في أروقة مجلس الشورى في ايران)ليس هو نفسه بعد ذات الأتفاق، وهذا العالم وقّع الأتفاق مع ايران واتجه بالأستثمار فيها بالمعنى الأقتصادي، فهو وقّع وثيقة خاصة بانهاء الأرهاب في المنطقة بما فيه داعش ليجعل المنطقة مستقرة، وهذا أمر في منتهى الدقّة، حيث تدرك "اسرائيل" أنّ الأتفاق النووي كان مقابل تنازلات غربية، فلا يمكن لأوروبا أن تقامر باستثمارات ضخمة في منطقة غير مستقرة، فكان الأتفاق مع طهران مقابل تنازل غربي عن بعض الملفات، لقاء العلاقة الجديدة مع ايران والتمهيد للعودة الى العلاقات الطبيعية مع دمشق(لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟).
والغرب بات يدرك أنّ ناتج تقسيم المنطقة لن يعزّز من أمن"اسرائيل" في شيء، لذلك صار يتراجع عن الحرب على سورية وفي سورية، حيث أوروبا مترهلة اقتصادياً والمزاج الغربي تغير ازاء سورية، وموسم الأنتخابات على الأبواب في جلّ القارة العجوز. ونشر البيت الأبيض صور نادرة لأحداث أيلول الأمريكي الأسود ليس أمراً عادياً، بل هو تذكير للشعب الأمريكي بفاجعته الكبرى خلال العصر الحديث، وهو هدف لتحضير الرأي العام الأمريكي لتحولات ما من أجل قبول التحول الأمريكي في الملف السوري من باب محاربة الأرهاب.
ومع ذلك لا استدارات أمريكية كاملة في المنطقة وخاصةً ازاء الحدث السوري، بل هناك ادارة للأزمة، وما يجري من حراك دبلوماسي وسياسي ومخابراتي واقتصادي يوحي أنّ هناك استدارات أمريكية، بالرغم من وجود تفاهمات سياسية تصل درجة الأتفاق السياسي في قلب الأتفاق النووي، وبالرغم من طلب مؤسسة راند البحثية الأمريكية، والتي تقدّم استشارات للمؤسسة العسكرية الأمريكية من البنتاغون ومجتمع مخابراته البدء بالمرحلة الأنتقالية في سورية ببقاء الرئيس الأسد وبقيادته واشرافه، وهي هنا تنسجم في طلبها هذا مع المبادرة الأيرانية المعدّلة والتي هي في الأساس تعتبرها موسكو مبادرتها أولاً.
اذاً اتفاق سياسي أمريكي ايراني في قلب اتفاق ايران النووي، اتفاق سياسي على اعادة تشكيل المنظومة الأقليمية في المنطقة، اتفاق حصلت عليه ادارة أوباما كورقة لتسويق الأتفاق النووي وقبوله في أروقة الكونغرس الأمريكي، حيث الأتفاق النووي وبقلبه السياسي، عوّم مقترحات ومبادرات ديمستورا، لذا جاءت المبادرة الأيرانية المعدّلة والتي هي بالأساس روسية أولاً كما أسلفنا، والسؤال هنا: هل نحن عندّ عتبة الحل السياسي في سورية؟.
ولأنّ السياسة الدولية هي فن ادارة التناقضات، نجد واشنطن تدعم قوات الحماية الكردية السورية في مواجهة داعش، فهي تدعم ذراع PKK السوري ضد تلك العصابة، بما يتناقض مع المصالح التركية، فهي تدعم قوات الحماية الكردية لمحاربة عصابة داعش، لكن دون مواكبتهم في بناء مشروعهم السياسي حتّى لا تغضب تركيا، حيث الأكراد السوريين صاروا يتمتعون بفائض قوّة يزعج أنقرة. ويبدو أنّ الأكراد حاجة أمريكية وايرانية على السواء في مشروع النظام الأقليمي الجديد للمنطقة، حيث واشنطن تسهّل الدور الكردي على الأرض في الحرب على داعش كما في تل أبيض وكوباني، مع التأكيد أنّ ايران لن توافق على تسوية للنزاع في سورية، من شأنها أن تقطع أو تلغي الجسر الذي يتلقى حزب الله امداداته منه، لذلك قلنا ومنذ البدء أنّ معركة القلمون السوري هي معركة صراع الأرادات الدولية والأقليمية(ودائماً لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟).
ونلحظ اتصالات سعودية سورية في القناة الروسية، في حين أنّ الرئيس في لبنان في قناة تفاهم ايراني سعودي، وبوضع سورية على سكّة الحل السياسي، مع التأكيد أنّه لا تطورات ولا استدارات الآن الاّ بعد ثلاثة أشهر وأزيد من ذلك، حتّى يصار الى تسليك الأتفاق النووي أمريكيّاً وايرانيّاً، وسيبقى الملف الرئاسي في لبنان على لائحة الأنتظار الأقليمي والدولي، ومقابل كل ذلك وفي العمق تعمل موسكو على بلورة تحالف اقليمي ودولي لمحاربة الأرهاب وعصابة داعش، الذي قاد الى مروحة من الحراك الشامل بالمعنى الرأسي والعرضي في المنطقة، بعد اطلاق الرئيس الروسي لمبادرته الأخيرة(موجّهة الى خصوم سورية وايران ليست منهم قطعاً)لكي يكونوا جزء من الحل وليس جزء هام من المشكلة، واستقبال بوتي لمحمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي في موسكو، ولقاء المعلّم وليد المعلّم في موسكو أيضاً، وبعيد توقيع الأتفاق النووي مع ايران(ولا أحد يعرف كيف تفكر دمشق).
فهل بدأت عقابيل وتداعيات الأتفاق النووي على المستوى الأقليمي وقبل تسييله ضمن المؤسسة التشريعية الأمريكية ونظيرتها الأيرانية؟
وهل نحن بصدد تسييل اقليمي للآتفاق النووي تحت وضع المنطقة كلّها على سكة التسويات؟ هل حسم اليمن للسعودية والعراق لأيران؟ وهل حسمت سورية لروسيّا وليبيا لأمريكا؟ حسناً اذاً أين باقي الساحات في المنطقة؟ هل غدت تفاصيل؟ ويلي على تلك الساحات التي قد تصبح فرق عمله بسبب استراتيجيات الطبخ الرديء، والتي لا تنتج الاّ سياسات باعة الأرصفة يوم الجمع، وبسبب دبلوماسيات الصعاليك.
تدحرجت الفكرة ضمن التفاهم الروسي الأمريكي، ثمة أثمان أخرى تطرح على الطاولة في السياسة كما في الأقتصاد والعكس أصح وأعمق، والروس وكما أسلفنا تعاملوا مع المبادرة الأيرانية المعدّلة والى حد ما بأنّها مبادرتهم هي أولاً، ثمة فرصة للقاء سعودي سوري علني برعاية روسية قريباً في موسكو، حيث يوجد تفويض أمريكي لروسيّا للتوصل الى تسوية سياسية للنزاع السوري، في لبنان نتجه الى صيغة جديدة أقل من الطائف وأكثر من الدوحة، أو اعادة هيكلة للطائف لا هندرة، كون الأخيرة تعني الشطب، وان كان الشطب لأتفاق الطائف يريح المارونية في لبنان، كون الدور السياسي تراجع للأخيرة، ومنذ تطبيق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وهذا الحراك الأقليمي وحده يعطي التفسير الهادىء الذي رافق التمديد لسنة لقادة الأجهزة الأمنية في لبنان.
واذاً طاولة التسويات السياسية سوف تلفح الجميع، بما فيها الساحة اللبنانية والفلسطينية وارتباطاتهما بالساحة الأردنية(الأمريكي ومعه الأسرائيلي من تحت الطاولة يعتبرانها الحلقة الأضعف)، وان كان ما يجري في المنطقة الآن وبعد مبادرة الرئيس الروسي بوتين، في تشكيل حلف اقليمي لمحاربة الأرهاب(سورية، السعودية، الأردن، تركيا)، هو بمثابة ادارة للأزمات في الشرق الأوسط لحين نضوج الحلول، فالنتائج ما زالت صفراء وصفراء وصفراء.
فالتفويض الأمريكي لموسكو يقوم بالبدء، بالحراك السياسي القائم على مكافحة الأرهاب، ثم حتمية الحل السياسي، مع خروج كل الأطراف الأقليمية(ايران، السعودية، تركيا)بمكتسبات من مثل هذا الحل، بالرغم من أنّ مواقف الأطراف الدولية والأقليمية ما زالت متباعدة وبعمق، حيث نجد أنّ أمريكا مع حل سياسي يستثني الأسد، مع عدم ممانعة في مشاركته لمكافحة الأرهاب، في حين موسكو ترى وتصر على أنّ الحل لن يكون الاّ بوجود الأسد وحتّى انتهاء ولايته الحالية، مع حقه في الترشح لاحقاً، أمّا السعودية وبعد الأتفاق النووي مع ايران تصر على حل متزامن في اليمن وسورية ولبنان، ينتهي بخروج الأسد من اللعبة وبمكتسبات للسعودية يجعلها دولة ذات نفوذ في سورية واليمن ولبنان، يعادل النفوذ الذي يعطيه الأتفاق لأيران في الأقليم، وأمّا تركيا هي مع حل سياسي يسقط الأسد ويأتي بمكتسبات لصالح تركيا، باقامة منطقة آمنة في الشمال السوري ومحاربة الأكراد مقابل تسييل استثمارهم الضخم في دعم محاربة داعش، بشرط أن تكون محاربة على الطريقة الهوليودية رمزية فقط، وأخيراً ايران والتي تصر على بقاء الأسد واستمرار الخط البري مفتوحاً من طهران الى سورية الى لبنان عبر العراق.
نجد الآن تصعيد سعودي في اليمن، وتصعيد عسكري متزامن مع اشتداد المعارك في سورية، مع ايعاز سعودي لحلفائها في لبنان بالتصعيد عبر تهريبة التمديد لقادة الأجهزة الأمنية، وهذا يقود الى ازالة مظلة الأستقرار الدولي التي كانت تغطي لبنان في السنوات الماضية، والأولوية تبقى لما يجري على أرض الميدان، ان في اليمن، وان في سورية، وان في العراق.
القرار الذي صدر مؤخراً عن مجلس الأمن الدولي وتحت الفصل السابع ذو الرقم 2235، مرتبط وبعمق بالحراك الجاري في المنطقة، والذي جاء بتوافق وتفاهم روسي أمريكي بخصوص التحقق والتحقيق، ضمن لجنة مشتركة دولية وبالتعاون مع الحكومة السورية، في من استخدم السلاح الكيميائي في سورية، تريد واشنطن منه بأن يكون ورقة ضغط سياسية على النظام السوري لتحصل على مزيد من مكتسبات اقتصادية وسياسية في سورية، وخاصة في الأستثمارات في قطاع الطاقة، في حين موسكو تريد منه تبرئة الحكومة السورية تمهيداً للحل السياسي القادم ان سارت الأمور على ما يرام(وبالمطلق لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟
).
توافق روسي أمريكي على مشروع القرار الجديد بخصوص سورية الذي صار قراراً وأخذ الرقم 2235، يقابله تفويض أمريكي للروسي في ايجاد حل للحدث السوري على طريقته بالتعاون مع الأيراني، دون أي اعاقات أمريكية، ودفع السعودي لتسهيل مهمة الروسي والأيراني.
وتأسيساً على ما تم ذكره سابقاً، هناك جهود روسية عميقة تتموضع بشكل أساسي على تحقيق أو خلق مقاربة تمهد لنصف استدارة على طول خطوط العلاقات السورية السعودية، والسعودية الأيرانية عند عتبة نضوج الصفقة الأقليمية والدولية. فلا أفق لأي حل سياسي ان في سورية بمعزل عن الرياض وحلفائها، وان في اليمن بمعزل عن دمشق وطهران وحلفائهما، وبعبارة أكثر وضوحاً في هذه الجزئية(اليمن مقابل سورية).
فروسيّا هي من تهندس اللقاءات السورية السعودية، لخلق المقاربات للوصول الى الأنصاف في الأستدارات، والتي حتماً ستقود في النهاية الى استدارات كاملة وشاملة وقاطعة لحظة النضوج، لكنها تحتاج الى عمليات استثمار في الوقت وبالعمل التراكمي وسيأخذ ذلك زمناً. والعاملين في كواليس مطابخ صنع القرار الروسي يجهدون لأنتاج حل للمسألة اليمنيّة أو الحدث اليمني، وهو ذات الجهد والمجهود لأنتاج حلحلة الحل للمسألة السورية وملحقات الحل، ان في لبنان، وان في العراق، وان في ليبيا، والغائب فلسطين كل فلسطين المحتلة، اللّهم الاّ فيما يتعلق بجعل الساحة الأردنية كمخرجات للملف الفلسطيني، والذي صار ملفاً ثنائيّاً بامتياز على المسار الفلسطيني الأسرائيلي، كجزئية من مشهد الصراع العربي الصهيوني الأستراتيجي ككل، حيث المستفيد الوحيد والأوحد "اسرائيل" من كل ما يجري.
موسكو تعمل على ترسيم معادلة سوساي(سورية، سعودية، ايران)، والتي ستحدد مسارات المرحلة المقبلة للوصول الى حلول لبؤر الصراع أو بالحد الأدنى أنصاف حلول ثم التمدد بالباقي، والروس يفكّرون في محطة الأجتماعات القادمة للجمعية العامة للآمم المتحدة والتي سيشارك فيها المعلّم وليد المعلّم، وبجانبه صقر الدبلوماسية السورية الدكتور بشّار الجعفري المندوب السوري للدولة الوطنية السورية، كونها المنصّة المحتملة لأطلاق مسار جديد في مسألة التعاطي مع الحدث السوري من خلال مكافحة الأرهاب أولاً، وكذلك التعاطي مع الحدث اليمني من خلال محاربة الأرهاب أولاً، وبشكل متوازي مع سقف حوار واسع يجمع كافة الأفرقاء في اليمن. وبعبارة أخرى، الأرض السورية واليمنيّة منطلقان أساسيان في التأكيد على حلول سياسية، تتأتّى من حوار كل المجموعات المتخاصمة والمتحاربة أو المحتربة، للوصول الى حكومة وحدة وطنية كما أقترح في اليمن بخصوصيته الواضحة.
ونلحظ في الدور الروسي والأيراني والعماني، ازاء أي مبادرة تطلق، بأنّ أن تكون بالتنسيق مع الدولة السورية وتحافظ على السيادة الوطنية بعيداً عن أي تدخل خارجي، وتؤكد عواصم الدور الأيجابي في الحدث السوري على أنّ الثقل في طرح أي مبادرة وآخرها المبادرة الأيرانية، هو على طريقة تجاوب الأسرة الدولية معها، ونوع الحماس الذي تبديه دمشق، وان كان بالتقسيط المريح وعلى دفعات(ودائماً وأبداً لا أحد يعرف كيف تفكر دمشق؟).
وبالمطلق يبدو أننا أمام المسار الأول من النظام الأقليمي الجديد الذي بدأ من اليمن الى سورية، فمسار النقاشات بين واشنطن وايران انطلق من هنا ومن هذه الفكرة، في القدرة على ترميم نظام اقليمي جديد، لن يكون بديلاً عن سايكس بيكو بالمطلق، حيث تم التفاهم والأقرار على عدم البدء في تجويفات لجغرافيات سايكس بيكو بالمعنى السياسي والأمني تحديداً، وتم الأتفاق على تطويره وتحديثه وادارته ذاتياً ولكن بمعايير جديدة ومستحدثة.
كون التجويف لجغرافية سايكس بيكو وحسب المنطوق الروسي والأيراني يرسّخ تنظيم داعش كعصابة عابرة للحدود، وهذا من شأنه أن يقضي على معظم المكونات المسماة بالأقليات، وهي في طبيعة تكوينها السياسي نواة التوازن بمعناه السياسي الأستراتيجي.
اذاً قواعد ومسارات اللعبة في المنطقة كلّها تغيّرت بفعل الأتفاق النووي مع ايران، والنظام الأقليمي الجديد الرأسي أساسه ايران، فهو بين سورية واليمن ميدانيّاً، وهو من سيحدد مصير لبنان ونظامه السياسي بالعناوين المطروحة في سياق تكوينيّ وكيانيّ.
انّ الرهان الغربي والأميركي وبعض العربي، على تخلي موسكو وطهران والصين عن النسق السياسي السوري وبعد أربع سنوات ويزيد من الحرب الكونية، هو رهان خاطئ لا بل وساذج لأنّه ببساطة، كون سورية أصبحت مفتاح التحولات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، إيران تدرك أنها مستهدفة من خلال سورية، أمّا الفدرالية الروسية، التي تمنحها سورية إمكانية العبور إلى الشرق الأوسط بأزماته وثرواته، وفرصة إيجاد تعددية قطبية جديدة تتوزع فيها المسؤوليات والواجبات والمزايا والعطايا، وحيث الدول ليست جمعيات خيريّة فما يحكمها المصالح والمصالح فقط بجانب الروابط الأستراتيجية واستهدافات الأمن القومي، وفي ظل تراجع مشروع الهيمنة أو الأحادية الأميركية الى حد ما، ورغم سعي واشنطن للسيطرة على العالم رغم ما تعانيه من أزمات متشائلة، لذلك موسكو لا تريد خسارة ورقتها السورية التي تسمح لها بالإطلالة على البحر المتوسط، والذي يشكل رافعة إستراتيجية لمعابر النفط والغاز، لذلك كانت موسكو شرسة بما يجري في أوكرانيا، والأخيرة نتاج المسألة السورية بتفاصيل الموقف الروسي نحوها.
والمفهوم الصيني للمسألة السورية، ينطلق من ذات المفهوم الروسي والأيراني، والصين تدرك أيضاً أنّ المجمّع الصناعي الحربي الأمريكي يعتبرها هي العدو والعدو والعدو الأول، لذلك نجد الآن كيف يتم تفعيل منظمة شنغهاي روسيّاً وصينيّاً وايرانيّاً لتلعب أدوار حلف وارسو الجديد، مقابل العلاقات مع الأطلسي بوجه العسكري والمخابراتي بعد قمة لشبونة الشهيرة(قبل مرحلة ما سمّي أمريكيّاً بالربيع العربي).
وعبر هذه الخلفية الأستراتيجية فانّ موقف نواة الدولة الوطنية الروسية، يوصف بأنّه يتعاطى ويتحرك وفق ذهنية أمن قومي داخلي خاص به، بعبارة أخرى أنّه إذا سقط الحليف السوري كنسق سياسي وبرمزه الرئيس بشّار الأسد وبالأخص في هذه المنطقة الجغرافية، فهو سينعكس سلباً وبعمق على الوضع الروسي الداخلي وتعقيداته وتشابكه مع محيطه ومجاله الحيوي.
انّ مجتمع المخابرات الروسية يدرك جيداً أنّ رؤية ومشروع مخطط جنين الحكومة الأممية( البلدربيرغ)، هو في تنصيب الجمهوريىة التركية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الأسلامي وجعلها رأس الحربة في هذا المشروع، كي تلعب هذا الدور في الحدائق الخلفية لموسكو وذات دول الخلفيات الأسلامية، أي بمعنى أن الغرب يقول للأتراك:- (يا تركيا) لا أمل لك في الانضمام إلى أوروبا، وعليك الدخول إلى هذا الشرق ولعب هذا الدور لصالحنا ولصالحك في شرق آسيا وشرق البحر المتوسط، وبالتالي من هذا المنطلق أو التحليل تتحرك ذهنية وفكر الروسي، بأنّ تركيا لا يجب أن تنتصر في هذه المعركة خوفاً على الفيدرالية الروسية، وحماية لها ولحلفائها ومجالها الحيوي، ومؤخراً دخلت أوكرانيا على هذا المفهوم، فضمّت القرم الى الأتحاد الروسي وعبر استفتاء شعبوي بعيداً عمّا يروج له الأعلام المضاد، اعلام البلدربيرغ الأمريكي ومن ارتبط به من اعلام العربان وأشباههم.
هذا الترابط في النقاط الأساسية والمشتركة بين الدور التركي والأطلسي في المنطقة، يدفع الروس للاستنتاج بأنه إذا تم إيذاء سورية، فسوف يكون إيذاء مباشر لروسيا ومن ثم الصين، وهو ترابط أخطر من المصالح، فاذا حسمت المعركه حسمت باسم الأطلسي وتركيا، والدور بعدها سيكون الى آسيا الوسطى والجمهوريات السوفيتيية الاسلامية، الموضوع أبعد من المصالح بين الدول وله علاقة مباشرة بتهديد الأمن القومي الروسي في العمق مباشرة، لأنه يمثل خطر على روسيا عبر نقل الحركة الاسلامية الاخوانية الى حدودها، والى داخلها بنفس منطق الحركة الاسلامية في الربيع العربي والذي ان انتصر كليّاً، فستتولى تركيا اكماله في روسيّا نيابة عن الأمريكيين والغربيين، هكذا هي تركيا في مخيخ وعين نواة الفدرالية الروسية وهكذا ينظر الروسي الى التركي بشكل عام.
من هذه الرؤية الأستراتيجية التي تحاكي المنطق أو التحليل، أتت المواقف الروسية المتشددة لمصلحة سورية، والتي أعقبت أيضاً الفيتو الروسي الصيني المشترك لأكثر من ثلاث مرات متتالية في مجلس الأمن الدولي، وهذا يؤكد على وجود مقاربة روسية جديدة ومختلفة عما مضى، فصانع القرار في موسكو معنيّ بالدفاع عن سورية، ولن تكفيه في مرحلة التراجع الأميركي حصة افتراضية في واقع افتراضي يراد أن يتحقق أميريكياً في الساحة السورية، لمرحلة ما بعد الخروج من العراق والخروج من أفغانستان، بالرغم من أنني لا أعتبر ذلك خروجاً أمريكيّاً، بقدر ما هو اعادة انتاج للدور الأمريكي عبر(الهندرة) كمفهوم في اعادة البناء والتأسيس، بكل ما ينطوي عليه من معانٍ وأبعاد وتداعيات استراتيجية في المنطقة والعالم.
انّ عملية(الكباش المتجدد المعلن وغير المعلن)على طول خطوط العلاقات الروسية الأمريكية ومن خلفها مع الغرب، تقود الى حروب أعمق من الحرب الباردة وأشرس من حرب عسكرية، وهذا ما يبرر توجه المزيد من مجموعات الخبراء الروس، من مختلف قطاعات الجيش الروسي الى الجغرافيا السورية، بعد الحسم الوشيك في جغرافية القلمون السوري، استعداداً لما قد يحضّر لدمشق من الجنوب السوري وما قد يحظّر لها في الشمال مع تركيا، وهو ما يبرّر أيضاً توجه عدداً من السفن الحربية الروسية من القرم باتجاه المتوسط، لتعزيز قاعدتها العسكرية في طرطوس، بحيث يبدو أيضاً أن لهذه القاعدة حسابات لا يمكن أن تلتقي مع التي تؤسس لها واشنطن وتعمل من أجلها عبر التعاون مع الغرب وبعض العرب الواهم، وهذا ما يعزّز الحرب بالمفهوم السابق وصفه، بما فيه أي تسوية محتملة للمسألة السورية والمسألة الأوكرانية.
روسيّا تدرك ديكتاتورية الجغرافيا السورية، كما تدرك حالة الخلع الأستراتيجي في المنطقة، وأنّ سورية بنسقها السياسي وعنوانه بجانب الجغرافيا منطقة إستراتيجية لا تفوّت، ولذلك ترغب في زيادة نفوذها فيها من خلال توسيع قاعدتها البحرية وخاصة بعد أن صار القرم جزء من الأتحاد الروسي، فهي تشعر بالقلق والاستفزاز وتهديد لها بما يحصل من نشر رادارات الدرع الصاروخي الأطلسي في كل من تركيا وبولندا، لذلك لن تتخلى عن منطقة نفوذها في المنطقة كونه يهدد مصالحها ويعزلها ويؤثر على اقتصادها ومجالها الجيوسياسي، وهنا تبرز أهمية دور موقع سورية الجغرافي وكلاعب كبير في السياسات الإقليمية والدولية، بجانب تماسك دولاتي لمؤسسة الجيش العربي السوري العقائدي وانجازاته الميدانية المستمرة، والذي وفّر الفرصة الكافية لتماسك القطاع العام السوري، وهى أوراق مهمة وقويه تعتمد عليها سورية ونسقها السياسي في مواجهة المؤامرة والخروج من الأزمة، بمسار سياسي وحسم عسكري لمجاميع الأرهاب المدخل.
أحسب وأعتقد أنّه ورغم كل ذلك، ما زالت العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي تدخل في حزم جديدة من الأزمات لا حزم حلول لمتاهاتها العميقة في العالم، وخلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز الست سنوات، عزّز مجلس الأمن القومي الأمريكي استراتيجية الاحتواء لجهة إضافة عنصر الاستباق، ولم تعد الإدارة الأمريكية تنتظر نشوء المخاطر والتهديدات ثم الشروع في احتوائها وفقاً لاعتبارات الأمر الواقع، وبدلاً عن ذلك فقد دفعت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي باتجاه مفهوم تعبئة القوى والموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية، وتجاوز منظومة القيم الدولية القائمة على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والعمل بشكل استباقي لجهة التعامل بشتى الوسائل والأساليب العسكرية وغير العسكرية مع كل ما تعتقد الإدارة الأمريكية بأنه يشكل خطراً يهدد المصالح الأمريكية.
انّ الولايات المتحدة الأمريكية ورغم ما عانته وتعانيه من أزمات سياسية واقتصادية وعسكرية، وقد لا تظهر للشخص العادي غير المتابع لمفاصل تطورات النسق السياسي الأمريكي، الاّ أنّ العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي وبغض النظر ان كانت الأدارة التي تسيّر أعمال وتفاعلات النسق الأمريكي (ديمقراطية أو جمهورية) قد بدأت الشروع في تنفيذ مخطط السيطرة على العالم، غير مهتمة بفكرة التعددية التشاركية في قيادة العالم والحفاظ على التوازنات الأممية.
هذا وقد تضمنت مسألة السيطرة على خطوات عملياتية تراوحت من نشر القدرات العسكرية الأمريكية في سائر أنحاء العالم، إضافةً إلى اعتبار خارطة العالم بأنها تمثل المسرح العسكري الذي يتوجب أن يتم تجهيز القوات الأمريكية على أساس اعتبارات احتمالات خوض الحرب في أي مكان منه وأي زمان، واستناداً إلى هذا المفهوم قسّم البنتاغون العالم إلى مناطق عسكرية، بحيث أصبحت كل منطقة إقليمية تقع ضمن نطاق إحدى القيادات العسكرية الأمريكية.
وتبع الخطوة السابقة مسألة أمركة الاقتصاد العالمي، وذلك عن طريق استخدام المؤسسات الاقتصادية الدولية الثلاثة الرئيسية: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، في القيام بإدماج الاقتصادات العالمية ضمن إطار نفوذ الاقتصاد الأمريكي، على النحو الذي يتيح للاقتصاد الأمريكي وضعاً استثنائياً ومزايا اقتصادية دولية استثنائية تعزز القدرة على نقل التضخم والبطالة وانخفاض معدلات النمو وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الكلية السلبية إلى الاقتصادات الأخرى، وبعبارة أوضح: أن يدفع الآخرون خسائر الاقتصاد الأمريكي.
كما عملت وتعمل واشنطن على إعادة توجيه المجتمع الدولي، عبر الدفع باتجاه توظيف مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية في عملية إعادة ضبط وتقويم منظومة القيم الدولية، بما يتيح للإدارة الأمريكية والكونغرس الأمريكي ممارسة النفوذ على الكيانات الدولية كما لو أنها كيانات خاضعة لسلطة السيادة الأمريكية – انّها الغطرسة الأمريكية والوقاحة السياسية.
وصحيح أنّه بعد الحرب الجورجية الروسية في عام 2008 م، لم تحدث المواجهة العسكرية الروسية – الأمريكية، ولكن حدثت مواجهة البروكسي بين روسيا وجورجيا، والأخيرة خاضت حرباً بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كشفت التسريبات والحقائق أن العملية العسكرية التي نفذتها تبليسي قد تم الترتيب لها بواسطة الإدارة الأمريكية ومباركة الرئيس بوش الأبن.
فمن سورية وحدثها، الى أوكرانيا ومسألتها، بجانب ما حدث في جورجيا عام 2008 م، فانّ تحليل الوقائع والأحداث وتداعياتها، يشير بوضوح إلى أن عملية إعادة اصطفاف عسكري – أمني دولي ستحدث، وسيكون من أبرز تداعياتها صياغة معادلة جديدة لنظام (الأمن العسكري – الأمني الدولي والإقليمي) ومن أبرز الملامح المتوقعة يمكن الإشارة إلى الآتي:
تعديل نظام توازن القوى داخل مجلس الأمن الدولي على النحو الذي ستقف فيه روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية التي ستجد الدعم الواضح من بريطانيا، مع احتمالات أن تعود فرنسا إلى موقفها الاستقلالي السابق داخل مجلس الأمن الدولي، مكونة(فرنسا)ما يمكن أن نسميه القوة الثالثة الدولية داخل المجلس، وذلك بما يتيح للفرنسيين المزيد من هامش حرية الحركة والمناورة داخل المجلس وذلك نكايةً بألمانيا، وهو أمر سيؤدي حدوثه إلى إنهاء التحالف الفرنسي – الأمريكي في مجلس الأمن، والذي سبق أن أسفر عن صدور الكثير من القرارات الجائرة، وعلى وجه الخصوص تلك القرارات المتعلقة بالأزمة الليبية والسورية وأزمة مالي والأزمة اللبنانية وأزمة دارفور وغيرها.
فألمانيا أقوى الأقتصاديات الأوروبية حتّى اللحظة، والهدف الان هو كيف يتم اضعاف ألمانيا اقتصاديّاً؟ فجاءت المسألة الأوكرانية كفرصة ذهبية للزج بألمانيا بتفاصيل الحدث الأوكراني، لضمان تغطية اقتصادية كبيرة تضعفه ولأعادة توجيهه من جديد نحو موسكو، والأخيرة وعبر مجتمع مخابراتها الأقتصادية والمالية وضع كافة ما لديه من معلومات وأوراق، على طاولة مجتمع المخابرات الألماني وباللغة الألمانية التي يتقنها الرئيس فلادمير بوتين.
أيضاً كما سعت وتسعى أمريكا لتعديل بنود وأجندة العلاقات عبر الأطلنطي، فخلال فترة الحرب الباردة، كانت واشنطن تقوم بدور الحامي والمدافع عن أوروبا في وجه الخطر الشيوعي – السوفيتي – النووي، وبعد انتهاء الحرب الباردة ظلت أمريكا تقوم بدور الشريك العسكري – الأمني المدافع عن استقرار أمن أوروبا، والذي أكد ذلك عملياً بتدخله في أزمة البلقان، إضافةً إلى دور الزعيم العالمي المكلف بنشر وحماية القيم الديمقراطية الليبرالية الغربية.
ولكن بعد حرب جورجيا – روسيّا عام 2008م، وبعد الخديعة الغربية لموسكو في ليبيا والتي تعيش مرحلة اللاّدولة، وبعد الحرب الكونية على سورية وما زالت تستعر، وبعد تجليات الحدث الأوكراني وعقابيله عبر ضم القرم لروسيّا عبر استفتاء شعبوي نزيه وعميق أذهل الغرب، وبالرغم من التوافق الأمريكي الأوروبي حتّى اللحظة ازاء كييف وحدثها.
والسؤال المطروح الآن وبتجرد: هل سيصمد جدار التفاهم الأوروبي الأمريكي هذا والذي اتخذ خطوات عملية لأطول فترة ممكنة؟ وهل ستدخل العلاقات عبر الأطلنطي، في مواجهة عاصفة الخلافات الأمريكية – الأوروبية لاحقاً، لجهة رغبة بعض الأطراف الأوروبية الرئيسية مثل فرنسا وألمانيا الوقوف موقف الحياد إزاء ما يجري على خطوط العلاقات الروسية – الأمريكية، ورغبة العديد من الأطراف الأوروبية عدم الاستجابة لطلب الولايات المتحدة المتعلق بملف توسيع حلف الناتو شرقاً، وضم جورجيا وأوكرانيا إلى عضويته، إضافة إلى عدم رغبة الأوروبيين في الاستجابة للطلب الأمريكي المتعلق بتوسيع الاتحاد الأوروبي شرقاً؟ وهل ستنتقل أوروبا من مرحلة الهجوم الى مرحلة الحياد لاحقاً ازاء ما يجري؟ وهل تستطيع أوروبا ابتلاع أوكرانيا اقتصاديّاً؟ ألا تشكل أوكرانيا باقتصادها المتهالك والمنهار قنبلة هيدروجينية في الحضن الأوروبي؟
*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*
www.roussanlegal.0pi.com
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.